أصبح شهر *أكتوبر* شهرًا مشؤومًا فى إسرائيل. ففى الساعة الثانية بعد ظهيرة يوم السادس من أكتوبر عام 1973 ـ حسبما يروى المؤرخون الغربيون ـ دوت فجأة صفارات الإنذار وانتفضت مذعورة على إثرها رئيسة الوزراء جولدا مائير فردت عليها إحدى سكرتيراتها باللغة العبرية قائلة: *«هذا يبدو تمامًا مثل الحرب»*
فصاحت السيدة اليهودية العجوز قائلة بنفس اللغة: «Nor dos felt mir» ومعناها «لم ينقص إلا هذا!» ثم أردفت بالإنجليزية *: «سيندمون على ذلك».*
وفى نهاية الظهيرة إذا بحصون خط *بارليف* كلها تتهاوى كالتراب الواحد تلو الآخر، إذ فتحت الوحدات الهندسية المصرية بخراطيم المياه فجوات هائلة فى *جبل الرمال* الذى شيده الإسرائيليون والذى طالما تغنوا بمناعته وباستحالة اختراقه. لم تكتف القوات المسلحة المصرية بتدميره، إذ توغلت بعد ذلك فى أراضى سيناء لتحرق المنشآت البترولية
وخلال يومين تحطم *الطيران الإسرائيلى* بفعل صواريخ سام 6. وفى وصف هذا الحدث يعقد المؤرخ اليهودى *موردخاى* بارـ أون مقارنة بين مباغتة الجيش المصرى لقادة الدبابات الإسرائيلية بالمفاجأة الصاعقة التى أطبقت على الفرسان الفرنسيين حينما أمطرهم الجنود الإنجليز بالسهام فى معركة « *أزينكورت» عام 1415* .
ألحق *الجيش المصرى* بإسرائيل هزيمة نكراء أصابت قياداتها بصدمة كبيرة لا تزال تتألم من ذكراها حتى وقتنا الحاضر. ولم تفلح هذه القيادات بإعلامها فى الإيحاء بأن نجاحها التكتيكى فى ثغرة الدفرسوار ينسب *النصر* إلى إسرائيل.
كانت *حرب أكتوبر* نتاجًا لعبقرية التخطيط العسكرى المحكم والرؤية السياسية التى أدار تنفيذها *السادات* بدهاء حتى تحقق الهدف الذى كان يرمى إليه، وهو استرداد سيناء المحتلة بعد إجلاء العدو الإسرائيلى منها بأقل الخسائر الممكنة،
إيمانًا منه بأن استمرار الحروب إلى الأبد لن يجلب إلا الفناء على من يخوضها. وقد نجح باقتدار فى *خداع العدو* الإسرائيلى عبر عمليات من *التمويه والمراوغة* أوحت للقيادات الإسرائيلية التى توهمت فى ذلك الوقت أن مصر تطلق تصريحات فى الهواء لحفظ ماء الوجه
دون نية حقيقية لخوض حروب ضد إسرائيل حتى جاءت اللحظة الحاسمة التى باغت فيها *الجيش المصرى* الجيش الإسرائيلى وقياداته بهجوم مذهل انقض فيه ببسالة على حصون *بارليف* ليحيلها فى سويعات إلى تراب بوسيلة لم تدُر قط بمخيلة جنرالاته كلهم وهى دك الحصون بخراطيم المياه.
لم يخطئ *السادات* عندما كان يردد فى خطبه عبارته القائلة «إن 99 بالمائة من حل الصراع مع إسرائيل فى يد أمريكا» *والتاريخ* يؤكد اليوم صحة عبارته. فهاهى ذا إسرائيل تواصل حرب الإبادة فى *فلسطين ولبنان* دون اكتراث بنداءات ومطالبات الأمم المتحدة والدول الأوروبية لها بالتوقف، بسبب وقوف أمريكا بجانبها ودعمها المتواصل لها بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية *التكنولوجية* .
ولا شك أن *الهجوم المباغت* الذى شنته حركة المقاومة الإسلامية عليها فى السابع من أكتوبر العام الماضى والذى أسفر عن مقتل *1189* شخصًا وخطف *251* رهينة قد أصاب الشعب الإسرائيلى بجرح مضاعف ليصبح يوما السادس والسابع من أكتوبر من أكثر الأيام شؤمًا عليه، بل لا نجاوز الحقيقة إذا قلنا بأن هذين التاريخين قد ألحقا بإسرائيل عقدة لن تبرأ منها بسهولة.
عندما اتخذ *السادات* قرار الحرب فى 6 أكتوبر لم يكن هدفه منها فقط تحطيم حصون *بارليف* واسترداد سيناء المحتلة من أيدى العدو الإسرائيلى وإنما أراد أيضًا تحطيم غرور قياداته التى طالما رددت للعالم أن جيشها لا يقهر وأن الجيوش العربية ترتعب من مواجهته.
كما أراد من ناحية أخرى *تحطيم الحاجز النفسى* الذى حل بالشعوب العربية عقب نكسة 67 وأصابها *بجرح سيكولوجى* لم يكن من اليسير تضميده إلا بحرب أكتوبر. كانت خطة *السادات* فى مسار الحرب هى تحقيق الاستقرار لبلاده بإرساء قواعد *للسلام الدائم* العادل حتى تتفرغ مصر للبناء والتعمير.
إن إسرائيل تعتمد فى مواجهاتها العسكرية ضد العرب ليس فحسب على *الدعم الأمريكى* الهائل لها وإنما أيضًا على تفوقها التكنولوجى الذى أتاح لها قدرة واسعة على القيام بعملياتها التدميرية فى جبهات عدة، ولقد أثبتت حرب أكتوبر أن التغلب عليها لن يتحقق ما لم تتسلح الشعوب العربية *بالعلم* *والتكنولوجيا والاعتماد على الذات.*