تواجه أوروبا تحديات اقتصادية متنامية أثرت على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لمواطنى القارة العجوز والتي كان على رأس أسبابها ارتدادات الحرب فى أوكرانيا وجائحة كورونا التى مازالت تلقى بظلالها حتى الآن على اقتصادات العالم وأثرت بشكل كبير على جميع القطاعات فى أوروبا ومن بينها قطاع الخدمات المتعلقة بالسياحة والترفيه.
وفى هذا الإطار أجبرت أزمة تكلفة المعيشة حوالى نصف البريطانيين على سبيل المثال على تخفيض أو إلغاء خطط عطلاتهم لهذا الشتاء فقد أظهر استطلاع لـ MailOnline أن 44 بالمئة من البريطانيين لا يخططون للترحال والسفر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وسأل الاستطلاع الأشخاص عما إذا كانوا ينوون الذهاب فى عطلة خلال بقية العام، وكانت الإجابات كما يلي:
أوضح نحو 25 بالمئة أنهم يخططون للسفر إلى الخارج فى حين اقترح 23 بالمئة منهم قضاء عطلة في المملكة المتحدة و9 بالمئة مازالوا يناقشون الأمرين. فيما أصر 44 بالمئة على أنه ليس لديهم أي أمل فى قضاء عطلة الشتاء هذا العام (النسب تقديرية مُقربة إلى أقرب رقم صحيح).
كذلك وفقاً لأبحاث ريدفيلد آند ويلتون ستراتيجيز فإن ما يقرب من 59 بالمئة غيروا ترتيباتهم نتيجة للوضع الاقتصادى والأزمة المالية المتفاقمة بسبب تداعيات جائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية بجانب الحرب فى غزة.من برلين، رجح المحلل والكاتب الصحافى محمد الخفاجى أن زيادة ارتفاع تكلفة المعيشة ومستوى التضخم الحالى فى أوروبا أثر بشكل سلبى على فرص قضاء أعياد الميلاد وموسم الشتاء الخاص بالأوروبيين هذا العام وسيكون من الصعب على الأسر تجهيز الهدايا وتنظيم الاحتفالات والسفر بشكل مستدام لارتفاع تكاليفها.
وأوضح المحلل والكاتب الصحافى أن هناك أيضاً عددًا من العوامل الاجتماعية التى تقف وراء ارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم فى أوروبا وتشمل ما يلي:زيادة معدل البطالة. نقص فرص الاستثمار المحلي. عجز نسبة كبيرة من الأوروبيين عن تحمل تكاليف المعيشة اليومية. زيادة أعباء الديون الشخصية. التوترات الاجتماعية التى بدورها تؤثر على اقتصادات بعض الدول الأوربية خاصة التى تعتمد منها على السياحة.وأكد أن هناك عدداً من التحديات الاقتصادية التى تواجه القارة العجوز والتى يمكن أن تسهم فى دخولها إلى مرحلة الركود ولكن الأوضاع الاقتصادية قابلة للتغيير وقد تتحسن فى المستقبل مع اتخاذ سياسات اقتصادية فعالة مشيراً إلى أنه على سبيل المثال الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها ألمانيا من خلال خطط وسن قوانين جديدة لتحفيز الاقتصاد والعمل على التقليل من الروتين الإدارى الذى يؤثر على حركة الاستثمار.
وتابع: الأزمة الروسية الأوكرانية كان لها تبعات عديدة أثرت على الاقتصاد الأوروبى مثل زيادة أسعار الطاقة والمواد الخام والتى بدورها رفعت من تكاليف أسعار المعيشة.
وأثر التضخم الذي ضرب العالم على المجتمعات الأوروبية فى عدة نواحى حاول المحلل والكاتب الصحافى تلخيصها فيما يلى:تأثير على معدلات الفقر: يمكن أن يرفع ارتفاع تكلفة المعيشة معدلات الفقر فى المجتمع فالأشخاص ذوى الدخل المنخفض قد يواجهون صعوبة فى تحمل تكاليف الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية. زيادة الديون: إذا لم يتمكن الأفراد من تلبية احتياجاتهم المالية بسبب ارتفاع التكاليف فقد يضطرون إلى اقتراض المال وتراكم الديون. هذا يزيد من ضغط الديون الشخصية والمالية على الأفراد وقد يؤثر على القدرة على الاستثمار وتحقيق الأهداف المالية الشخصية.إعاقة النمو الاقتصادي: يؤدي ارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم إلى تقليل الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار فى الاقتصاد المحلى. هذا يعني أن الأفراد والشركات قد يكونوا أقل عرضة للقيام بمشتريات كبيرة أو الاستثمار فى مشاريع جديدة، مما يؤثر على نمو الاقتصاد المحلى. الآثار الاجتماعية: قد تكون هناك آثار اجتماعية سلبية أخرى مرتبطة بارتفاع تكلفة المعيشة مثل زيادة معدلات التوتر الاجتماعى والاستياء وتراجع الثقة فى النظام الاقتصادى والسياسى وزيادة الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات
وفى سياق متصل قال الباحث الاقتصادى دانيال ملحم إن الفترة الأخيرة شهدت ظهور تبعات ارتفاع معدلات التضخم والسياسات النقدية المشددة بشكل لافت وأثر ذلك على ارتفاع تكاليف المعيشة خاصة قطاع الخدمات فى أوروبا والذى كان متأخراً نتيجة غلق الأسواق بسبب تداعيات كورونا حيث بدأ يؤثر على أسعار تكاليف الإنتاج والسلع التى ارتفعت بشكل كبير وساعد أيضاً فى نقص الأيدى العاملة وارتفاع تكاليف الخدمات فى القطاع السياحى والذى أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الفنادق والمطاعم وخدمات النقل.وأوضح الباحث الاقتصادى أن الآونة الأخيرة شهدت تراجعاً فى معدل التضخم فى أوروبا خاصة على قطاع الصناعات ولكن لا يزال قطاع الخدمات يتراجع ببطء والذى يؤثر بشكل كبير على فرص قضاء الأوروبيين إجازات أعياد الميلاد والعطلة الشتوية فعلى سبيل المثال أغلب الفرنسيين يحاولون التغيير فى سلوكياتهم الاستهلاكية ويتوجهون إلى الأماكن الأقل سعراً.
وتشير بيانات وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبى إلى تراجع المعدل السنوى للتضخم فى منطقة اليورو شهر سبتمبر الماضى إلى أدنى مستوياته خلال عامين.
وسجلت معدلات التضخم ارتفاعاً بمعدل سنوى 4.3 بالمئة (وهو ما يشكل أدنى معدل مسجل منذ شهر أكتوبر من العام قبل الماضى). جاء هذا التراجع بأكثر من المتوقع إذ كانت تشير تقديرات المحللين إلى تراجع إلى 4.5 بالمئة.
التضخم الأساسى (الذى يستثنى الأسعار المتقلبة بالنسبة للطاقة والسلع الغذائية والكحول والتبغ) تراجع من 5.3 بالمئة فى أغسطس إلى 4.5 بالمئة فى سبتمبر.
وتشهد معدلات التضخم تراجعاً مطرداً منذ الوصل إلى الذروة عند 10.6 بالمئة في أكتوبر 2022. ورغم التباطؤ تظل معدلات التضخم أعلى بكثير من هدف البنك المركزى الأوروبى البالغ 2 بالمئة.