توليت إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، لمدة سبع سنوات، تخللها، بالطبع، الاستعدادات لاحتفال مصر بعيدها القومي، يوم 23 يوليو، الذي يتم خلاله، كذلك، الاحتفال السنوي بتخرج أبناء مصر من الكليات العسكرية. وفي أحد الأعوام، مع تكليفي بتنفيذ ذلك الاحتفال، رأيت تقديمه بشكل جديد، وكان أوبريت “الحلم العربي”، الذي يؤديه عدد من الفنانين المصريين والعرب، قد سبق إذاعته في إحدى الدول العربية، ولم تكن مصر قد أذاعته بعد على قنواتها، فقررت تقديمه في ذلك الحفل.
وعرفت أن الفنان حلمي بكر هو ملحن ذلك العمل الفني، فدعوته إلى مكتبي، لأبلغه بإذاعة الأوبريت في الاحتفال، الذي يحضره رئيس الجمهورية، فكانت فرحته عظيمة، وعلى الفور، اتصل، من تليفونه الشخصي، بالفنانة القديرة نادية مصطفى، والفنانة أصالة، التي كانت تعيش في سوريا، حينها، وكذلك الفنان نبيل شعيل، والفنانة السودانية سمية حسن، وغيرهم من فناني مصر والعرب، وبعد أقل من نصف ساعة، أبلغني بجاهزية كافة فناني الأوبريت للمشاركة في الاحتفال بمصر. ثم اتصل بالفنان مصطفى ناجي مايسترو أوركسترا أوبرا القاهرة، الذي رحب بالمشاركة، وبعد ساعة كنا قد أنهينا الترتيبات اللازمة لإجراء البروفات، في دار الأوبرا. وأقيم الحفل بموعده، وترك أصداءً رائعة في نفوس الجميع، وبعد انتهاءه، سألت الموسيقار حلمي بكر عن أتعابه، فرد عليّ معاتباً “ده حفل مصر … ولا مليم يا أفندم، كفاية إني قدمت هذا العمل في مصر وأمام رئيسها”، ومنذ ذلك اليوم جمعتنا صداقة غالية.
ولما توليت رئاسة دار الأوبرا المصرية، استعنت بالموسيقار حلمي بكر والراحل الدكتور جمال سلامة، كمستشارين للموسيقى العربية، لاختبار، واختيار، أصوات جديدة، أطلقنا عليها اسم “فرقة نجوم الأوبرا”، قدمنا من بينهم 16 موهبة جديدة، لا تتعدى أعمارهم 18 عام، خلال احتفالات أكتوبر، في أحد الأعوام، في فقرة بعنوان “كلثوميات”، فكانت ميلاداً لأصوات مصرية شابة، لازالت أسماء بعضها تلمع في سماء الفن المصري، بفضل جهود الراحلين حلمي بكر وجمال سلامة. واستمر التعاون بيننا طوال 4 سنوات، قضيتها في دار الأوبرا، أشهد الله أنه لم يتقاض خلالهم جنيهاً واحداً، رغم تعيينه رسمياً مستشاراً للموسيقى العربية.
رحم الله الموسيقار الكبير، والمتميز، حلمي بكر، الذي رحل عنا، تاركاً بصمات محفورة في الفن المصري، ذلك الرجل الذي قدم لمصر الكثير في مجاله؛ فناً وألحاناً وأصواتاً شابة، لازالت أصواتهم تطرب مسامع العالم العربي … فهكذا هي مصر، عظيمة بأبنائها في كافة المجالات، ومنها القوة الناعمة.