قد يبدو الأمر ما بين المتابعين للشأن السودانى ومحللى الأحداث السياسية أنه أمر أعتيادى ؛ كثيرا ما مر بدولة السودان منذ استقلالها وليس بالأمر العارض . وأنه لا يعدو مجرد أنقلاب على السلطة الحاكمة يأتى بأحدى چنرالات المؤسسة العسكرية ويطيح بالآخر ؛ نظام يعتقل برجاله ليأتى على سدة الحكم رجال أخرون ويتسيد نظام جديد .
لكن الأمر هنا فيه أختلاف وتفرد أنه انقلاب من نوع أخر ؛ حتى توقيت حدوثه كان أشبه بالمفاجئة حتى على الذين أعلنوا التمرد وبدأوا بالحرب وهم قوات ” التمرد السريع ” بقيادة ” حميدتى ” كأن الحرب لها غرفة عمليات خارج السودان ؛ هى من تصدر الأوامر وتحدد ساعة الصفر ؛ وإلا لما أخذت الحرب هذا المنحنى ؛ فحتى الآن لم تحسم أى الجهتين الحرب لصالحها ؛ بل ربما يفشل هذا التمرد ويتم سحقه .
أنها القوى العالمية المتصارعة حاليا ؛ والتى تتلاعب بالدول والشعوب كقطع الشطرنج من أجل تسيد النفوذ العالمى والمصالح الأقتصادية ؛ والتى تريد تشتيت الأنتباه العالمى عن الحرب الدائرة في أوكرانيا ؛ بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الغربى لأسقاط الروس وأضعافهم وكان القربان هو الشعب الأوكراني وأرضه ؛ ولكن القيادة الروسية كانت عصية صلبة وتلاعبت بهم ؛ فلم تؤثر فيهم العقوبات الأقتصادية ولا الحظر على صادرات النفط ولا تجميد الأرصدة ؛ وقامت بأستنزافهم فى تلك الحرب ؛ وقامت بالرد على رقعة الشطرنج العالمى بتحالف وتقارب بينها وبين الصين من ناحية ؛ وبينها وبين الدول العربية والخليج على وجه الخصوص بقيادة المملكة السعودية من ناحية أخرى ؛ ثم أرادت أن تقطع الطريق على الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر بأتخاذ قواعد لها هناك ؛ وهذا ما ترفضه مصر على أستحياء ؛ كما رفضت القيادة السودانية ذلك حرصا على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ومصر ؛ فأراد الروس فرض سياسة الأمر الواقع وتشتيت الأنتباه العالمى والتحالف الأنجلوأمريكى الغربى بالتحديد في عدة ساحات معارك ؛ ومن هنا صدرت الأوامر لقائد مرتزقة الدعم السريع ” حميدتى ” بالبدء في تنفيذ انقلاب خاطف على السلطة والمؤسسة العسكرية السودانية وقد كان . ومن المعروف أن ” حميدتى ” هو رجل روسيا فى المنطقة وله تعاون وثيق مع قوات ” فاغنر ” الروسية العاملة في أفريقيا ؛ وهو المتحكم في مناجم الذهب في السودان حيث تقوم الميليشيات بالتعاون مع الروس في استخراج الذهب وتصديره إلى ميناء ” اللاذقية ” السورى ثم يعاد تصديره إلى روسيا . وقد يستنكر البعض تحليلى على هذا النحو ؛ وقد يستشهد بمغازلة مستشار ” حميدتى ” للإسرائيليين ؛ وعرض إسرائيل استضافة مباحثات سلام بين الطرفين ؛ ولكن هذه المغازلة لا تعدو أكثر من طمأنة للمعسكر الغربي حتى لا تنحاز للبرهان وتقوم بأجهاض الأنقلاب ليس إلا . ولكن ما يجب أن يكون شغلنا الشاغل حاليا هو المصالح المصرية فالسودان هى العمق الأمنى للدولة المصرية ؛ وبوابة العبور لتدمير سد النهضة الحبشى ؛ والشعب السوداني اقرب الشعوب العربية إلى الشعب المصري . نثق في القيادة المصرية التى اعلم جيدا أنها تتواجد على أرض الواقع ترصد وتتوقع وتتعقب أطماع الطامعين وتقف بالمرصاد لكل من يحاول الأقتراب من أمننا القومى . وأخيرا أسئل الله العلى القدير أن يحفظ مصر وشعبها وينعم بالأستقرار على السودان ويقى شعبه شر الفتن .