في مثل هذا اليوم ——————— في مثل هذا اليوم وفي كل سنة ولمدة طويلة منذ بدايات الصراع مع الواقع أتذكر يوم كنت في الصف الثاني اعدادي أن الطريق الذي ارتاده كل يوم إلى المعهد طريق طويل وأصعب من الدراسة ذاتها ومن أسئلة الامتحان رغم قربه من بيتي . صادف وإن أصبت في تلك الفترة بسقوط شعري لمدة طويلة واضطررت أن اضع حجابا وكان ذلك محل تعجب للكثير من الزملاء والزميلات ،كنت أمشي وأحث الخطى لكي أهرب من هذا القضاء الذي حل بي إذ يتسرب في داخلي الخوف والحزن وأخاف أن أظل حبيسة الاستهزاء والشعور بالنقص وأتذكر اني كنت أضع كل همي في الدراسة ولا آبه بمن حولي أسمع حديثهم عني خلف الجدران وكأني ارتكبت ذنبا في حق المجتمع ، ولكني كنت أقرأ وأقرأ و أنغمس في القراءة واقضي يومي في المكتبة العمومية أصادق الكتاب وأتحاور مع الأفكار هي صديقتي و بدأت اتعلم مبادئ التحليل ومنها تناقض البشر ،بدأت أفكر كيف أن المجتمع لا يغفر للمرأة اي نقص وكأن جمال الخلقة بيد الانسان وكأن مقياس جمالي هو “شَعري ” فقط وكان الحجاب الذي وضعته سلبني أنوثتي سخرت منهم حقيقة وبدأت في التجاهل وبدأ شغفي بالقراءة واجتهادي يظهر على طاولات الأساتذة وبين قاعات المدرسين من خلال الدرجات العالية ليعلنوا أني متميزة ووبدأت أجلب الانتباه بطريقة مختلفة الآن ،هذه متفوقة وهذه ذكية وهذه متميزة وكنت في سباق مع الزمن ورغم ذلك أشعر بالارتباك أحيانا مازالت في بداية الطريق ،أبكي وأ جفف دموعي باوراقي وأتلمس مفاتيح النجاة من داخلي فأيقنت بالصبر مع العمل كخطوة أولى وليس هذا بالأمر الهيّن ولكني بفضل الله عشقت الكتابة ومرت الأيام وزاح همي وعاد شعري إلى طبيعته ولكني لم أعد كما كنت ، ولم أعد تلك الفتاة الضعيفة التي تخجل من نفسها وعدت صلبة فهمت معنى الحياة ومعنى الألم ولهذا وقررت أن امتهن التدريس وأغوص في عالم الفلسفة والفكر لكي أعلم الأجيال أن الحياة صراع وعطاء وليست هذه التي نراها وردية أو رمادية في الصور والمجلات هي الواقع والمثابرة والصبر والثقة بدأت التجارب تعطيني من أكلها وها أنا اليوم أمامكم بهذه الكلمات اشفي جروح الماضي وافتخر بتجارب الحاضر أفتخر بنفسي نعم لأني واجهت ونجحت ومحبتكم لي هي عنوان نجاحي هي التي تشدني للرقي وللتميز لاخرج كل الصور في ذهني ،لست هنا لأتحدث عن حياتي الخاصة ولكن ليعرف الجميع ممن يريد معرفتي أننا لا يمكن أن ندرك الألم إلا من صميم الواقع من جرّاء الفعل وردات الفعل، والعلاقة بين الألم والحياة البشرية هي متلازمة وبشكل دائم انطلاقاً من الإحساس به والشعور بأهميته و الوثوق أولا بأن الإنسان يستطيع المواجهة وعليه أن يواجهه من خلال تغيير الواقع نفسه والتحدي ضد الذات الهدامة وخلق مجال جديد لحياة مثمرة هذا اليوم أتذكر عندما كنا صغارا نبكي أمام باب المدرسة كل منا يمسك بيد ولي أمره وها نحن اليوم نمسك بيد الأمل الذي غرسه المربي منذ أول يوم لنا على مقاعد الدراسة كلنا نشتاق الى تلك الأيام نتوسل للزمن أن يعود لنشكر من تحملنا صغارا ، تحية اجلال واحترام لكل الذين عبروا بنا الى عالم النجاة عالم النور تحية مني الى كل مدرس وكل تربوي تحية تبدأ من الماضي وعبر الزمن تحية لأول من علمني كيف أمسك القلم كل الشكر لطلابي الذين أكرموني اليوم بعبارات أثلجت قلبي . أجمل الختام ما قاله الامام علي رضي الله عنه ” أكرم ضيفك وإن كان حقيراً، وقُم على مجلسك لأبيك ومعلمك وإن كنت أميراً. “ د/آمال بوحرب تونس