لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة / عادل شلبى
هو من أعظم الكتاب الصحفيين والمحللين والمفكرين في مصر والعالم العربي في العصر الحديث. 70 سنة صحافة في الكثير من المقالات والتحليلات والمقابلات الصحفية مع معظم رؤساء العالم، حتى أصبح أيقونة الصحافة. التي لن تتكرر مرة أخرى.
وكانت علاقتي معه في البداية ليست طيبة، وأنا طفل صغير، عندما كان واليدي رحمه الله يطلب مني كل يوم جمعة إجازتي أن أرتدي ملابسي لأحضر له صحيفة الأهرام في الصباح، ليقرأ مقالة الأستاذ هيكل، بصراحة،
ومرت السنين والتحقت بالكلية الحربية، وتخرجت وسافرت لاقاتل في حرب اليمن. ثلاث سنوات، كان الخيط الوحيد الذي يربطنا بمصر، هي مقالة الأستاذ هيكل بصراحة التي كانت تذاع عبر إذاعة صوت العرب، وكنا نجتمع انا وكل ضباط الكتيبة لنستمع لكي نعرف ما يدور في مصر والعالم،
وعدت إلى مصر مع بداية عام 67 وجاء شهر مايو. لنتحرك إلى سيناء مع القوات المسلحة، وجاء يوم 5 يونيو وأنا على خط الحدود، في منطقة الكونتيلا حيث قامت إسرائيل بتنفيذ ضربتها الجوية وتهاجم سينا وانسحبنا إلى قناة السويس بعد أن فقدنا كل اسلحتنا في سيناء.
كانت هزيمة، لكن هيكل أطلق عليها النكسة لتجنب أثر كلمة الهزيمة على الشعب المصري، وخلال ست سنوات خلال فترة حرب الاستنزاف. أصبحت غاضبا عليه مرة أخرى، لأنه انتقد بشدة القوات المسلحة في حرب 67، والتي لم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل، لكننا أيضا كنا ننتظر كل يوم جمعة على إذاعة صوت العرب لنسمع مقالته الاسبوعية بصراحة، فلقد كان الإعلامي الأوحد. الذي يحلل ويشرح ويوضح.
ومرت السنوات، وجاءت لحظة حرب أكتوبر 1973، كنت في ذلك اليوم في غرفة عمليات حرب، أكتوبر، وفي صباح 6 أكتوبر حضر الرئيس السادات إلى غرفة العمليات صباحا، وبعد وصوله تقدم له اللواء الجمسي ليوقع على التوجيه الاستراتيجي وهي المهمة التي يعطيها رئيس الدولة للقوات المسلحة للقيام بالعملية الهجومية، وبالفعل وقعها الرئيس السادات، لكنه قال سوف أرسل لكم غدا الأستاذ هيكل لمراجعة أي مصطلحات سياسية واستراتيجية في هذا التوجيه.
وفي اليوم التالي السابع من أكتوبر، حضر الأستاذ هيكل، وكانت المرة الأولى التي أراه، وبيني وبينه أمتار قليلة، استقبله الفريق أحمد إسماعيل والشاذلي والجمسي، وتفهم الموقف منهم على خريطة العمليات التي كنت مسؤولا عنها، وقام بتعديل بعض الألفاظ في التوجيه الاستراتيجي. وعلى الفور، خرج أحد الضباط إلى الرئاسة، ليوقع السادات على المنطوق الجديد. للتوجيه الاستراتيجي وخلال الحرب حضر الأستاذ هيكل عدة مرات الي غرفة العمليات لكي يتابع على الخريطة الموقف وأوضاع قواتنا وقرارات القوات المسلحة المصرية،
وانتهت الحرب وسافرت في بعثه إلى بريطانيا. وفي أول أسبوع وأنا هناك، شاهدته على محطة BBCالبريطانية فجأة على القناة الإخبارية تعرض الخبر الثالث في النشرة وصول الكاتب المصري حسنين هيكل إلى بريطانيا، لكي يوقع نشر كتابه الجديد الطريق إلى رمضان مع أكبر صحيفة في بريطانيا التايمز، التي تماثل جريدة الأهرام في مصر، وتوالت الاحتفالات في. بريطانيا بهذا الضيف المميز، كان كل يوم على شاشات BBC البريطانية،
وبعدها بأسبوعين، وفي نهاية الأسبوع يوم الأحد توجهت إلى لندن وأثناء خروجي من محطة مترو الأنفاق في هايد بارك كورنر وجدت الصبي الإنجليزي يوزع الصحف وينادي Road to London هيكل تايمز، ولم أصدق كتاب هيكل يوزع على الصحف وينادي عليه، \ والحق أقول أن كتاب هيكل كان هو الوحيد الذي صدر من مصر، عن حرب أكتوبر 1973 بينما إسرائيل أصدرت أيامها العديد من الكتب عن حرب أكتوبر،
وعدت إلى مصر، وكان هيكل مازال هو نجم الصحافة الأول في العالم العربي والشرق الأوسط. وعندما أصبحت مدير الشؤون معنوية، كنت أقوم بإنتاج أفلام تسجيلية عن حرب أكتوبر، وكانت الحلقة الأولى عن نكسة 67، وبالطبع لم يكن هناك إلا الأستاذ هيكل يتكلم عن هذه الفترة، وكانت المرة الأولى التي أحادثه تليفونيا، ولكنه اعتذر عن الاشتراك في الفيلم التسجيلي. وكان سبب اعتذاره غريبا، وهو صفوت الشريف والغريب أن الاعتذار الثاني في الاشتراك في هذا الفيلم من المشير أبو غزالة، لأنه كان بطلا من أبطال حرب أكتوبر، كان لنفس السبب صفوت الشريف،
ومرت الأيام والسنين، وكنت ما أزال من مريدين الأستاذهيكل، الذي كان أيقونة الصحافة العربية، وفي أحداث 25 يناير، كنت عضو في المجلس العسكري، وفي يوم من الأيام كلفني المشير طنطاوي بمقابلة الأستاذ هيكل لكي نبحث معه بعض الموضوعات، وذهبت إلى منزله على نيل القاهرة أمام نادي التجديف، حيث لديه في دور واحد شقة للإقامة والشقة الأخرى لمكتبه،
واستمرت المقابلة الأولى لمدة 4 ساعات كاملة. استمتعت بهذا اللقاء، ذكاء خارق، ذاكرة لا يتخيلها بشر للأحداث والأرقام. ويومها أهداني نسخة من إصداراته. عليها توقيعه، وطلبت تسجيلات قناة الجزيرة التي تحكي قصة ثورة يوليو، ولكن للأسف لم تكن موجودة لديه.
وتوالت اللقاءات بيننا.مبعوث من سيادة المشير، من المجلس العسكري واتذكر أحدها عندما طلب منه المشير طنطاوي السفر إلى أحد الدول العربية لمهمة ما، وبعد أن جلست حتى أخذ ورقة كتب فيها اللواء سمير فرج اليوم والتاريخ، الغرض من السفر، نقاط المناقشة، وأعتقد أن ذلك كان أسلوبه المتفرد. لتسجيل الأحداث التاريخية.
وأعتقد أن لقاءاته مع الأستاذة لميس الحديدي كانت من أهم الاحداث في حياتها الإعلامية، وفي تاريخها، حيث نتابع الان علي شاشات الانترنت يوميا هذه اللقاءات.
وفي آخر لقاء لي معه عندما سألني هل اختار المجلس العسكري القائد الجديد للقوات المسلحة في الفترة القادمة، قلت له نعم إنه اللواء عبد الفتاح السيسي. بالإجماع، وتوقف قليلا، وقال بالإجماع عدا واحد، وشعرت ساعتها أنه كان معنا في الاجتماع، وسألني على أي أساس تم اختيار اللواء السيسي؟ فكان ردي إنه الأصغر سنا. وتولى جميع الوظائف الرئيسية في القوات المسلحة، وحصل على التأهيل العلمي من كلية الأركان حرب، وكلية الحرب العليا، وعمل ملحقا عسكريا، وحصل على أهم دراسات عسكرية في الخارج، كلية كامبرلي الملكية في إنجلترا، و كلية الدفاع الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، واستكملت قائلا بصراحة بيعرف ربنا قوي، ورد الأستاذ هيكل قائلا اختيار موفق. وأضاف أن القوات المسلحة نجحت في ذلك الاختيار لأنه الأحق، وعلمت بعد ذلك أنه التقى مع الرئيس السيسي عدة مرات.
عموما غادر هذا الرجل العظيم حياتنا ليكون أهم علامة مضيئة صحفية في العصر الحديث ليس في مصر ولكن في المنطقة كلها وسوف تعتز مصر دائما إنه كان بين رجالها محمد حسنين هيكل.