أيام قليلة، وخطوات قصيرة، تفصلنا عن عام 2024، وسط تضرعات الجميع، في مختلف بقاع الأرض، بأن يكون عام خير ورخاء، ووسط ترقبهم لما ستسفر عنه أيام ذلك العام الجديد، وإلى أين ستقودنا مجرياته، وعما إن كانت أحداث 2023 ستستمر فيه، بعدما نالت منا الكثير. والحقيقة أنني لازلت مؤمناً، بما سبق وأن سطرته في مثل هذا المكان، في مطلع عام 2022، وتحديداً عند اندلاع الحرب بين روسيا أوكرانيا، عندما قلت إننا نعيش، الآن، زمن الأواني المستطرقة، بمعنى أن أي حدث، أياً كان موقعه على الكرة الأرضية، تنعكس آثاره على باقي دول العالم، بصرف النظر عن اتجاهاتها وأيدولوجيتها السياسية، أو قوتها العسكرية.
واليوم اسمحوا لي أن أبدأ سلسلة من المقالات المبسطة، لنتعرف على مناطق الحروب، أو الأحداث الساخنة، التي يمر بها العالم، حالياً، وتأثير كل منها سواء علينا، أو على باقي دول العالم، والتي سأبدها أولاً بالحرب الروسية الأوكرانية، يليها أحداث حرب غزة بين حماس وإسرائيل، ثم صراع “التنين النائم”، وأقصد به تحركات الصين لاسترداد تايوان من ناحية، ومن ناحية أخرى تلك المعركة الاقتصادية المستمرة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها الأزمة الناجمة عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير ذلك على اتجاهات الاقتصاد العالمي.
ومع الأسف، فإن الأمر لا يقتصر على تلك الحروب والأزمات، فحسب، لذا سنتناول، سوياً، تصاعد مجريات الأحداث في ليبيا، فضلاً عن أزمة السودان التي وصلت إلى نفق مظلم وطريق مسدود. على أن يلي ذلك الانقلابات التي شهدتها العديد من الدول الأفريقية، مؤخراً، ثم المشكلة الإيرانية ومحاولاتها الحثيثة لامتلاك السلاح النووي، تلك المشكلة التي قد يبدو، للبعض، أنها دخلت ثلاجة الأحداث، إلا أنها، في الحقيقة، ما زالت تسيطر على مجريات الأمور في الشرق الأوسط.
وأخيراً، وليس آخراً، سأستعرض، مع حضراتكم، نبذة عن الصراع الخفي، حول الغاز والبترول، في منطقة الشرق الأوسط، والذي لا أظنه سيظل خفياً لمدد طويلة، وإنما قد يتحول إلى صراع حقيقي، في المستقبل القريب، خاصة بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها تمتلك دراسات وأبحاث، تفيد بأن احتياطي النفط، في منطقة الخليج، سينضب في غضون الخمسة عشر عاماً القادمة، على عكس احتياطي الغاز في المتوسط، والمتوقع تدفقه لنحو خمسون عاماً تالية. كل هذه الحروب والصراعات سوف أتناولها في كتاباتي، خلال الأسابيع القادمة، داعياً المولى ألا يزيد عددهم في ذلك الوقت.
ولنبدأ بالحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في22 فبراير من عام 2022، عندما رفضت روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، لما في ذلك من تهديد لأمن روسيا القومي، باعتبار أوكرانيا دولة حدودية، وعلى أثر ذلك، شنت هجوماً عسكرياً، نجحت من خلاله في السيطرة على 20% من الأراضي الأوكرانية، وأعلنتها كأربعة مقاطعات مستقلة، وهي لوهنسيك ودونيتسيك وزابورجيا وخيرسون، لتجري، بعد ذلك، استفتاءً شعبياً، قامت بمقتضى نتائجه، بضم تلك المقاطعات الأربعة إلى روسيا.
وخلال تلك الحرب، التي أوشكت أن تتم عامها الثاني، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها كل دول حلف الناتو، ودول الاتحاد الأوروبي، بمساعدة أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، إلا أن الدعم العسكري اقتصر على الأسلحة الدفاعية، وليس الهجومية، حيث كان هدف أمريكا، إطالة زمن القتال، في تلك الحرب، لإنهاك روسيا اقتصادياً وعسكرياً. فلو كانت أمريكا تستهدف نصرة أوكرانيا، في حربها مع روسيا، وتمكينها من استعادة أراضيها، لأمدتها بالأسلحة الهجومية اللازمة لتنفيذ تلك الخطة النوعية، لذا جاءت النتيجة الحتمية، بفشل الهجوم المضاد الأوكراني، في الربيع الماضي، واستكمال روسيا لعملياتها الدفاعية عن الأراضي التي ضمتها إليها، وفي المقابل بدأ الدعم الأمريكي والأوروبي، إلى أوكرانيا، في التراجع.
ورغم اقتصار العمليات العسكرية على الدولتين الأوربيتين؛ روسيا وأوكرانيا، بما يمكن وصفها بأنها حرباً إقليمية، إلا أنها تعتبر حرباً عالمية من حيث التأثير، إذ تأثرت كافة دول العالم سلباً، جراء تلك الحرب، في ظل كون الدولتين أكبر منتج، ومُصدر، للغلال أو الحبوب، خاصة القمح والذرة، على مستوى العالم، مما أدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية من الحبوب، وارتفعت أسعارها لمعدلات غير مسبوقة، بالإضافة إلى كون روسيا أكبر مُصدر للغاز إلى أوروبا، والتي شهدناها تسعى لتغطية نقص إمدادات الطاقة إليها، بعدما قررت روسيا إجراء صيانة لخط الغاز الرئيس الواصل إلى أوروبا.
وأمام تلك التصاعدات المتلاحقة، لا أرى طريقاً آخر لحل الأزمة، سوى بقبول روسيا وأوكرانيا باللجوء للحل السياسي، والجلوس على مائدة المفاوضات، والتي سيكون لروسيا فيها اليد العليا، اعتماداً على أوضاع قواتها على الأرض. وأظن أنه سيتم الوصول إلى حل سياسي، يتم بمقتضاه اعتراف أوكرانيا بحق روسيا في شبه جزيرة القرم، وتعهدها بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، بالإضافة إلى تعهدها بعدم امتلاك سلاح نووي، وفي المقابل ستسمح لها روسيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على أن تقدم روسيا تعهداً للأمم المتحدة بعدم تكرار الهجوم على أوكرانيا، مرة أخرى.
ورغم أن تلك النهاية، لن ترضي الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو، إلا أنني أظن أن توقيع معاهدة سلام، بين روسيا وأوكرانيا، لن يشمل شروطاً إضافية، على الأقل من جانب الأخيرة. مع توقعاتي بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بصياغة مشروع، يشبه “مشروع مارشال” لإعادة إعمار أوكرانيا، فور توقف القتال، لتنتهي الحرب الروسية الأوكرانية، في العام الجديد، لصالح روسيا.
وإلى لقاء في الأسبوع القادم نتناول فيه مجريات حرب غزة.