الوعي وصفة مكتسبة لا تأتي ثمارها إلا بعد أن يتذوق الإنسان من مرارة المواقف ، و يتجرع من أكواب التجارب بدفع الضرائب الذاتية. لكن عندما ينطق السفهاء،لا بد من تقدير رأي الأغبياء لأنهم يمثلون الأغلبية في هذا الزمن، حيث كثرت الفتن وانقلب الميزان وضعف الايمان وتكسرت حواجز الكرامة والمروؤة لدى البشر وأصبحت الرذيلة فضيلة. فعندما يتجاوز الواقع الخيال في الرجوع إلى التفاهة كمبدئ أساس للحريات والحقوق في انسلاخ تام عن ماهية الإنسان ككائن عاقل يميز بين الأمور، بمباركة الضمانات والإعتمادات الخارجية. تصبح الحياة ألما يُخفيه الأمل، الذي يتحقق بالعمل، هذا الذي يُنهيه الأجل حيث يُجزَى كُلُّ امرئٍ بما فعل. هكذا يعمل التهميش و القهر على تغيير الفرد من طبعه كإنسان إلى طبع الحيوان ( الأكل والشرب و إشباع الغريزة والرغبات). و السبب الرئيس لهاته المهزلة التي نسفت الأخلاق و دحضت القيم، هي الديمقراطية الإستعمارية الوهمية و العبودية الإرادية و التخطيط الممنهج من أجل تفشي الجوع والأوبئة و زرع الخوف في شعوب دول العالم الثالث. إذ جعلوا من المواطن المستقر جزء من العبودية الإرادية، لأنه استأنس بقمع الحريات والفقر و الاستعمار الفكري الذي يمثل الحاجز الفلاذي و العقبة الحقيقية أمام التغيير . كما استطاعوا صناعة أجيال من العبيد المستقرين في بلدان تحترق و كأن الأمر لا يعنيهم، جالسين في المقاهي يتابعون مبارايات كرة القدم و يلعبون جميع أنواع القمر و يستهلكون المخدرات. هكذا تمكن الغرب من أن يسوق الأمة العربية كالنعاج، يصدر إليها المساعدات المسرطنة غايتها نشر الأوبئة و الأمراض حتى يبيع لها الأدوية، كما يستغل ثرواتها الطبيعية من أجل إفقارها حتى يبيع لها الغذاء المصنع جينيا، كما يزرع بين البلدان نعرة التناحر والقتال والفتن حتى يبيع لها الأسلحة ويعمل على تشتيتها و تفرقتها تطلعا لضمان البقاء والأمان للشعوب الغربية. أحيانا يستكثر علينا الوضوح لذا فلنتركه لغموضه.. و لنحذر من الأفكار التي توهم المرء بأنه أفضل من الآخرين. لأن الحياة مسرحية تتبدل بها الأدوار و تتغير الوجوه ، لكن هناك من يبقون كالسيناريوهات الخالدة.. التي تعلق في الذاكرة.. هؤلاء هم مَن لا نتردد عندما نصفهم بالمبدعين. حيث تبرز استماتة الجهبذ في نصرة الأفكار مهما كانت مكانة صاحبها، عكس العبد الذي يدافع عن سيده مهما كانت أفكاره.