حريق الحضارة
بقلم : محمد عتابي
أكاد أفعل مثلما فعلت شهرزاد، فأظل أحكى مقتبسًا من مصادر التاريخ ومراجِعه بدل الحكاية ألف حكاية، ويظل من له صبر معى منتظرًا كى أصل للحديث عن فترة الحروب الصليبية،
وفيها بعض ما يشبه واقعنا الآن مع قوى الاستعمار ودولة الاحتلال الصهيونى.. لأننى كلما تصفحت ما سبق وتصفحته
وعودٌ على بدء، حيث شهدت الحروب الصليبية- شأنها شأن مراحل التاريخ العربى، إن كانت التسمية دقيقة- حالات بغير حصر، شاعت فيها الخلافات والصراعات بين حكام المرحلة
، واستخدم فيها كل ما ينتظمه قاموس الوشاية والوقيعة والدس والتواطؤ والخيانة، لدرجة قد تتيح وصف معظم المواجهات مع الغازى الأجنبى،
وخاصة الاستعمار الحديث والمعاصر، بأنها تاريخ للخيانة التى من أبسط تعريفاتها الاتصال بالعدو والتواطؤ معه ومعاونته كى يحقق أهدافه فى الاحتلال والسيطرة وهزيمة الوطنيين
الذين يتصدون له.. ولو تيسر لأحدٍ قراءة المصادر وحاول أن يبحث عن أسباب وجيهة مقبولة للتواطؤ والخيانة، فلن ينال إلا الدهشة؛ إذ يكتشف أن الأمر مرتبط بشكل دائم بالرغبة القاتلة فى السيطرة والحكم.
وحتى لا أطيل، فسأضرب مثلًا بواقعة حدثت فى نهاية الدولة الفاطمية عهد الخليفة العاضد، حيث جاءت الأخبار سنة 564 هجرية بهجوم الفرنج على ثغر دمياط فى سبعين مركبًا، واحتلوها
ونهبوا أسواقها وقتلوا أهلها، ثم زحفوا على القرى فأكثروا فيها القتل والسبى، ثم وصلوا إلى بلبيس وكسروا عساكر الفسطاط، ودخلوا القاهرة، وصاروا يقتلون من وجدوه من المسلمين
، وقرروا على أهل مصر والقاهرة أموالًا جزيلة، وأخذوا فى أسباب جبايتها..
فعندئذ أشار الوزير شاور على الخليفة بحرق مدينة الفسطاط، خوفًا من تملُّك الفرنج لها، فأذن لهم فى حرقها، فجمع الوزير شاور طائفة من العبيد وأحرقوها، وظلت النار مشتعلة فيها نحو شهرين
، وكان يرى دخانها من مسيرة ثلاثة أيام!، وهذا ما فصّله المؤرخ ابن إياس فى كتابه «بدائع الزهور» الذى أشرت إليه فى المقال السابق.
وكانت المفاجأة عندما استغاث الخليفة العاضد بنور الدين، حاكم دمشق، وأرسل إليه شعر رأس نسائه وبناته ورسالة يقول له: أدركنى واستنقذ نسائى من أيدى الفرنج..
وأرسل له نور الدين جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، عم صلاح الدين، ويتم اكتشاف أن حضرة الوزير الذى أحرق الفسطاط هو من سهّل دخول الفرنج الصليبيين، وكان يكاتبهم فى السر
٧ويحضهم على دخول مصر، مثلما فعل ابن العلقمى مع هولاكو أيام الخليفة المستعصم بالله.. وبعدما انكشف أمره شُنق.
هل تذكرون معى التهديد بحرق مصر وإسالة بحور الدم إذا لم يفز الإخوان بالرئاسة؟ وهل تذكرون اتصالات الإخوان بالأمريكان وحرص الأمريكان على وجود الإخوان فى الحكم؟!.. سؤال غير برىء.