لم تعد الحروب كسابق عهدها سلفا ؛ فقد كانت حتى وقت قريب تتكون من ثلاث عناصر أساسية هى ( ساحات القتال ؛ والرجال ؛ والسلاح ) وغالبا ما تكون المعارك أرتكازا إلى قاعدتين هامتين : ( إما طمعا في الثروات وفرضا للنفوذ ؛ أو للزود عن الأرض والدفاع عن مقدرات كل وطن ) .
وقد أبتكر العالم الغربى وتفنن فى أساليب الحروب الحديثة ؛ وأدواتها وساحات معاركها وخاصة في العقود الأخيرة ؛ ومن هذه الحروب المتعددة ؛ فقد أبتكروا الحرب النفسية كأحد انواع الحروب المستمرة فى العصر الحديث ؛ وأعدوا لها أسلحتها سواء من خلال الشاشات الفضائية والسوشيال ميديا على أختلاف أنواعها وتوجهاتها ؛ وجندوا لها الجنود من العملاء وخونة الأوطان ؛ وضخوا لهم الأموال لتقديم البرامج وأنشاء المحتويات التى تساعد على خلخلة الثوابت وشق الصف وأختلاف الأراء ليسهل عليهم التدخل وبسط النفوذ بأستخدام منظمات حقوق الإنسان .
ومن الدول التى قرأت المشهد جيدا وأتخذت خطوات مدروسة من أجل أجهاض خطط اعدائها والحفاظ على ضرورة وجود رد الفعل المناسب ؛ وفرض نفوذها فى محيطها أو على المستوى العالمي ؛ فقد كان ل ” جمهورية إيران الإسلامية” السبق فى العمل على تجهيز رد الفعل المضاد لذلك ؛ فقد خرجت إيران من الحرب العراقية مصممة على إعادة بناء دولة قوية ذات نفوذ ؛ وقد لا تمتلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية كل أدوات ومقومات الحروب الحديثة ( الحرب النفسية ) ؛ من أبواق إعلامية ومواقع وشاشات وجرائد وكتاب عالميين تستطيع تجنيدهم لمصلحتها بنفس قدرة أعدائها الأصليين سواء الإسرائيلين أو الغربيين ” الولايات المتحدة وحلفائها ” ؛ لكنها قامت بتطوير وأنشاء نوع مهم من الحروب وهو ( حرب العصابات ) وذلك بمنتهى الأحترافية والحكمة ؛ مما يجعل هذا النوع من الحروب سيدرس يوما ما فى الكليات والمعاهد العسكرية العالمية بالطريقة الإيرانية .
فقد قامت بإنشاء الحرس الثوري الإيراني ؛ والذى كان أحدى مهماته هو أقامة كيانات موالية تستخدمها عند اللزوم على مسرح الأحداث العالمى ؛ وقامت بأحتواء تلك الكيانات وأمدادها بالأسلحة الحديثة والدعم المادى والتكنولوچى ؛ فدعمت حزب الله فى لبنان أستنادا إلى المرجعية الشيعية لكلا الفريقين ؛ بالأضافة إلى زرع كيانات ومجموعات قتالية وأستخباراتية وتكتيكية فى سوريا ؛ ليكونا شوكة فى ظهر إسرائيل وحلفائها وورقة مساومه عند اللزوم . كما قامت بأحتواء الحوثيين في اليمن استنادا إلى المذهب الشيعى لجماعة ( أنصار الله ) هناك ؛ وضخت الأسلحة والأموال لتلك الجماعة ؛ وذلك نتج عن أهمال الدول العربية لليمن شعبا وأرضا ؛ وترك الساحة خالية للتدخلات الإيرانية بل قاموا بمحاربة شعب اليمن بدلا من أحتوائه ودعمه ومساندته ؛ وذلك لما يمثله من عمق عربى تاريخى بالأضافة إلى موقعه الجيوسياسي المهم دوليا ؛ وهو ما يمثل ضعفا وقلة بصيرة عسكريا وسياسيا على المستوى العربي ؛ حتى أصبحت اليمن هى الشوكة التى تنغص المصالح السعودية والإماراتية بل وتمثل مصدر تهديد دائم ؛ ولم يقتصر الأمر على ذلك بل قامت بفرض سيطرتها على مضيق باب المندب وضرب والأستيلاء على كل السفن المتجهة إلى إسرائيل ؛ وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية التى تعلن عن نفسها دوما أنها شرطى العالم عاجزة عن الرد ؛ وبل وسقط القناع عن وجهها فهى لا تستطيع حماية حتى أسطولها العسكرى فى البحر الأحمر ولا قواعدها فى الخليج ؛ ولا تستطيع تأمين إسرائيل وتجارتها البحرية أمام ضربات الحوثى ؛ فكيف لها أن تبتز دول الخليج بدافع الحماية … !!!
وبالعودة لإيران فقد نجحت الأجهزة الأستخباراتية لديها أيضا في جذب قادة فصائل المقاومة الفلسطينية وهذه المرة لم تستند على المذهب ؛ بل فالبرغم من أختلاف المذاهب الدينية بين الطرفين فقادة الفصائل يمثلون المذهب السنى والإيرانيون أصحاب المذهب الشيعى لكن المصالح حتما تتصالح .
وهنا يجب أن نعترف ببراعة الجانب الإيراني ؛ وضعف الجانب العربى الموحد وتخاذله تجاه تلك الفصائل وقادتها وبالأخص هنا في مصر ؛ فقد تغافلت الدولة المصرية فى عهد مبارك عن تلك الفصائل وقادتها وتركوهم إلى إيران لقمة سائغة بوساطة قطرية ؛ وقد أعلى ذلك الدور القطرى من شأن ” قطر ” عالميا كأمارة صغيرة ؛ بل وأصبحت أحدى الدول التى تلعب دور الوسيط سواء بين إسرائيل وقادة الفصائل أو بين إيران والدول الغربية ؛ ويرجع ذلك لسببين هامين أولهما :
هو انشغال اغلب الأجهزة الأمنية ومسؤوليها فى مصر عن القيام بواجباتهم تجاه الوطن ؛ وتفرغهم للأعداد لتسليم السلطة وتهيأة الأمر إلى ” جمال مبارك ” بالأضافة إلى الفساد المستشرى أنذاك ؛ وأستخدامهم ذلك الملف لمصالحهم الشخصية وهى مساومة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتلك القضية للحصول على مكاسب شخصية ؛ وذلك ظنا منهم على سيطرتهم على قادة الفصائل ؛ ونتج ذلك عن الثقة المفرطة وأعتقادا وإيمانا منهم أن قادة الفصائل لن تستغني ابدا عن الأنفاق والتى يدخل منها السلاح والدعم ؛ وهذه النقطة أن تعكس شيئا فهى تعكس غباء بعض قادة الأجهزة الأمنية فى عهد مبارك والذين حجبوا عنه الرؤية ؛ وصوروا له الأمر كما أحب أن يكون وهى تهيأة الأمر لمبارك الأبن ولو على حساب شعب ووطن .
أما الجانب الإيراني فهو مدرك تماما أن الحرب مع المعسكر الغربى لا محالة قادمة ؛ فأعد لها عدتها كاملة ووزع ميليشيات وقواته لأستهداف كل المصالح الغربية وخاصة فى البحر الأحمر والخليج العربى ؛ وقام بتجهيز الصواريخ الباليستية لضرب مصافى النفط لكل الدول الخليجية التى قد تتعاون مع الغرب . وجاءت الفرصة على طبق من فضة لتاخذ إيران بزمام المبادرة ؛ وذلك بالتنسيق مع القوى الكبرى ك ( روسيا والصين ) ؛ وتم الأعداد لنقل رقعة الشطرنج بين المعسكرين الغربى والشرق من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط وتحديدا الأراضي المحتلة ؛ وبتنسيق مخابراتى بين إيران وروسيا والصين وربما مصر والسعودية أيضا ؛ كان يجب إنهاك الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من خلال حرب أخرى واسعة النطاق ؛ فصدرت الأوامر إلى قادة الفصائل الفلسطينية ببدأ طوفان الأقصى … وقد كان . ثم تبدأ منظومة العزف على الجبهة اللبنانية يتزعمها حزب الله ؛ ثم الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق ؛ ثم ينزل لاعبا لم يكن في الحسبان وهى قوات الحوثى ؛ لتبدأ الضرب والأستيلاء على السفن من وإلى إسرائيل ؛ بحجة مساندة شعب غزة ووجوب دخول المساعدات الإنسانية ؛ لتكسب نقطة فى قلوب كل الشعوب العربية والإسلامية ؛ وتظهر الغرب بمظهر الضعيف الحائر الغير قادر على حماية سفنها ومصالحه هو وحلفائه . أنها خطة مخابراتية محبكة قادتها المخابرات الروسية بقيادة القيصر وبمشاركة الصين وإيران وموافقة السعودية ومصر ؛ لتغيير موازين القوى العالمية وأستنزاف الولايات المتحدة الأمريكية أقتصاديا ؛ والرد عليها بنفس أساليبها فى إدارة الحروب من خلال حرب استنزاف طويلة . وأستغلت الجمهورية الإيرانية توقيت ذلك الحرب لتعلن من خلال ميليشياتها فى كل أنحاء الشرق الأوسط عن ميلاد قوى عالمية جديدة يجب أن يحسب لها الف حساب .