لواء دكتور/ سمير فرج متابعة / عادل شلبى بمناسبة مرور 50 عاماً على حرب أكتوبر، أو ما تطلق عليه إسرائيل “حرب يوم الغفران”، أو (Yom Kippur)، أعلنت إسرائيل، مؤخراً، أنها ستنشئ موقعاً إلكترونياً باسم “حرب عيد الغفران”، وستعرض عليه أعداداً كبيرة من وثائق وصور وتحليلات الحرب، التي ستفرج عنها لأول مرة. وتساءل الجميع عن دوافع إسرائيل من وراء هذا القرار، وعما إن كان، حقاً، بمناسبة مرور خمسون عام على الحرب، أم أنه محاولة لإظهار نوع من القوة، أمام أصوات الشارع الإسرائيلي التي علت، بالتزامن مع هذه الذكرى، مطالبة بنشر وثائق “لجنة أجرانات”. كانت إسرائيل قد خرجت من حرب يونيو 67، وقد استولت على شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وهضبة الجولان، أي خرجت، من تلك الحرب، منتصرة على ثلاث جيوش عربية. وبفضل الأبواق الإعلامية المنحازة لإسرائيل، ترسخ، لدى شعوب العالم، اعتقاد بأن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر، وأُطلق على قواته الجوية، منذئذ، لقب “اليد الطولى” لإسرائيل. إلى أن جاء يوم السادس من أكتوبر من عام 1973، لتتحطم الأوهام الإسرائيلية على صخرة الواقع المصري … ووقفت جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، وبجانبها البطل الشعبي الإسرائيلي، أو وزير دفاعها، موشى ديان، في يوم التاسع من أكتوبر 1973، ليعلنا، في مؤتمر صحفي عالمي، هزيمة إسرائيل أمام الضربات القوية للجيش المصري، الذي نجح في عبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف، وأفسح لنفسه الطريق، للتقدم في سيناء، نحو إسرائيل. والواقع أن هذا المؤتمر الصحفي، أحدث صدمة كبيرة في إسرائيل، فلأول مرة تنطق فيها إسرائيل لفظ “الهزيمة”، وهي ما وصفتها صحيفة معاريف الإسرائيلية، بأنها الكلمة التي أحدثت زلزالاً، هز كيان المجتمع الإسرائيلي بأسره. ومن هذا المنطلق، واستنكاراً للهزيمة الفادحة التي ألمت بهم، شُكلت، على الفور، لجنة لتقصي الحقائق، في نوفمبر 1973، برئاسة رئيس قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا، آنذاك، شيمون أجرانات، وعُرفت باسم “لجنة أجرانات”، إلا أن صحف المعارضة الإسرائيلية أطلقت عليها اسم “لجنة التقصير”، مطالبة إياها بمعرفة، وإعلان، أسماء المقصرين في هذه الحرب، بما أدى لإعلان هزيمة إسرائيل. ظل اسم “لجنة أجرانات” هو الاسم الرسمي المعمول به في أروقة السياسة والكنيست والإعلام، وفي أبريل من عام 1974، أي بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب، أصدرت اللجنة تقريرها المبدئي الأول، في 40 صفحة، وكان تقريراً عاماً، لا يتضمن رصداً للوقائع، وإنما ركز على إجراءات اللجنة، ومنهجها المنتظر للوصول إلى الحقائق، وتم إتاحة هذا التقرير، الأولي، للرأي العام. وفي يوليو 74، أصدرت اللجنة تقريرها الثاني، في 423 صفحة، حاملاً خاتم “سري للغاية”، فلم يُتح للعامة، حتى أنه لم يُعرض على مجلس الوزراء، أو الكنيست، واكتفت اللجنة بالسماح بنشر 6 صفحات منه، تحمل الخطوط العامة لمحتواه. في يناير 1975، أصدرت “لجنة أجرانات” تقريرها النهائي، في 1511 صفحة، وحُذر نشره تماماً، حتى نجحت جريدة معاريف الإسرائيلية، في عام 1995، في الحصول على موافقة المحكمة العليا، بالموافقة على نشر التقرير، بعد عامين كاملين من مطالبتها بالنشر، وصدر قرار المحكمة العليا شاملاً حذف 48 صفحة من التقرير، تخص دور المخابرات الإسرائيلية، أو “الموساد” في هذه الحرب. وبالرغم من قرار المحكمة العليا، إلا أن تقرير “لجنة أجرانات” لم يُنشر منه إلا عناوين عامة، بشأن الجهات المقصرة في حرب أكتوبر 1973. عادت هذه اللجنة، مرة أخرى، إلى الأضواء، في عام 2007، بعرض تفصيلات أخرى، ولكن ليس التقرير بالكامل، قبل أن تُشرع إسرائيل قانوناً، يحظر نشر أية وثائق خاصة بحرب 73، قبل مرور ثلاثين عاماً من تاريخ الحرب. وفي 2013، تم نشر نصوص بعض المحادثات، التي تمت بين رئيس الوزراء، وبعض القادة والضباط في الجيش الإسرائيلي، إبان حرب أكتوبر 73، ورغم ذلك، لم يتح، معرفة تفاصيل التقرير النهائي للجنة، وهو ما دفع وسائل الإعلام الإسرائيلية، حتى يومنا هذا، لتوجيه انتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية، للضغط عليها لإعلان أسماء الجهات، والأشخاص، المقصرين في هذه الحرب، وإن كانت معظم أصابع الاتهام، تشير إلى الموساد، وفشله في الحصول على معلومات عن خطة مصر لشن تلك الحرب، في ذلك اليوم. وارتفعت الأصوات الإسرائيلية، متسائلة، هل تأخرت جولدا مائير، وموشى ديان، في استدعاء قوات الاحتياط؟ وهل هناك تقصير من رئاسة الأركان في خطة الدفاع عن سيناء؟ وما هي حقيقة الصراع على الجبهة المصرية، بين الجنرال جونين قائد الجبهة المصرية، وبين قادة اللواءات المدرعة؟ وكيف تدخل الجنرال شارون في الحرب، دون إبلاغ قيادة الجبهة؟ وغير ذلك من مئات الاسئلة والاستفسارات، التي تحاول الحكومة الإسرائيلية إسكاتها، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن تقصير الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، ولم يجد أحداً لها إجابة حتى الآن. ولعل أهم قرارات “لجنة أجرانات” هو عزل رئيس الأركان الإسرائيلي، ديفيد اليعازر، من منصبه، والتوصية بعدم توليه أي مناصب رسمية في إسرائيل، بعد تقاعسه في استدعاء الاحتياطي. وحتى الآن، لم تُعلن إدانة مجلس الوزراء، سواء لرئيسته جولدا مائير، أو لوزير الدفاع موشى ديان. وسيظل المجتمع الإسرائيلي يسأل ويسأل عن أسباب الهزيمة، بالرغم من وضوح الرد على كل تلك التساؤلات، والتي يفسرها قوة الجيش المصري، وصلابة شعب مصر العظيم، اللذان أدى تلاحمهما إلى تحقيق نصر عظيم، صدّع أركان الكيان الإسرائيلي.