اللواء رضا يعقوب خلال إطلاعه فى آثار اللغة العربية التى تزدهر بالألفاظ والرجال العباقرة فإنه نهل منها الشاعر على بن الجهم ورصد: على بن الجهم القرشى (188 هـ – 249 هـ / 803 – 863م) هو على بن الجهم بن بدر بن مسعود بن أسيد بن أذينة بن كرار بن كعب بن مالك بن عتبة بن جابر بن الحارث بن عبد البيت بن الحارث بن سامة بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكنيته أبو الحسن وأصله من خراسان، المولود فى 188 للهجرة فى بغداد سليلاً لأسرة عربية متحدرة من قريش أكسبته فصاحة لسان وأحاطت موهبته الشعرية بالرزانة والقوة وحمتها من تأثير مدينة بغداد التى كانت تعج بالوافدين من أعاجم البلاد المحيطة بها. نشأ على بن الجهم فى أسرة جمعت بين العلم والأدب والوجاهة والثراء فقد كان أخوة الأكبر محمد بن الجهم مولعاً بالكتب وقراءتها يروى عنه الجاحظ أنه كان معدوداً من كبار المتكلمين جمع بين ثقافتى العرب واليونان وكان يجادل الزنادقة فى مجالس المأمون، فى هذه البيئة نشأ على، ولكنه إهتم بالثقافة العربية دون اليونانية ووهب نفسه للشعر وأعرض عن مذهب المعتزلة ومال ىلى مذهب أهل الحديث وفى ظل الدولة العباسية فى فترة كانت مليئة بالإختلافات المذهبية والسياسية تحت شعار الإسلام. وقد عاصر ثلاثة خلفاء عباسيين هم المأمون والمعتصم والواثق. لم يقرب من أى خليفة عباسى ولكن كان يوثق علاقاته الفكرية والشعرية مع رموز ذلك العصر ممن يتفقون معه فى أفكاره، فربطته علاقة فكرية جميلة مع الإمام أحمد بن حنبل وعلاقة شعرية أجمل مع الشاعر أبو تمام. ولم يقبل على باب الحكم إلا عندما تولى الحكم الخليفة المتوكل على الله الذى إشتهر بإنتصاره لمذهب أهل الحديث الذى آمن به إبن الجهم. وكان الخلفاء الثلاثة السابق ذكرهم كان يتبعون فكر المعتزلة. كان على حسن الوجه ذكئ الفؤاد كثير النشاط ظهرت عليه النجابة منذ طفولته فكان يملئ البيت وثباً ولعباً وجلبة حتى أقلق والده بضوضائه، فطلب والده من معلمه فى الكُتَّاب بأن يحبسه فى الكتاب، فحينما رأى على أصحابه ينصرفون الى بيوتهم وهو محبوس ضاق صدره وأخذ لوحه وكتب عليها لأمه: يا أمتا أفديك من أم أشكو إليك فظاظة الجهم قد سرح الصبيان كلهم وبقيت محسوراً بلا جرم وأرسلها مع صديق له الى أمه قال على وهو أول شعر قولته. ومن طرائفه فى الكتاب كتب على لوح الى بنت صغيرة: ماذا تقولين فيمن شفة سهر من جهد حبك حتى سار حيرانا فى خلافة المأمون (198- 218 هـ). أخد إسم على بن الجهم يشتهر بالشعر وروى الناس شعره حتى وصل الى المأمون وروى أخاه محمد بن الجهم أن المأمون دعاه فقال له «لقد نبغ لك أخ يقول الشعر فأنشدني له» فقال محمد تلك الأبيات التي قالها فى الكلب: أوصيك خيراً به فإن له سجيه لا أزال أحمدها يدل ضيفى على فى غسف الليل إذا النار نام موقدها إستحسن المأمون أيضاً أبيات الشعر التى قالها فى الشطرنج: أرض مربعة حمراء من أدم ما بين الفين معرفين بالكرم
فى خلافة المعتصم بالله (218 – 227 هـ). تولى على ديوان مظالم حلوان (مدينة فى العراق) ولعلى قصيدة يهنئ فيها المعتصم بفتح عموريه. فى خلافة الواثق بالله (227 – 232 هـ). نسمع لعلى القليل من الشعر أشبه بالأناشيد بعدد أبيات قليلة قصيرة الأوزان تدل على عدم إرتياح نفسى من على بن الجهم فقد كان الواثق يعامل أهل الحديث بشدة. وفى هذه المدة قد أعلن على بن الجهم كرهه لوزير الواثق محمد بن عبد الملك الزيات، فهجاه أقبح هجاء ولم يخف من جبروته. فى خلافة المتوكل على الله (232 – 247 هـ). بعد أن تمت مبايعة المتوكل على الله للخلافة أنشده على بن الجهم بقصيدة أشبه ما يكون بخطاب العرش الآن أولها: وقائل أيهما أنور الشمس أم سيدنا جعفر وقد إتخذه المتوكل على الله خليل ونديم وكان يفيض له بأسراره ويأنس بمجالسته منفرداً. ولكن ندماء المتوكل الآخرين وكان منهم البحترى ومروان بن أبى الجنوب كادوا له لدى المتوكل، وزعموا أنه ينظر الى نساء القصر. فغضب عليه قلب المتوكل وألزمه بأن لا يترك بيته فإنقطع عن القصر. ولم يتوقف الندماء عند هذا الحد. ولكن أخبروا المتوكل على الله بأنه شديد الطعن له ويعيب بأخلاقه فأمر المتوكل على الله بحبسه، وكان أول ما قاله فى السجن قصيدة بعث بها مع أخيه الى المتوكل على الله: توكلنا على رب السماء وسلمنا لأسباب القضاء أنا المتوكلى هوى ورأيا وما بالوثيقة من خفاء وما حبس الخليفة لى بغار وليس بمؤيسى منة التنائى فكاد المتوكل على الله أن يطلق صراحه ولكن ندمائه أبلغوا المتوكل على الله بأنه هجاه فأمر بنفيه الى خرسان وأمر المتوكل على الله طاهر بن عبد الله أمير خرسان بأن يجلده نهاراً ويحبسه ليلاً وقال على بن الجهم فى ذلك: لم ينصبوا بالشاذياخ صبيحة الأ ثنين مغموراً ولا مجهولا فيما بعد أمر المتوكل الأمير طاهر بأن يطلق سراحه ومن أقواله حينئذ: يشتاق كل غريب عند غربته ويذكر الأهل والجيران والوطنا مقتله قصته مع المتوكل هى تلك القصة التى تروى إن الشاعر كان بدوياً صحراوياً، وعندما قدم الى بغداد لأول مرة آثر أن يبدأ عهده بمدح خليفتها المتوكل على عادة الشعراء فأنشده قصيدة منها: أَنتَ كَالكَلبِ فى حِفاظِكَ لِلوُدْ وَكَالتَيسِ فى قِراعِ الخُطوبِ أَنتَ كَالدَلوِ لا عَدِمناكَ دَلواً مِن كِبارِ الِلا كَثيرَ الذَنوبِ الذنوب: معناها كثير السيلان بسبب إمتلائه فعرف المتوكل كما تقول القصة حرفياً، حسن مقصده وخشونة لفظه، وأنه ما رأى سوى ما شبهه به، لعدم المخالطة وملازمة البادية، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن، والجسر قريب منه وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به فكان – أى بن الجهم – يرى حركة الناس ولطافة الحضر، فأقام ستة أشهر على ذلك، والأدباء يتعاهدون مجالسته، ثم إستدعاه الخليفة بعد مدة لينشده، فحضر وأنشد: عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدرى وَلا أَدرى أَعَدنَ لِىَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما تُضئُ لِمَن يَسرى بِلَيلٍ وَلا تَقرى فَلا بَذلَ إالّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ وَلا وَصلَ إالّا بِالخَيالِ الَّذى يَسرى فقال له المتوكل فيها (لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة). كان على بن الجهم يستعد للجهاد فى سبيل الله ودين الإسلام أمام جحافل الروم التى كانت تهدد الدولة الإسلامية. فإنتقل الى حلب ثم خرج منها بجماعة للجهاد، فإعترضه جمع من أعدائه من الأعراب الكلبيين، وأعداء أفكاره الدينية، فقاتلهم حتى مات بين أيديهم عام 249 للهجرة. وقد قال عندما كان يفارق الحياة: أزيد فى الليل ليل أم سال بالصبح سيل يا إخوتا بدجيل وأين منى دجيل وفى رواية ذكرت أهل دجيل وأين منى دجيل ووجدت معه رقعة بعد موته مكتوب عليها: وارحمتا على الغريبة فى البلد النازح ماذا بنفسه صانعا فارق أحبابه فما إنتفعوا بالعيش من بعده ولا إنتفعا كان ينتمى الى أهل الحديث الذين يقفون عند ظاهر الكتاب والسنة، متدين فخور بتدينه ويمدح به قال: أَهلاً وَسَهلاً بِكَ مِن رَسولِ جِئتَ بِما يَشفى مِنَ الغَليل بِجُملَةٍ تُغنى عَن التَفصيلِ بِرَأسِ إِسحقَ بنِ إِسمعيلِ قَهراً بِلا خَتلٍ وَلا تَطويلِ جاوَزَ نَهرَ الكُرِّ بِالخُيولِ تَردي بِفِتيانٍ كَأُسدِ الغيلِ مُعَوَّداتٍ طَلَبَ الذُحولِ خُزرِ العُيونِ طَيِّبى النُصولِ شُعثٌ عَلى شُعثٍ مِن الفُحولِ جَيشٌ يَلُفُّ الحَزنَ بِالسُهولِ كَأَنَّهُ مُعتَلِجُ السُيولِ يَسوسُهُ كَهلٌ مِن الكُهولِ لا يَنثَنى لِلصَعبِ وَالذَلولِ شعره أَبلِغ أَخانا تَوَلّى اللَهُ صُحبَتَهُ إنّى وَإِن كُنتُ لا أَلقاهُ أَلقاهُ وَأَنَّ طَرفِىَ مَوصولٌ بِرُؤيَتِهِ وَإِن تَباعَدَ عَن مَثواىَ مَثواهُ اللَهُ يَعلَمُ أَنّى لَستُ أَذكُرُهُ وَكَيفَ أَذكُرُهُ إِذ لَستُ أَنساهُ