ثلاثة أشهر، وتبدأ معركة الرئاسة، في الولايات المتحدة الأمريكية، يوم 5 من نوفمبر القادم، بين الرئيس الحالي، جو بايدن، وغريمه، الرئيس السابق، دونالد ترامب، التي يترقبها البعض، بكثير من القلق والخوف من وصول ترامب إلى السلطة، لما قد يحمله وصوله من تغيرات عدة، لها انعكاسات سلبية على مصالح عدد من الجهات. وفي ظني، أن أول المتخوفين هم الفلسطينيون، الذين يعتقدون أن وصول ترامب للسلطة، سيكون قطع الأمل في حل القضية الفلسطينية في إطار الدولتين، في ضوء رؤيته المعلنة بأن حل القضية الفلسطينية لابد وأن يكون من خلال دولة واحدة، هي إسرائيل، التي تضم الشعب اليهودي، ومعهم المسلمون والمسيحيون، وأن تكون عاصمتها القدس الموحدة؛ الشرقية والغربية. ولعله ليس غائباً علينا، أن الحملات الانتخابية لكافة المرشحين الأمريكيين، لمنصب الرئاسة، على مدار العقود الماضية، حملت وعوداً بنقل السفارة الأمريكية، في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، إلا أن أحداً لم ينفذ تلك الوعود، بعد الوصول إلى البيت الأبيض، إلا ترامب، الذي فعلها، وأطلق على القضية الفلسطينية اسم “قضية القرن”. كما لا يخفى على أحد العلاقة الوطيدة التي تجمع الرئيس الأمريكي، السابق، ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حرص على استخدام صوره الفوتوغرافية مع الرئيس ترامب، في حملته الانتخابية، السابقة، لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، ليؤكد للناخب الإسرائيلي، دعم ترامب، وبالتالي تأييد أمريكا له. ولعل ذلك أحد الأسباب التي تدفع نتنياهو لإطالة زمن الحرب في غزة، على أمل عودة ترامب للسلطة، ليحقق لإسرائيل مبتغاها في دولة واحدة، عكس منهج الرئيس الأمريكي، الحالي، جو بايدن، الذي يرى أن حل المشكلة في إطار الدولتين؛ إحداهما إسرائيلية وعاصمتها القدس الغربية، والأخرى فلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية. أما ثاني المتخوفين من وصول ترامب للسلطة، فهي إيران، بناءً على تجربتها معه، أثناء فترة حكمه السابقة، والتي بدأها بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، “5 + 1″، بل وفرض عليها عقوبات اقتصادية كبيرة، مما جعل فترة حكمه، التي امتدت لأربع سنوات، هي الأصعب في تاريخ إيران، من الناحية الاقتصادية، التي ألقت بظلالها القاتمة على النواحي السياسية والاجتماعية. ولا تنسى إيران اغتيال قاسم سليماني، الزعيم العسكري، الشعبي، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي تم القضاء عليه، بأوامر من الرئيس ترامب، يوم 3 يناير 2020، في عملية جوية أمريكية، أطلقت عليها أمريكا اسم “البرق الأزرق”، أغارت خلالها على موكبه، بواسطة طائرة مسيرة بدون طيار، أثناء خروجه من مطار بغداد، ليلقى حتفه، على الفور، ومعه تسعة أفراد، من بينهم نائب وقائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس. وأقيمت جنازة لقاسم سليماني، في عدد من المدن الإيرانية، وبعض المدن العراقية، شارك فيها حشود غفيرة، حتى أن 565 فرداً، لقوا مصرعهم، نتيجة للزحام، والتدافع، خلال الجنازة، التي أقيمت في إيران. وفي يوم 7 يناير 2020، بعد ساعات من دفن سليماني، أطلق الحرس الثوري الإيراني عدداً من الصواريخ على قاعدة عين الأسد الأمريكية، في العراق، والتي أصابت أسوار القاعدة، دون أن تحدث أية خسائر أو إصابات بين صفوف الجنود الأمريكيين الموجودين فيها. وبدا مقتل قاسم سليماني وكأنه بداية للتوتر والتصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، لنتفاجأ بإعلان الرئيس ترامب، خلال جولاته الانتخابية، الأخيرة، بأن قصف أسوار قاعدة عين الأسد، تم بعد تنسيق إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتزامها بعدم المساس بالقاعدة نفسها، والقوات المتواجدة فيها، وأن العملية لم يُقصد منها إلا تهدئة الرأي العام الإيراني! ولا تقتصر قائمة المتخوفين على من سبق، وإنما تمتد، بالطبع، إلى الرئيس الأوكراني، زلينسكي، الذي وصفه ترامب، مؤخراً، بأنه “أشطر بائع على الإطلاق”، أثناء خطابه في تجمع انتخابي، في مدينة ديترويت، بولاية ميتشيجان، مضيفاً أنه في كل مرة يأتي إلى أمريكا، لا يغادرها، إلا ومعه ما لا يقل عن 60 مليار دولار، متهماً جو بايدن، بإهدار الأموال على نحو لم يسبق له مثيل، إذ أنفق نحو 113,4 مليار دولار، في إطار مساعدات أمريكية لأوكرانيا. لذا أعتقد أن الرئيس الأوكراني يرتعد خوفاً من وصول ترامب للسلطة، لأنه، أولاً، لن يغدق عليه الأموال مثلما يفعل بايدن، ثانياً لأن ترامب قد صرح، من قبل، بأنه لو كان موجوداً في السلطة، لما وقعت تلك الحرب الروسية الأوكرانية. فضلاً عن تصريح، آخر، أشد قسوة، على أوكرانيا، بأنه سينهي تلك الحرب في غضون أسبوع، فور وصوله للحكم، وهو ما فسره الجميع، بالاستجابة، إلى حد كبير، للمطالب الروسية، بعدم وقف القتال، إلا بعد ضم الولايات الأربعة؛ لوهانسك ودونتسك وزابورجيا وخيرسون، مع تعهد أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، وضمان عدم حصول أوكرانيا على السلاح النووي. وأعتقد أن ترامب سيوافق على عدم انضمام أوكرانيا للحلف، باعتبار انضمامها غير ذي أهمية تذكر، كما سيضمن عدم حصولها على السلاح النووي، أما فيما يخص ضم الولايات الأربعة، فسيكون محلاً للتشاور أو التفاوض، مع طرح بدائل، كمنحهم حكماً ذاتياً، أو إجراء استفتاء جديد، وهو ما يعني، حتماً، نهاية حكم الرئيس الأوكراني. وهكذا، نرى الكثيرون ممن لا يرحبون، أبداً، بوصول ترامب إلى السلطة، وعودته إلى البيت الأبيض، ولهم في ذلك أسبابهم.