د/آمال بوحرب تونس يقول ” رانس كافكا “كاتب تشيكي و يعد أحد أفضل أدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة”أعتقد أنه يجب علينا فقط قراءة النوع من الكتب التي تدمينا بل وتغرس خناجرها فينا، وإذا كان الكتاب الذي نقرأ لا يوقظنا من غفلتنا فإذاً لماذا نقرأه أساسًا؟”هذه المقولة أيقضت سؤالا ملحا في تفكيري عن الكتابة وهو ما فائدة الكتابة إن لم توقظ في نفس القارئ الحيرة ؟ هل يحتاج المجتمع في ظل هذا الكم الهائل من الكتابات إلى من يكرر الأفكار أو إلى تجديدها ؟ علينا أن نرى أولًا هل أن الكاتب بوسعه أن يكتب عن أي شيء وعن أي إنسان أي هل له مطلق الحرية في اختيار موضوعاته وأبطاله مهما كان موهوبا أم أن له حدودًا لا يستطيع تجاوزها والتي تتحددبالمجتمع الذي يعيش فيه وخبرته الذاتية والدروس التي تعلمها من الحياة فهل على الكاتب أن يكتب عما يعرفه بتجربته الخاصة وهذه التجربة مطلوبة بقدر ما تكون مدخلاً لتجربة فنية يعبّر فيها بأسلوبه المتميز عن عالمه الروحي ونظرته إلى الأشياء.؟والأمثلة على ذلك كثيرة من واقع الروايات والقصص فلقد كتب الروائي الفرنسي (مارسيل بروست ) رواياته (داخل غرفة ذات جدران صماء لا تخترقها الاصوات)ولكن (بروست) قد عاش قبل الكتابة بين الناس ودرس المجتمع الفرنسي الأرستقراطي لمدة طويلة قبل أن يسجن نفسه في غرفة معزولة أي أن خيال الكاتب الروائي أو القصصي قادر على تغيير تناسب الظواهر والأحاسيس وملامح الشخوص وأنماط سلوكهم، ولكن ليست ثمة رواية سواء كانت خيالية ام طوبائية لا ترتكز على الواقع إن وصف سكان كوكب المشتري في رواية (ولز) أو سكان (سالاماندر) في رواية (جابك) ليس إلا هجاء للمجتمع الإنساني. وعليه إن كانت الكتابة كما قال (جان جاك روسو)”التي يبدو من مهاماتها تثبيت اللغة هي عينها التي تغيّرها فهي لا تغيّر كلماتها بل عبقريتها إنّها التعبير بالدقة فالمرء يؤدي أفكاره عندما يكتب ومشاعره عندما يتكلّم فهو عند الكتابة ملزم أن يحمل كل الألفاظ على معناها العام” مجهرا عن الواقع يوثقه الكاتب ويضيف عليه وهنا تكمن المسؤولية بعينها فيما يوصله من أفكار ووجهات نظر أي نصل إلى جوهر الكتابة وهي التعبير عن الألم الذي يعيشه القارئ في الواقع ولكن الأهم هو بث روح الأمل إذ لا يحتاج المجتمع إلى الكاتب المحبط أو الذي يجعل الحقيقة “مستقبل وهم” نحتاج الكتابة الهادفة التي تقلع الخمول الفكري والمعرفي وتزرع في القارئ الذات الهادفة المتأملة والمفكرة فلا نتوقف عن عرض الألم فقط نحتاج بعث روح الأمل ولكن بواقعية وبكشف الخبايا عن الواقع عن الحياة عن الذات نقطة الألم في الحقيقة موجعة ودور المفكر العاقل العودة الى التاريخ لكتابته بطريقة حديثة تواكب العصر وليست التبعية الفكرية تعني تجاهل “ابن رشد”والفارابي والمعلقات ولكن الحداثة في النهوض بالكتابة نفسها بطريقة تقبل النقاش والحوار وابداء الرقي . وفي جهة مقابلة يرى (ميشال فوكو ) أن جانب المتعة مهم جدا في الكتابة يقول في كتاب (حوارات ونصوص )”لكن هناك أمر آخر – إذا أردنا أن يصبح الكتاب أداة يمكن أن يفيد منها الآخرون و هو ضرورة أن يوفر المتعة للقراء الذين يطالعونه. يبدو لي أن هذا الأمر يمثّل واجباً أولياً بالنسبة لمن يقدم هذه البضاعة أو هذا الشيء الحرفيّ: يجب أن يوفّر هذا الشيء المتعة”وهذا ما يطرح سؤالا محتملا هو هل أن الكتابة الهادفة تجمع المتعة والألم أم أن الكتابة لها شروط تحدد هدفها بطبيعة الموضوع القائم وتعتمد على مشاعر الكاتب ؟ فإذا شعرت بالحزن ستكون القصة مأساوية وإن كانت ممتعة أحيانا وإن كنت أشعر بالسعادة فتكون النهاية سعيدة رغم المرور بالألم وأحيانا ما نجد هذا النوع لدى كتاب القصة الحديثة والحقيقة لا أريد الإجابة على هذه الأسئلة ولكن يكفي طرحها ولعلني في ذلك اعود الى “ابي الروحي “في الكتابة الكاتب الروائي “محمود المسعدي “والذي جمع في كتابه “تأصيلا لكيان “ما يمر به الكاتب وما هية الكتابة عبر ما تعترضنا في مناسبات مختلفة وأزمنة متباعدة مواقف وكلمات قال عنها التوحيدي “الكلام على الكلام صعب!”وذلك لقيمتها المعرفية وبلاغتها وقوتها وصعوبتها ويشرح إجابته هذه عن أحوال الدنيا “– لأن الكلام على الأمور المعتمد فيها على صُوَرِ الأمور وشكولها التي تنقسم بين المعقول وبين ما يكون بالحِسِّ ممكنٌ وفضاءُ هذا مُتَّسِعٌ والمجالُ فيه مختلفٌ فأما الكلام على الكلام فإنه يدور على نفسه ويلتبسُ بعضُه ببعضٍ ولهذا شقَّ النحوُ وما أشبهَ النحوَ من المنطق وكذلك النثر والشعر “. أخيرا إن الاجابة اليوم على أهمية الكتابة صعبة وإن كان حالها في ذاك العصر الذي لا يصل الانسان أن يكون مرشدا إلا بعد أن يتمرّس أوّلاً في كتابة الرسائل الديوانية وقبل أن يتمرّس بكتابتها فإن عليه أن يقرأ ويحفظ عن ظهر قلب رسالة عبدالحميد الكاتب للكتّاب وصحيفة بشر بن المعتمر ورسائل ابن المقفع والبيان والتبيين للجاحظ وأدب الكاتب لابن قتيبة، وأدب الكُتّاب للصولي والرسالة العذراء لابن المُدبّر وغيرها وغيرها فأين نحن من الكتابة والقراءة ؟