اختلفت آراء الدارسين حول نشأة الرواية العربية فمنهم من يجعلها امتدادًا لجذور أدبية عربية خالصة ويربطها بالمقامة والحكايات الشعبية فضلًا عن ترجمة الأدب العربي القديم قصصا هندية وأخرى فارسية كما فعل ابن المقفع في “كليلة ودمنة”وتلك الملاحم الشعبية من أمثال “أبو زيد الهلالي “و”عنترة”وغيرهما شأنهما في ذلك شأن الرواية الفرنسية الغربية التي تأثرت بالأدب اليوناني والإغريقي ولكن هناك من يذهب إلى أنها وليدة الأدب الغربي جاءت بشكل جديد ليتفق وروح العصر الحديث ويشبع احتياجات حديثة وقد دخلت الرواية إلى أدبنا العربي عبر الترجمة كما أسهمت الصحافة في نقل العديد من الروايات الغربية إلى القارئ العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فراح اللبنانيون يتحررون من المقامات ليضعوا أسس القصة في أدبنا العربي بتطلعهم إلى نتاج الأدب الغربي. وما يؤكد دور الصحافة والترجمة في نشأة القصة والرواية العربية أن معظم كتابهاكانت تربطهم وشائج قوية ويعتبر سليم بطرس البستاني واضع اللبنة الأولى في هيكل الرواية العربية فراح ينشر مؤلفاته القصصية في مجلة “الجنان “التي ترجع ملكيتها لأبيه “ويكفي أن جهود سليم البستاني في الفن القصصي الروائي قد غطت لسعتها على سواها. وجعل من عام 1870م معلما فارقا تبدأ منه مسيرة الجهود المتواصلة في نهر الفن الروائي القصصي”وكانت أولى محاولاته المنشورة في المجلة “الهيام في جنان الشام” عام 1870 وفي العام التالي نشر “زنوبيا ” ثم “بدور”وغيرها . كان لظهور العديد من المجلات التي عنيت بنشر الأعمال الروائية وترجمتها عن الآداب الغريبة مثل صحيفة “الأخبار”التي ترجمت القصص و “الاهرام و”حديقة الأدب”و اللافت للنظر حضور الأدب الشعبي في الرواية العربية الحديثة منذ ولادتها حيث البناء السردي في هذه المحاولات قائمٌ على الأفعال الخيالية والبطولية والمخاطرات العجيبة تغلفها الصدفة والقدرية بلا منطقية تربط أحداثها ومن هنا فإن الرواية الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر لم تبتعد عن الحكايات والخرافات ببنائها السردي كيف لا وأدبنا العربي يزخر بهذه الحكايات عبر زمن طويل. إن البناء السردي التقليدي ظل يرافق الرواية الحديثة حتى ظهرت رواية “زينب “لمحمد حسين هيكل التي رأى فيها الدارسون الرواية العربية الأولى لأنها تخلصت من البناء السردي التقليدي فكانت الشكل الجديد للرواية العربية الحديثة بما فيها من ملامح فنية ومن هنا نجد الرواية العربية الحديثة تتأرجح بين استلهام التراث ومحاكاة الغرب غير أننا نجدها متباينة في أهدافها لاختلاف كتابها وثقافاتهم وأهدافهم. تنوعت الروايات وظهرت الرواية الاجتماعية والتي تأثرت بالاتجاه المحافظ و استلهمت المقامات والحكايات الشعبية من مثل “ألف ليلة وليلة”وغيرها فجاءت خيالية المادة بأسلوب مقامي هدفها الأول والأسمى التسلية والترفيه ومن أهم الروايات الاجتماعية في تلك الفترة « ورقة الآس “لشوقى وليالي سطيح”لحافظ إبراهيم “وكانت هذه الروايات تهدف إلى تبصير المواطنين بطائفة من عيوبهم ثم برزت القصة التهذيبة البيانية ولقد اتجه مصطفى المنفلوطي اتجاها آخر غير الذي سبق في استلهام التراث فضلا عن عدم رضاه بمحاكاة الغرب إذ اتخذ طريقا تهذيبية ليعمق الإحساس بالشرف والوفاء والأخلاق الفاضلة بإسلوب بياني أخاذ قائم على تجويد التعبير وحسن الصور دون الإهتمام بالسجع و ماسواه من محسنات بديعة فهو يقدم القصة قريبة من المقالة أو الخطبة غير أن كثيرا من مصادر رواياته كانت الترجمة عن الأدب الغربي “كالفضيلة”أو “بول فرجيني ” و”مجدولين” اما الرواية التعليمية التاريخية فقد ظهرت عند جورجي زيدان وما ساعده على ذلك اشتغاله بالصحافة إلى جانب كتاباته في التاريخ العربي والحضارة الإسلامي ولقد سخر القصة في خدمة التاريخ إذ وجد جورجي زيدان بعض الكتاب الغربيين الذين كتبوا الرواية التاريخية مثل “إسكندر دوماس الأ ب “الذي كتب عن التاريخ الفرنسي ومثل “والترسكوت” الكاتب الإنجليزي الذي يعد من أبرز رواد هذا النوع من الروايات غير أن ثمة اختلافا بين زيدان والسابقين كما يرى عبد المحسن طه بدر في كتابه”تطور الرواية العربي “فيقول: “والفارق الأساسي بين جورجي زيدان وبين الكاتبين أن رواياتهما تاثرت تأثر ًا واضحا بالإحساس القومي الذي ساد الفترة الرومنتيكية في الأدب الغربي. ولما كان جورجي زيدان ينقصه هذا الإحساس القومي المتحمس فإنه لذلك اقتصر على أن يكون معلما للتاريخ وأن يهتم بالحقيقة التاريخية أولا ويجعل الإهتمام في العناصر الروائية في المرتبة الثانية “ومن أهم رواياته الاجتماعية ” المصرية”و “عذراء قريش”و “الحجاج ابن يوسف الثقفي “. وأخيرا الرواية الفنية وظهرت عندما وصلت الرواية العربية إلى نقطة اللاعودة في استلهام التراث والماضي وكانت التجربة الاولى رواية “زينب” للدكتور محمد حسين هيكل الذي بدأ كتابتها وهو في باريس سنة 1910م وأكملها سنة 1911م ونشرها سنة 1912م. وتعد “زينب “أول رواية فنية في تاريخ الأدب المصر ي الحديث”وبهذه المحاولة يعتبر هيكل رائد الرواية بمفهومها الفني في مصر لكنه خجل من وضع اسمه عليها حيث خاف على سمعته كمحام من أن يعاب عليه كتابة رواية في فترة لم ينظر إلى الروائيين بعين الاحترام فلم يجرؤ على تسميتها رواية فأطلق عليها مناظرة وأخلاق ريفية بقلم “فلاح مصري” وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات النقدية للعمل الروائي كانت نادرة وشحيحة منذ ولادتها ولعل السبب في ذلك أن الدارسين لها اعتبروها وليدا غير شرعي وهي فن لم ينضج بعد لاقتحام البوابة الأدبية العربية فضلا عن انصرافهم إلى الشعر وفنونه وفي ذلك قال عبد المحسن بدر: “إن النقاد والدارسين كانوا ينظرون إلى الرواية فنا لم ينضج بعد ولم يتبلور في أدبنا بحيث يبدو من الصعوبة بمكان درس الرواية وتطورها فضلا إلى انصراف أغلبهم إلى دراسة الشعر” وتجدر الإشارة كذلك إلى عدم وضوح معالم الفن الروائي وملامحه في تلك الفترة فمن الكتاب من انطلق متحررا من الفن المقامي والحكايات الشعبية إلى الرواية الفنيةلكن آخرين ظلوا متمسكين باستلهام التراث في أعمالهم.