لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى كانت سياسة واستراتيجية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال فترة حكمه، ترى أن حلف شمال الأطلسي، أو حلف الناتو، لم يعد قادراً على تحقيق الأهداف التي أنشئ لأجلها، خاصة وأن معظم أعضاءه لم يلتزموا بتنفيذ الاتفاقيات العسكرية، أو تنفيذ تعهداتهم، وأهمها سداد المقررات المالية المطلوبة منهم. ولم يقتصر الأمر على ترامب، بل ساد نفس الانطباع بين عدد من دول الحلف، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرح بأن الحلف يمر بمرحلة الموت السريري، بل وذهب لأبعد من ذلك، بدعوته لإنشاء جيش أوروبي موحد، وبدا للجميع أن نهاية حلف الناتو صارت وشيكة. إلا أن رحيل الرئيس ترامب، وتولي الرئيس جو بايدن، فرض توجهات مختلفة، نتيجة لتغير الاستراتيجيات، منها ضرورة تعزيز قدرات حلف الناتو، للتصدي لطموحات الدب الروسي. وهو التوجه الذي أيده الحدث الجلل، المتمثل في الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت يوم 24 فبراير 2022، إذ أفاق أعضاء الحلف على الخطر الروسي، وشرعوا في إعادة حساباتهم نحو تقوية حلف شمال الأطلسي. قاد ذلك التوجه الجديد، الرئيس الأمريكي، بايدن، وبدأت بعض الدول غير النووية، وعلى رأسهم ألمانيا، بتقوية قوتها العسكرية، حتى وصل الأمر لزيادة إنفاقها العسكري، لهذا العام بمقدار 100مليار دولار. وبدأت اجتماعات حلف شمال الأطلسي تسير نحو تقوية وزيادة قواتها العسكرية وزيادة الإنفاق العسكري، خاصة مع انضمام كل من فنلندا والسويد، ليرتفع عدد أعضاء الحلف إلى 31 عضواً. بل واتجه الحلف إلى تضييق الخناق على روسيا من ناحية القطب الشمالي، الذي أصبح، إلى حد كبير، تحت سيطرة حلف الناتو. وهنا وجد الدب الروسي نفسه في موقف صعب، فبدأ التحرك من خلال محورين؛ أولهما التقارب مع العدو الأول، حالياً، للولايات المتحدة، وهي الصين، وثانيهما العدو اللدود كوريا الشمالية، بطموحها النووي. وقد ساعد روسيا الاستفزازات الأمريكية، العديدة، تجاه الصين، بدعم تايوان اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، والتي كان منها زيارة نانسي بيلوسي، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، وزيارة العديد من المسؤولين الأمريكيين لتايوان، محققين قفزة سريعة في التقارب الأمريكي التايواني، وما تلاه من زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة، علاوة على العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الولايات المتحدة على العديد من الشركات الصينية، بهدف إضعاف اقتصاد الصين. ورغم كل تلك الاستفزازات، إلا أن الصين استقبلتها ببرود كبير، ولم تُقدم على أي عمل إيجابي ضد أمريكا، اللهم إلا من بعض التحركات والمناورات العسكرية، في بحر الصين، وإطلاق تجارب الصواريخ البالستية، يقيناً منها بأن أمريكا تستهدف دفعها لعمل عسكري، من شأنه تعطيل مسيرتها في النمو والتقدم الاقتصادي، فلم تنجرف لأية استفزازات لتستكمل مسيرتها الاقتصادية، خاصة وأن مشروع الحزام والطريق سينتهي العمل به، خلال العام الجاري، وتتوقع الصين البدء في جني ثماره اعتباراً من العام القادم. ورغم تحذيرات الولايات المتحدة للصين بعدم دعم روسيا بالأسلحة والمعدات التكميلية والذخائر في الحرب الدائرة مع أوكرانيا، وهو ما قد يبدو للبعض انصياع الصين له، إلا أن آخرون يرون أن الصين تدعم روسيا، حالياً، في اتجاهات أخرى أكثر قوة، مدللين على ذلك بالزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين، فضلاً عن التقارب بين القوات العسكرية الروسية والصينية في منطقة بحر الصين، لتكون أبلغ رد على الولايات المتحدة، التي بدأت في التفكير في إنشاء “الناتو الآسيوي” في تلك المنطقة، يمثله الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، بهدف محاصرة الصين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. كان الرئيس الأمريكي، ورئيس كوريا الجنوبية، ورئيس الوزراء الياباني، قد عقدوا اجتماعاً لبحث وضع أسلحة استراتيجية قرب حدود الصين، اعتماداً على وجود قواعد عسكرية أمريكية بكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي أعلنت الصين اعتباره إعلان حرب عليها، حال حدوثه. ورغم عد نجاح ذلك الاجتماع في الوصول إلى أي صيغة لتأسيس ذلك “الناتو الآسيوي” الجديد، إلا أن الصين لم تقف مكتوفة اليدين، بل تحركت، فوراً، في الاتجاه المضاد، بالتقارب مع كل من روسيا وكوريا الشمالية، للتصدي للتحركات الأمريكية حولها، الأمر الذي وجدته روسيا فرصة سانحة لعقد تحالفات جديدة. ورغم ما أدت إليه تلك الحرب الروسية الأوكرانية، من إعادة توحيد الصف، بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وراء التوجه بتعزيز قدرات قوات الحلف، ورفع كفاءتها، خاصة في أوروبا، إلا أنها، وعلى الطرف الآخر، دفعت قوى مختلفة لإعلان تقاربها، وإن لم تصل، بعد، إلى مرتبة تشكيل حلفاً عسكرياً، مثلما هو الحال بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية، بما من شأنه تغيير موازين القوى في العالم، خاصة وأن تلك الدول الثلاث تملك قوة نووية، تزيد من قدراتها وأهميتها الاستراتيجية، في حال ترجمة ذلك التقارب إلى كيان رسمي. وعليه فإن الولايات المتحدة تكرث مساعيها، حالياً، في الحيلولة دون وصول ذلك التقارب لمرحلة التحالف، وإلا عاد العالم، مرة أخرى، إلى عهد الحرب الباردة، بين القوتين الأعظم، التي سيمثل طرفيها، في هذه المرة، الولايات المتحدة ودول حلف الناتو من ناحية، مقابل الصين وروسيا وكوريا الشمالية من ناحية أخرى، كنتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، التي يأمل شعوب العالم، أن تنتهي بسلام، تفادياً للدخول في حرب باردة جديدة، بين تلك المحاور التي ستفرزها هذه الحرب.