كانت والدتها جارية إسبانية بعيون زرقاء وشعر أصهب وبشرة بيضاء، اخذت منها جمالها، لم ترث من الأم جمالها فقط بل ورثت منها الشعر أيضًا، فجعلت بيتها ملتقى للادباء والشعراء، إنها ولادة بنت الخليفة محمد بن عبد الرحمن المستكفي بالله. وقعت في حب ابن زيدون فقد نشأ في بيت حسب ونسب وعلم ومال كان أبوه قاضيًا رفيع الشأن والجاه فاهتم بتعليم ابنه إلا أن الموت داهمه وما زال ابن زيدون صغيرًا مما جعل الولد يتمسك بالعلم تحقيقًا لوصية والده وإرادته في بلوغه أرفع المقام، تعلم ابن زيدون الكثير من المعارف والعلوم حتى أصبح أشهر شعراء الأندلس تميز شعره بعزة النفس فكان لا يمدح أحدًا إلا ووضع نفسه في مقام ممدوحيه، تنوع شعره بين الغزل والمدح والرثاء والهجاء، وعلى الرغم من علمه الوفير إلا أنه ظل ينهل من العلم يومًا بعد يوم، تعرض ابن زيدون لمحنة شديدة فر على أثرها من قرطبة بعد رحلة طويلة قضى أغلبها في السجن. تعد قصة الحب بين ولادة وابن زيدون إحدى تلك القصص الحالمة والمشهورة التي بدأت داخل حدائق قرطبة وهناك حيث انطلق فيض من الشعر في جمال تلك الفاتنة ولادة حتى قال فيها ابن زيدون العاشق: إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا وللنسيم اعتلال في أصائله كأنما رق لي فاعتل إشفاقا
إلا أن قصة العشق لم يكتب لها أن تستمر مثلها مثل أغلب قصص العشق الملتهبة وذلك عندما زاغ بصر العاشق إلى جاريتها، مما جعل ولادة تشعر بالإهانة فكيف ينظر حبيبها لمن هي أقل منها مقامًا فقالت فيه: لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا لم تهو جاريتي ولم تتخير وتركت غصنًا مثمـرًا بجمـاله وجنحت للغصن الذي لم يثمر
وبهذه الأبيات أنهت ولادة قصة الحب بينها وبين ابن زيدون لترتبط بالوزير ابن عبدوس ذلك الرجل الكاره والحانق على ابن زيدون على الرغم من اعتراف ابن زيدون من أنه لا زال هائمًا بها وبحبها، تركت بعدها بفترة الوزير ابن عبدوس على الرغم من رفضها العودة لابن زيدون وظلت ولادة بعدها بدون أي زواج حتى ماتت في عام 1091م.
وتخليداً لحب ولادة وابن زيدون وضع لها نُصب تذكاري في ساحة مارتيليه في قرطبة وسمي “نُصب الحُب”، وفيه كفان كادا أن يلتقيان ويتلامسان، يحاكيان يد الشاعرة “ولادة بنت المستكفي” و يد حبيبها الشاعر “ابن زيدون”. وكتب على التمثال أبيات شعر عربية لكل من ابن زيدون وولادة، وترجمت هذه الأبيات أيضا باللغة الإسبانية. في الأعلى نقشت أبيات ولادة وهي: “أغار عليك من عيني ومني.. ومنك ومن زمانك والمكانِ
ولو أني خبأتك في عيوني.. إلى يوم القيامة ما كفاني”.
وتحتها كتبت أبيات لابن زيدون وهي: “يا من غدوت به في الناس مشتهرا.. قلبي يقاسي عليكم الهم و الفكر
ايا من إن غبت لم ألقَ إنسانًا يؤانسي.. وان حضرت فكلُّ الناس قدْ حَضَرا” .
اختلفت الأقوال في سبب انفصال ولادة عن ابن زيدون، فبعض المؤرخين قالوا إنه غازل جاريتها، وهي أحست بالإهانة، إذ كيف يتركها وينظر لمن هي في خدمتها ، فانفصلت عنه. ومن الأقوال التي قيلت أيضًا في سبب هذا الفراق، هو تعرضها للنقد الشعري منه، حيث انتقد أبيات لها فأحست بالانتقاص، وبعدها انفصلت عنه، انتصارًا لإحساسها بمقدرتها الشعرية. ولم تغب المكائد السياسية عن قصة ولادة وابن زيدون ، حيث أنها لعبت، بحسب بعض المؤرخين، دورا أيضا في انفصالهما، حيث تقول رواية أخرى ان السبب في فراق الحبيبين كان الوزير ابن عبدوس الذي كان مولّها بولاّدة، لكنها حرمته من حبها لتقدمه للشاعر، الذي كان في نفس الوقت منافسه على السلطة، فكاد له حتى حوكم ودخل السجن سنوات طوالا، لم تنقطع خلالها ولاّدة عن زيارته.