كتبت نجوى نصر الدين كتاب «ثورة الأدب»، لمؤلفه الدكتور محمد حسين هيكل، مراجعة لعلاقات الإبداع والحرية واللغة والأدب والمسرح، ومرجعياتها الحضارية وآفاقها الاجتماعية، في مجموعة من الفصول، تهدف إلى إبراز الثورة العارمة التي حدثت في الأدب، إذ يتحدث فيه المؤلف عن الثورات المتصلة، التي شهدها مجال الكتابة والأدب القومي، خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ويتناول هيكل، المجهودات المتوالية لأصحاب المدارس الفكرية المختلفة التي أسهمت في إحياء الأدب العربي، والخروج به من حالة الركود إلى حالة الثورة.
ويرى أنه، منذ ما يقرب من ثمانين عاماً، لا يزال الأدب العربي يضطرب بعوامل الثورة، بدءاً من الثورة العرابية في مصر في عام 1882. ومذ شرع هذا الشعور القومي يحرك النفوس ويدعوها إلى التوجه نحو النهوض بمجموع الأمة، إلى مثل أعلى. وكذا منذ بدأت الكتابة تخرج من الحظيرة الضيقة: حظيرة الدواوين، ومن النطاق المحصور: نطاق التعليم لتتصل بالناس، على اختلاف طبقاتهم، ولتصور لهم من نواحي الحياة ما يريده الكاتب.
ويتحدث المؤلف، في مقال بعنوان الطغاة وحرية القلم، عن ما أسماه: الغرائز المفترسة التي تهيج في نفوس الطغاة لحرب القلم وحملته، ويشير إلى أن حرية القلم هي المظهر الأسمى لحرية الإنسان، وحرية القلم إنما تكون حيث يمسك بالقلم رب من أربابه، لا عامل من عماله، رب تؤتيه الطبيعة قوة الخلق والإنشاء ما لا سبيل إليه، إلا في جو من الحرية المطلقة، وتدفعه ليخلق هذه الحرية حوله خلقاً، ولو ألقى به هو في غيابات السجون، بل تدفع ذكراه لخلق هذه الحرية، إذا هو غُيِّبَ بين صفائح القبور.
ويضيف:” ونحن لا نزال نرى ثمرات الأقلام منذ آلاف السنين الماضية هي التي تهز العالم حتى اليوم هزّاً، وتنشئ فيه إلى اليوم وإلى الأبد، ألواناً من الخلق جديدة، ذلك أن القلم هو أداة تصوير النفس الإنسانية في التماسها الحق والحرية والجمال والخير والنفس الإنسانية، التي تلتمس هذه النواحي المضيئة من حياة الكون، هي دائماً نفس قوية، لا تقف في وجهها حوائل القانون ولا العادة ولا الطبيعة نفسها، نفس تحلق فوق الاعتبارات الكونية جميعاً، لترى مكان الحق الذي تريد إيضاحه، أو الحرية التي تريد نشرها، أو الجمال الذي تعالج تصويره، أو الخير الذي تعمل لبثه وإذاعته”.
ويستشهد الدكتور هيكل، بما كتبه نيشته، الفيلسوف الألماني، في قوله، إن الكاتب إنما بعث ليقف على ما يستتر تحت ظواهر هذا الوجود من حقيقة، ليرى هذه الحقيقة بنفسه، ثم ليرينا إياها. ويبين هيكل أن رسالة الكاتب هي الكشف للناس عن الحقيقة بلهجة العصر الذي يبعث فيه، لافتاً إلى أنه بفضل الثورة اللغوية التي صاحبت الثورة على القيم الجديدة، تحررت لغة الأدب من السجع وغيره من أشكال الزخرفة اللغوية، منجذبة إلى الاسترسال والتدفق العفوي الذي جعلها لسان عصرها، ونزاعة إلى التمرد على القيود.
ويشدد على أنه لا بد أن يتسلح الكاتب بوعي علمي وفلسفي ليكون المبدع الأصيل الذي يتميز عن غيره من الكتاب الزائفين. وهكذا، فإنه يدرك الأديب، حينها، نتيجة معرفته العلم والفلسفة، أنه لن يكون أصيلاً إذا اعتمد على سابقيه، وانغلق في تراثه. فأصالة الأدب لا تقبل التقليد.
وجسارة اكتشاف الحقيقة تقتضي الدفاع عنها، مهما كان الثمن، من ناحية، ومعرفة أن الطريق إليها تتقاطع مع آلاف الطرق التي يعبّدها، ويدل عليها، أدباء العالم كله ومفكروه، فالحقيقة هي بعض الوجود الإنساني في تقلب أحواله، وهي الهدف الذي يجعل من كل أدباء الإنسانية على اختلاف لغاتها، إخوة وشركاء في البحث عن ما يرتقى بالإنسان، مجاوزاً شروط الضرورة إلى آفاق الحرية.
وإذا كان مثل هذا النوع من الوعى يقتضي حتمية الترجمة التي تزيح حواجز اللغات، فتتيح للقارئ والأديب معاً، معرفة تجارب الإنسانية الإبداعية، والاغتناء بها على امتداد عصورها، فإن هذا الوعي نفسه، هو الذي يصل المحلى بالإنساني، والخاص بالعام، وذلك في الفضاء الذي لا تحكمه سوى قيم الحق والخير والجمال التي يؤكدها الأدب، بوصفه فناً يبدأ من هذه القيم ليعود إليها، مُجسّداً لها، وكاشفاً عنها، ومُضحياً في سبيلها.
المؤلف في سطور
محمد حسين هيكل. أديب ومفكر وباحث مصري. تنوع عطاؤه الأدبي، شأن العديد من صناع النهضة في بدايات القرن العشرين، بين الفكر والإبداع والعمل بالصحافة. استقرت روايته “زينب”- 1914، بوصفها أول رواية عربية. كما أنه قدم التاريخ الإسلامي من منظور جديد، يجمع بين التحليل العميق، والأسلوب الشائق.
ولد في عام 1888، في محافظة الدقهلية لأسرة ثرية. واشتغل بالصحافة. ثم مارس بعدها التدريس الجامعي. وكان أحد أعضاء مجلس إدارة حزب الأحرار الدستوريين، ورئيساً له فيما بعد، كما تقلد منصب رئيس تحرير جريدة السياسة التي أسسها الحزب، وعدة مناصب حكومية رفيعة، منها: وزارة المعارف (ثلاث مرات). من مؤلفاته: حياة محمد، في منزل الوحي .