الإستفادة من الباطل يقيد الفرد عن قول الحقيقة. من المعضلات النفسية الأليمة التي تؤثر مباشرة على مسار الأفراد والتي تتخبط فيها المجتمعات، نستشف مأساة بيع الأوهام من باب التضليل والمساومة بأساليب تمويهية واهية انطلاقا من نية مبيتة غايتها استهداف الجانب النفسي وضرب القدرة الفكرية للآخر. لكن سرعان ما يصطدم الفاعل بالمفعول به في آخر المطاف فيشعر الأول بعدم القدرة على الاستمرار في مؤامرته الدنيئة الخبيثة المغلفة بثوب المحبة والاخلاص والإنسانية من غرض المغالطة ،عكس الشخص المستهدف الذي يوقف النزيف بعد شعوره بخطر المؤامرة، هذا إن كانت تتوفر فيه شروط المثقف الواعي المتمكن من آليات المنطق القوية في رصد جميع الهفوات بدقة متناهية تحت ديمومة المراقبة والمتابعة والتدقيق في أبسط الحيتيات منذ بداية المشوار. فالإنسان العادي يمكنه ارتكاب الأخطاء لكن بعد تأنيب الضمير يشعر بالندم لما اقترفه مستديرا إلى مساره الصحيح. لكن السيكوباتي شخصية إجرامية بامتياز، يهرب من المسؤولية بذكاء، يعاني من الأنانية، لا يشعر بالندم عن أعماله الوحشية أكثر مما يتلذذ أثناء تعذيب الآخر ، إذ يستمتع بنشوة بطشه وفضاعة تصرفاته، لأنه عاش الحرمان في طفولته، فتمسكه بحاجته يجعل منه الجلاد الذي لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية، وذلك باستخدام جميع آليات التأثير على الشخصية المستهدفة وغالباً ما تستمر المعاناة سنوات وذلك حسب الثقة المتبادلة واستدراج الضحية. فالعقل الفقير المنبثق من العدم لا ينسجم إلا مع منعدم الضمير ممن لا يحمل مرجعية أخلاقية نبيلة تقيم مسيرته وتقيه شر التقلبات المزاجية التي تحول بينه وبين الواقع كبداية ونهاية في مسار حياته.إذ يفضل التملص من مسؤولية الإنجازات الإيجابية التي تكون بمثابة قدوة للخلف وتدفع بتطور الأمة إلى الأمام، و يتمسك بخيانة الأمانة والإصرار على المكر والدغينة، ما يؤكد خطورة جنحه و تصرفاته المسيئة كناشط في عالم تمحص فيه كل صغيرة وكبيرة من الإفتراءات القذرة ، هكذا يتوارى أغلبهم وراء شخصيات افتراضية متنوعة الأهداف في مجال الخداع، مبهمة المعطيات في التواصل، متقلبة الأدوار في العطاء، تبحث عن المحظور باختلاف ألوانه وطرقه الملتوية التي تعصف بالوعي الفردي والجماعي في ظلمات يصعب ترقب ما يدور حولها من مجريات مشلولة الرؤية. لذا يجب الاحتياط،الحذر واليقضة من هؤلاء، لأن عددهم يتوالد بسرعة كبيرة نتيجة مجموعة من العوامل الإجتماعية، كالفاقة والحرمان و المؤثرات النفسية المتراكمة منذ الطفولة، ما يتسبب عنه الخروج الواضح عن المألوف للخطاب السليم الشافي المبني على القيم من سياقه الأنجع ،لأن هاته العلاقات الوهمية والمستفزة لشعور الآخرين تزيد من تفاقم آلامهم فتتحول إلى صراع (نفسي، جسدي، لفظي) مع الضحايا المغرر بهم. إذ تظل المحبة مضغة من الإحساس والشعور الإنساني منبعها الفؤاد باعتباره المركز الرئيس الدقيق الذي يرسل الاشعارات مباشرة إلى القلب والدماغ عكس القلب كما يعتقد البعض، لأن هذا الأخير يتقلب بسرعة البرق حسب تقلب الأحداث والظروف . من هذا المنطلق يمكن تصنيف المحبة من بين أسمى المصطلحات التي يستحال انتسابها لأي كان، لما تتميز به من ثقل جوهري من حيث البنية اللغوية والمعنى المقدس لمفهوم الكلمة التي ليست باستعارة بلاغية، لأنها تمزج بين الإيمان العفوي الصادق بنبل الأخلاق و التمسك بالقيم السمحة كفكر سليم ملم بالموعظة الحسنة و محبة الآخرين دون مقابل. فالمحبة لها ضوابط وقناعات و أولويات و درجات محسومة كلا حسب منطق معطياته الايديولوجية والمذهبية والعقائدية. لتبقى المحبة جزء من تصرفات الانسان وممارساته اليومية في علاقته مع الآخرين حسب المؤشرات والميزة التي يمكن أن يقيس بها حقيقة معاملاته التي تجسد مستوى محبته وصدقها.