المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادى يكتب :دعوة للتفكر والتدبر فى ٱيات القرآن
الملخص
ينتقد المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي مبدأ “قطعية الثبوت والدلالة”الذي يعطل وظيفة العقل ويمنع المسلمين من التفكر في آيات الله واستنباط التشريعات التي تلائم تطور المجتمعات.
ويوضح الشرفاء أن الله سبحانه وتعالى أمر بالتدبر في آياته واستنباط التشريعات بما يتناسب مع مصالح الناس، مؤكداً أن الله لم يعيّن أي شخص أو مؤسسة دينية كوصي على الإسلام، حيث يتوجه الله بالعقل لكل مسلم ليستنبط من آياته ما يحقق الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
كما يشدد الشرفاء على أن الالتزام بمفهوم “قطعية الثبوت والدلالة” يعد مخالفاً لأوامر الله سبحانه وتعالى الذي دعا الناس للتفكر في آياته وتدبر مقاصدها، مضيفاً أن العقول المسلمة يجب أن تكون قادرة على تفسير النصوص القرآنية بما يحقق الرحمة والعدل والحرية والسلام.
في نهاية المقال، يدعو الشرفاء المسلمين إلى العودة للخطاب الإلهي واستنباط التشريعات من القرآن وحده مبرزا أهمية التفكر والتدبر في تحقيق التقدم والاستقرار، مؤكداً أن الإسلام الحق يكمن في الالتزام بأخلاقه ومبادئه النبيلة التي تسعى لتحقيق الخير والسلام للإنسانية جمعاء.
======>>>> الي نص المقال
دور العقل في فهم التشريع الإلهي وأهميته
يعد مصطلح (قطعية الثبوت والدلالة) هو امر نحو التوقف عن التدبر في كتاب الله والتفكر في آياته ومعرفة مقاصد الخير فيها للناس جميعا، فمن هو يا ترى الذي أعطاه الله سبحانه السلطة التشريعية لكي يقرر هذا المبدأ الذي يعطل وظيفة العقل الذي كرم الله به الإنسان. والله سبحانه يأمرنا بالتدبر في آيات الله واستنباط ما يمكن به أن يكون في صالح الناس من التشريعات وفقا لمعطيات التطور في المجتمعات، فالله أمر المسلمين في كل عصر أن يستنبطون من التشريع الإلهي ما فيه صلاحهم، فلم يجعل الله سبحانه على الناس وكيلا عنه أو وصيا على أفعالهم، فهو المتكفل وحده بمحاسبتهم وقال تعالى في كتابه الكريم يخاطب رسوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ (الأنعام: 107).. فمن عين المؤسسات الدينية أن تكون وصياً على الإسلام ووكيلاً عن الله في الأرض؟ بالرغم من ان الله سبحانه حدد لرسوله مسؤوليته في دعوة الناس للإسلام منها قوله تعالى ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ (الإسراء:54). ولماذا يظل المسلمون مرتهنين لاجتهادات وأفكار من سبقوهم، والله يبين للناس في آياته بقوله عنهم: ﴿تلكَ أُمه قد خَلَتْ لها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عما كانوا يعملون﴾ (البقرة: 134).
فريضة استخدام العقل في خدمة الإنسان ومعرفة مقاصد القرآن
إن ما تعنيه قاعدة (قطعية الثبوت والدلالة) التي فرضت ستاراً حديدياً على العقل ومنعته من التدبر في آيات الله ومعرفة مقاصدها لخير الإنسان مخالفين بذلك أوامر الله سبحانه بدعوة الناس للتفكر في قرآنه والتدبر في بيانه حيث يتصادم مع أمر الله بالبحث في آياته عن مقاصد الخير للإنسانية كلها لوضع تشريعات تحقق للإنسان ما يريده لعباده من خير وصلاح في الدنيا والآخرة. بينما يعني ذلك مصطلح (قطيعة الثبوت والدلالة) المستبد مانعا لفريضة إلهية في توظيف العقل في خدمة الإنسان، وأن جزاء من يمنع فريضة إلهية عند الله عذاب عظيم. وحين يأمرنا الله في التدبر في قرآنه فهو لا يخاطب فئة مميزة ممن صنعوا لأنفسهم مكانة عالية في المجتمعات الإنسانية ليجعلوا من أنفسهم المرجعية الوحيدة لدين الإسلام وينوبون في التدبر في كتاب الله عن الناس جميعاً.
عدم حصر التفكر في العصور الأولى واستمراريته
إنما يخاطب الله سبحانه العقول للبحث في كتابه على مراد الله في تشريعاته الخير للانسانية جمعاء، وعلى رأسها الرحمة والعدل والحرية والسلام والاحسان لفهم روح النص فهما دقيقا ليتم استنباط التشريعات، والتعليمات من مراد الله من آياته والتي هي كلها تصب في مصلحة الإنسان للدنيا والآخرة. هل نريد للتفكر أن يتوقف عند القرون الأولى، والمسلمون مطالبون بالتدبر في كتاب الله واستنباط التشريعات التي تتناسب مع تطور العصر دون اعتداء على النص بل البحث الجاد والواعي المدرك لمقاصد النص، وتأكيداً لأوامر الله بالتفكر والتدبر في آياته ومخاطبته للعقول قوله سبحانه لما يلي:
ذلك غيض من فيض فيما أورده القرآن الكريم من آيات تدعو للتفكر فيما خلق الله في السماوات والأرض، وأنها فريضة على كل مسلم ليقرأ القرآن ويتفكر في آياته ويتدبر مقاصد أحكامه؛ ليستنبط منها تشريعاته التي تحقق له الأمن والعدل والتنمية والسعادة في الدنيا والآخرة. ليكون العدل في الحقوق والإنصاف فلا مظلوم يشكو حقه المغتصب، ولا ظالم تدفعه النفس الأمارة بالسوء للاعتداء على الناس واغتصاب حقوقهم سواء ا كان حق الحياة أو حق المال أو حق الأرض ليعيش الناس أحراراً في تقدم واستقرار. هل تريد المؤسسات الدينية في العالم العربي أن تكون وصية على العقول وتحرمهم من التفكر والتدبر في كتاب الله وتمنعهم من أهم فريضة امرهم الله بها للتعرف على دينهم والتزاماتهم العبادية والتشريعية والأخلاقية، وهل أصبح لديها سلطة إلهية تمنحها التفرد في فهم النص القرآني وتفرض مفاهيمها على المسلمين.
ولقد وضع الله سبحانه قاعدة لدعوة الاسلام بقوله سبحانه: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيل ربك بالحكمة والموعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أعلم بالمهتدين﴾ (النحل: 125) وقوله تعالى: ﴿أفانت تكره النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس:99). فالناس أحرار فى اختيار عقائدهم دون اكراه وحسابهم عند خالقهم يوم الحساب.
تأثير تسلط المؤسسات الدينية على العقول في العالم الإسلامي
لا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تمنع العقول من التفكر، والتدبر فريضة إلهية ونعمة ربانية أمر الله الناس أن يسبحوا في ملكوته ويفكروا في خلقه ومخلوقاته بالعلم والإبداع وتوظيف النتائج التي يصل لها العقل في خدمة الإنسانية ديناً وعملاً ومخترعات لترتقي بهم لحياة كريمة مستقرة وآمنة. لقد توقف التقدم والتطور في أوروبا عندما تسلطت الكنيسة على العقول واليوم نرى بعد أكثر من سبعة قرون على تحرير العقل في أوروبا وانطلاقها في كل مجالات العلم والتطور والمخترعات التي حققت للإنسان فوائد كبيرة بدءاً من صناعة الطائرات واستنباط بذور جديدة للزراعات تفيد الكم والكيف. ومازالت بعض الهيئات الدينية في عالمنا الإسلامي متسلطة على العقول تمنع فريضة إلهية في التدبر والتفكر في كل ما يصلح الإنسان، فلتستيقظ العقول من سباتها فقد فات الأمة العربية الزمن، فبدلا أن تكون حاملة شعلة الحضارة الإنسانية تخلفت بعيدا عن ركب التقدم والتطور وأصبحت عالة على ما يصدره لها الغرب من الفتات.
تكريم الله للإنسان بالعلم والمعرفة
لقد سبقت الأمة العربية الغرب بأكثر من أربعة عشر قرناً، حيث فرض الله سبحانه فريضة التفكر وكرم آدم على جميع مخلوقاته بالمعرفة حينما علمه الأسماء كلها، وأكده القرآن الكريم عندما منح الله الإنسان شفرة العلم والبحث عن المعرفة بأمره لرسوله عليه الصلاة والسلام في سورة (اقرأ)، حيث إن القراءة مفتاح المعرفة وكرم سبحانه آدم بالعلم. فماذا فعل بنا العلماء المسلمون؟ أغرقوا عقولنا بروايات وأساطير إسرائيلية ترتب عليها نشوء طوائف عدة تقاتل بعضها، ومرجعيات متصارعة، وأتباعها تأخذهم العزة بالإثم عزلوا القرآن عن توجيه المجتمعات الإنسانية لما يصلح أمرها ويحقق لها النمو والاستقرار.
فمن المسئول عن طمس معالم المعرفة وتضليل المسلمين يتيهون في طرق مظلمة وبيدهم كتاب الله يقول تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نتلوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَي حَدِيثٍ بعد اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (الجاثية: 6). فلا خلاص للمسلمين إلا بالعودة للخطاب الإلهي والبحث في آياته واستنباط التشريعات منه وحده، وهو سبحانه الأحرص على خلقه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، رافعين مشاعل الرحمة والحرية والعدالة، محافظين على مبادئ حقوق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، مدافعين عن الأمن والسلام لكل الإنسانية جمعاء. ذلكم هو الإسلام الحق الذي يخاطب به الله الناس جميعاً أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض، ويسخروا ما تحقق لهم من نتائج في خدمة الإنسانية والالتزام بأخلاق الإسلام ونبل مقاصده والتقيد بالتشريع الإلهي الذي يحقق العدالة بين الناس والدعوة في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنه والمجادلة بالتي هي أحسن ليستعيد المسلمين وحدتهم ، وتتلاحم أفكارهم وتتقارب أفهامهم لتحقيق فريضة الله التي تدعو المسلمين للوحدة وعدم الفرقه بقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِجَبل اللهِ جَمِيعًا ولا تفرقوا) ( آل عمران: 103) ولذلك على الذين يدعون بعلماء الإسلام أن يكونوا قدوة في السلوك الذي يدعونا له الإسلام وأسوة بأخلاقيات رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام.