لواء دكتور/ سمير فرج متابعة / عادل شلبى مضت أكثر من 500 ليلة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، التي طال لهيبها كافة دول العالم، بما جعل مؤيديها ومعارضيها، على حد سواء، يتطلعون لوقفها، والحد من آثارها السلبية، وهو ما دفعني لتحليل نتائجها على الأرض، حتى يومنا هذا، بمقاييس الربح والخسارة، علماً بأن الرابح والخاسر يتعدى الأطراف المباشرين للحرب، وهما روسيا وأوكرانيا في هذه الحالة، وإنما تشمل كل طائفة أطراف عدة، حققت أرباحاً أو خسائر غير مباشرة. واعتماداً على تلك المعطيات، تكون الولايات المتحدة الأمريكية أول الرابحين من تلك الحرب بما تحقق لها من تكبيد روسيا، عدوها التاريخي، خسائر هائلة، سواء بإنهاكها عسكرياً، باستنزاف ترسانتها من الأسلحة والمعدات الحربية، أو بإضعافها اقتصادياً، بما يجعل روسيا غير قادرة على استكمال مسيرة النمو والتنمية. وقد يتشكك البعض في حقيقة إضعاف الاقتصاد الروسي، بينما الروبل، مازال محتفظاً بقوته، والحقيقة أنه رغم كون قوة العملة أحد مقاييس قوة الاقتصاد، إلا أنها ليست المؤشر الرئيسي، خاصة عندما تكون قوة الروبل مدعومة بقرار حظر تصدير الغاز الروسي إلا باستخدام الروبل، وهو ما خلق طلب على العملة، أكسبها قوة لم تنعكس إيجاباً على المؤشرات المالية والاقتصادية للدولة، والدليل على ذلك أنه منذ اندلاع الحرب في فبراير من عام 2022، لم تستثمر الحكومة الروسية في أية مشروعات تعليمية، أو صحية، أو مشروعات بنية أساسية، وإنما وجهت اقتصادها لخدمة الحرب. أما ثاني الرابحين فهم أصحاب الصناعات العسكرية، الذين ازدهرت أعمالهم، نتيجة الاشتباكات على أرض المعركة، والتي أظهرت مواطن القوة في بعض الأسلحة، بما خلق طلباً إضافياً عليها، أو أظهرت أوجه القصور في البعض الآخر، بما أفسح المجال لتطويره، ولعل من أمثلة ذلك عند نجاح روسيا في إصابة بطارية الباتريوت الأمريكية، على أرض كييف، أن هبط، في صباح اليوم التالي، طائرة سي 120 أمريكية، على متنها 70 فرد؛ يتبع 20 منهم مراكز الأبحاث، و50 من مصنع إنتاج البطارية الباتريوت، لتحديد أوجه الضعف بها، وبدء العمل على تلافيها. وهو ما سيتكرر، حتماً، مع كل الأسلحة التي اُختبرت في تلك الحرب، سواء الأمريكية، أو الروسية، أو الأوروبية، وحتى الطائرات المسيرة الإيرانية والتركية. ودون اجتهاد في البحث، فإن ثالث الرابحين، هي الدول النفطية، التي يشهد إنتاجها، من النفط والغاز، في مثل تلك الظروف، طفرة رهيبة في الأسعار، نتيجة زيادة الطلب عليه، لتأمين احتياجات الطاقة في الدول الاستهلاكية التي تعاني من نقص الموارد الطبيعية في هذا القطاع الحيوي. وإذا ما انتقلنا للكفة المقابلة، فإن أوكرانيا، ولا شك، أعظم الخاسرين في تلك الحرب، بداية من خسائرها السيادية، بسيطرة روسيا على معظم إقليم دونباس، الذي يمثل نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، بالإضافة لما أصاب معظم بنيتها الأساسية من دمار، فضلاً عن تدمير قواتها العسكرية؛ الجوية والدفاع الجوي ومعظم أسلحتها، واضطرارها للاعتماد على الأسلحة التي تصلها من الولايات المتحدة، ودول الناتو. يضاف لذلك الخسائر الناجمة عن عدم قدرتها على تصدير القمح، في ظل الحرب الجارية، وهو أهم سلعها التصديرية، وركيزة اقتصادها، والذي لم يعتاد مزارعوه على تخزينه، أمام زيادة الطلب العالمي عليه. ورغم ما حققته روسيا من مكتسبات على الأرض، إلا أن ذلك لا ينفي كونها أحد الخاسرين، بما تحملته موازنتها من أعباء طائلة، لتمويل تلك الحرب، ومثلها في ذلك دول حلف الناتو، الذين تتحمل موازناتهم بنفقات إضافية لدعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، وهو ما اضطر حكومات تلك الدول إلى تقليص إنفاقها العام على مشروعاتها التنموية، مما أثار شعوبها، المطالبين بوقف الدعم لأوكرانيا، باعتبارهم الأولى بالانتفاع من حصيلة ضرائبهم، خاصة في ظل موجة التضخم التي يشهدها العالم، والتي أدت إلى ارتفاعات مضطردة، ومتتالية، في أسعار كافة السلع، فضلاً عن أن اصطفاف دولهم وراء أوكرانيا، أكسبهم عداوة روسيا، التي قطعت عنهم صادراتها من الغاز الطبيعي، وهو ما تعتمد عليه أوروبا كمصدر رئيسي لاحتياجاتها من الطاقة. وتعد ألمانيا أكبر الخاسرين، بين دول حلف الناتو، فبالإضافة لتأثرها بنقص إمدادات الغاز، فقد نبهتها الحرب الجارية، للتهديد العسكري الروسي، مما أصابها بالخوف من احتمالات الهجوم عليها، مما دفعها لتعزيز قدراتها العسكرية التقليدية، في ظل عدم امتلاكها لسلاح نووي، وذلك بمضاعفة ميزانيتها الدفاعية من 50 مليار يورو في العام الماضي، إلى 100 مليار يورو في العام الجاري، لشراء أسلحة ومعدات عسكرية جديدة، وتطوير الصناعات الحربية الألمانية، وهو ما سيقلص من الإنفاق العام على شتى المجالات التنموية كالتعليم والصحة والبنية الأساسية، وغيره. كما خسر في تلك الحرب دول العالم الثالث، نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز، والارتفاع القياسي في أسعار الحبوب والغلال، كالقمح والذرة، وارتفاع أسعار زيت الطعام، بل واضطراب سلسلة الإمداد العالمي، ونقص إمدادات السلع الضرورية، مصحوبة بموجة عالمية من التضخم، وارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات البطالة، مع تقليص الإنفاق العام بكثير من الدول لصالح ميزانيات الدفاع لتوفير الأسلحة والمعدات، استعداداً لصد أي عدواني خارجي محتمل. كما ظهر ضعف منظمة الأمم المتحدة، في وقف الحرب، أو في تمديد العمل باتفاقية مرور الحبوب الأوكرانية عبر مضيق البسفور والدردنيل إلى باقي دول العالم. وأصبح العالم متعلقاً بأمل الوصول لما كان عليه قبل 24 فبراير 2022، عن طريق اتفاقية سلام، عاجلاً ليس آجلاً.