هذه المرة من المرات القليلة التي “تتلعثم” فيها أصابعي على “الكيبورد” وأنا أهمّ بالكتابة عن إحدى الشخصيات التي عرفتها في حياتي! شخصية اليوم غير عادية مطلقاً، فقد استطاع صاحبها خلال عمره القصير نسبياً (43 عاماً) أن يستحوذ على محبة كل من عرفهم أو تعامل معهم. بابتسامة آسرة نابعة من القلب، كان يلقى كل الناس، وبوُدّ وأخلاق رفيعة وأدب جَمّ كان تعامله مع الجميع، بلا استثناء. كان مثالاً نادراً للغاية في الوفاء والعطاء والبشاشة ولين الجانب وحبّ الناس وحب الخير لهم، كأنه كان “ملاكاً” يعيش بيننا…! *** وُلد محمد حسن إسماعيل مرسي (وشهرته حمادة مرسي) بناحية السنابسة مركز الوقف في يناير 1980، لأحد البيوتات الطيبة، وكان الابن الذّكَر الوحيد على 4 أخوات. عقب حصوله على الثانوية العامة التحق بكلية التجارة بجامعة سوهاج، وحصل منها على البكالوريوس عام 2000. نشأ الشاب الكريم الأصل، عصامياً، يحب الاعتماد على النفس، متأثراً بشكل واضح بشخصية خاله، الصديق المحترم د. رمضان سيد مرسي، وبدأ يشقّ طريقه في الحياة، فعمل في محل للموبايلات بالقاهرة لفترة، عاد بعدها إلى قريته ليفتتح بها محلاً استطاع من خلاله أن يعمّق محبة الناس واحترامهم له ببشاشته ولين تعامله وذكائه الاجتماعي اللافت. كان “أبوحسن” حسَنَ العِشْرة، ولا يذكر أحداً بسوء، وكان دوداً بشكل مدهش، وأراد أن يكمل نصف دينه، غير أنه اكتشف أن عمله في محل الهواتف لن يفتح له بيتاً، ففكر أن يطرقَ باب السفر للخارج. بدأ رحلة حمادة مرسي مع الغربة في السعودية، عام 2011، أي قبل نحو 12 عاماً، وفي منتصف هذه المدة تقريباً، استطاع أن “يكوّن نفسه” وتزوج من طبيبة قريبته، وأكرمه الله منها بثلاث وردات؛ حسن (5 سنوات)، وصلاح (4 سنوات) وفاطمة (3 سنوات). *** خلال فترة وجوده بالرياض وجدة السعوديتين، كان مثالاً نادراً في العطاء والكرم مع كل مَن عرَف، فما إن يعرف بقدوم أحد من الأهل أو المعارف من الوقف أو السنابسة أو القلمينا، إلى مكة للعمرة أو الحج، حتى يسارع – بحميمية ولطف شديدين – إلى لقائه، و”يعمل الواجب”، وقبل سنوات فعل ذلك معي فور علمه بأني ذاهب للعمرة، مع أنّني لم أكن قد التقيته من قبل، وكانت كل معرفتنا من خلال الفيسبوك، وأنني صديق لخاله د. رمضان! لكنني أُشهد الله أنه جعلني أحسّ كأننا أصدقاء من زمن بعيد!! *** قبل إجازته الأخيرة بنحو أسبوعين، عرف أن أرملة أستاذه الراحل كمال عزّام، تؤدي العمرة، فذهب إليها من الرياض إلى مكة – رغم مشقة المسافة وضغوط العمل – وصنع معها ما يصنع الكرامُ أولاد الأصول، وقال لها “دا واجب عليّ وفاءً لأستاذي الراحل، يرحمه الله”! خلال إجازاته من “الغربة”، كان يقضي جُلّ وقته طوّافاً على الأهل والأحباب والأصدقاء، حريصاً على أداء الواجبات الاجتماعية، خصوصاً المناسبات التي حدثت خلال غيابه، وبالتالي لم يكن لديه وقت للجلوس على المقاهي أو الثرثرة، بل يصل الرَّحِم، ويلتقي ببشاشته المعهودة كل الأحبة هنا وهناك. *** كان عاشقاً للماضي والذكريات، وفي المقابل لم يكن من هواة التخطيط للمستقبل، وعندما يسأله أحد محبيه عمّا يخطط له في قادم الأيام، يضحك قائلاً “يا عم خليها على الله”! *** في الثلث الأخير من فبراير الماضي، عاد الشاب الودود من السعودية عبْر مطار سوهاج، ليقضي إجازته السّنوية بين أهله وأحبته، وأثناء تسلّمه حقائبه، تخلّفت إحداها، وقيل له “سنتصل بك فور العثور عليها”… اعتاد صديقي “أبو حسن”، خلال إجازاته، أن يستعير سيارة ابن خالته، ليقضي بها مصالحه ومشاويره، ويوم 25 فبراير، جاءه اتصال من المطار بأنه تمّ العثور على الحقيبة المفقودة، فقرّر أن يذهب بسيارة ابن خالته، “على أساس أن المشوار مش بعيد، وسوف يقود السيارة على مهله”! في هذه الأثناء، كان للقدر ترتيبٌ آخر، وشاءت إرادة الله أن يتعرّض لحادث سيارة قبيل الوصول إلى المطار، فتمّ نقله بشكل عاجل إلى “العناية المركزة” بمستشفى جامعة سوهاج، وتقاطرَ الناس من الأهل والأحباب والأصدقاء على المستشفى، بين البكاء والدّعاء والرجاء والتضرّع إلى الله بأن ينجّيه ويكتب له السلامة. * طوال 23 يوماً قضاها بـ “العناية”، كان هناك بصيصُ أمل أن تتداركه “عناية الله”، ويكتب له المولى عُمراً جديداً، وخاصة أن الأطباء فعلوا ما بوسعهم، ولم يبقَ سوى الأمل! لكن… ومع صبيحة يوم 20 /3/ 2023، كان الخبرُ/الفاجعة،….. مات حمادة مرسي! يا الله…..!!! انهمرت الدموع كالشلالات من المآقي؛ بل ومن القلوب… فقد رحل الإنسان الطيّب البشوش، صاحب الابتسامة الآسرة، والأخلاق النادرة، الذي لم تكن له عداوة مع أحد طوال حياته التي كانت بالحبّ والخير دوماً عامرة. ومن اللافت أن وفاته – يرحمه الله – كانت في “تاريخ مميّز”، فقد كان حريصاً دوماً على بثّ تغريداته ورؤيته في “بوستات” قصيرة على الفيس، في تواريخ تشبه هذا التاريخ؛ مثلاً 22/ 2/ 2022، أو 4/ 4/ 1444، أو 16/ 6/ 2016، وهكذا… *** كان موكب جنازته مهيباً، حيث شارك فيه المئات من أهله ومحبيه وأصدقائه على مستوى مركز الوقف كله، لا ناحية السنابسة وحدها. مات حمادة مرسي… لكنّ ابتسامته وبشاشته لم تمُتْ، ولن تموت، فإن كان الجسد قد رحل، فإنّ “الرسالةَ”، أبداً، لا تموت. رحل “زَينُ الشباب” بجسده، لكنّه باقٍ بيننا بابتسامته وذكراه الطيبة، وبكل سلوك إنساني فعله طوال حياته… باقٍ بـ “حَسَن، وفاطمة، وصلاح”، بارك الله فيهم، وجعلهم كما كان يتمنّى لهم، ذريةَ خَيرٍ وبِرّ وتقوى وفلاح.