د/آمال بوحرب تونس يعتبر مفهوم اللاوعي من المفاهيم الرئيسية المعاصرة التي أنتجها حقل علم النفس التحليلـي في القرن العشرين مع مؤسّس هذه المدرسة الطبيب والمحلّل النفسي النمساوي سيڤموند فرويد وهو أيضا من المفاهيم النقدية الكبرى التي سعت إلى تجاوز التوجّهات العقلانية في الفلسفة مثل الديكارتية وكذلك التجديد في حقول علم النفس والعلوم الإنسانية لذلك يرى فرانسوا شاتلي أنّ اكتشاف قارّة اللاوعي وبلورة هذا المفهوم نهائيّا مع فرويد يُعدّ الحدث الرئيسي الذي ميّز عصرنا ( فراسوا شاتلي ـ مقال بعنوان: فلسفة الحداثة ـ مجلّة العرب و الفكر العالمي) و كاستتباع لهذا التعليق يمكن أن نصف سيڤموند فرويد بكريستوف كولومب علم النفس المعاصر نظرا لأنّه أزاح النقاب على الجانب الخفي الكامن وراء تفكير الإنسان و سلوكاته التي كنّا نعتقد فيما مضى أنّها نابعة عن إرادة حرّة و إنيّة واعية ذات عقل محقّق لسيادة ”الأنا“ ليكتشف أنّ هذا العقل المزعوم ليس سيّدا حتّى في بيته بل هو مجرّد خادم مطيع لسيّدين اثنين هما ”الهو“ و ”الأنا الأعلى“ حيث أصبح مفهوم النفس الكلاسيكي منقسما إلى ثلاثة عناصر يُسمّيها فرويد ببنية اللاشعور أو الجهاز النفسي التي يمكن أن نفهمها أكثر بالنظر إلى هذا التحديد: الهــــو: ـ جانب خاضع لمبدأ اللذّة. ـ الجانب الخفيّ في الشخصيّة. ـ الجزء المرتبط بما هو بيولوجي و غريزي. ـ خزّان للطاقة الليبيدية أي الطاقة الجنسية التي توّلد الرغبة في إشباع الحاجة الجنسية. ـ المبدأ الموّلد لنزوتي الحياة والموت لأنّه محكوم بالنزعة الإيروسية ( نسبة إلى إيروس اله الحب في الميثولوجيا الإغريقية) والنزعة التاناتوسية ( نسبة إلى تانتوس إله الموت عند الإغريق) ـ ترمي نزعة الحياة إلي إشباع الرغبة الجنسية و ترمي نزعة الموت إلى العدوان تجاه الغير فنتحدّث عن ما يُسمّيه فرويد بالصادية أو إلى الرغبة التدميرية للذات فنتحدّث عن المازوشـية. ـ لا يُعدّ ”الهو“ خزّانا للرغبة فقط بل هو أيضا رقعة امتصاص للعُقد النفسية التي تبدأ في التشكّل منذ الطفولة المبكّرة مثل عقدة أوديب التي تتشكّل لدى الطفل كنتيجة لتعلّقه الجنسي في المرحلة الفميّة بأمّه وغيرته الغريزية من الأب الذي يحتلّ مكانة المنافس في موضوع الرغبة العاطفية لدية و التي يقابلها لدى الإناث عقدة إيلكترا. الأنـــا: ـ جانب خاضع لمبدأ الواقع. ـ الوجه الظاهر للشخصيّة. ـ في حالة توتّر و قلق مستمرّين لأنّه بين مطرقة ”الهو“ و سندان ”الأنا الأعلى“ الشيء الذي يجعله خادما لسيّدين في الآن ذاته. ـ الأنا تدرك و تخاف و تدافع و تقاوم و تخضع. ـ يحدث أن يفشل ”الأنا الأعلى“ في كبت رغبـــات” الهو“. الأنا الأعلى: ـ جانب خاضع لمبدأ الواقع. ـ دوره مواجهة الرغبات ونزوات الحياة أو الموت ومنعها من التسلّل إلى سطح ”الأنا“ ـ يمارس وظائف الضبط و الحكم و الاتّهام و التجريم و الإشعار بالذنب و الخطأ و الخطيئة و بتعبير أدقّ هو عنصر يمارس الرقابة الذاتية على الأنا. ـ هو الجانب الثقافي و الاجتماعي و التربوي و الديني. ـ يرجّح فرويد في كتاب ” الطوطم و المحرّم” إنّه قد نتج بسبب الجريمة الأولى التي وقعت لدى القبائل الطوطمية وهي جريمة قتل الأب من طرف أبنائه الذين منعـهم الأب من ممارسة الجنس مـع جميع نساء القبيلة اللائــي انفــرد بهنّ لذاته ولكن بعد قــتل هذا الأب أحسّ الأبناء بالذنب فقامت العديد من الشّعائر التكفيريّة عن ذلك الذنب مثل ظاهرة الختان التي هي ممارسة رمزيّة تحمل طابعا جزائيا بالأساس. لقد أكّد فرويد من خلال نظرية اللاوعي أنّ الإنسان هو كائن غريزي بالأساس تحكمه عُقد الجنس و العدوان بطريقة لا واعية و لاعقلانية حتّى و إن تظاهر بالعفّة و الأخلاق و الاعتراف بالغير فإنّ ذلك لا يعدو أن يكون إلاّ حيلة من حيل الأنا الظاهرة التي يسعى الإنسان بها أن يُخفي ما يدور داخل لاوعيه العميق الذي يستمدّ جذوره من الصّدمات الطفولية التي تسعى دائما إلى اختزان التجربة الخصوصية للفرد و امتصاص تاريخه و زمنيته الملتصقة في حميميتها بحضور الغير داخل أفقها و تأثيره إيجابا أو سلبا في توازنه أو لا توازنه النفسي الذي قد يتحوّل إلى حالات مرضية متفاوتة التعقيد و من هذا المنطلق كيف يكون للبعد الكرونولوجي و التاريخي ضلعا واضح المعالم في مسألة الإنيّة و الغيرية في ظل العولمة والفلسفة المعاصرة .