..أشاد الناقد الفنى د. الأمير عبد الله برواية الكاتبة د. شيرين هلال ”بالختم الكينى”.. الصادر عن هيئة الكتاب كما كشف اسرار أن رواية بالختم الكينى الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كانت من بين الكتب الأكثر مبيعا فى معرض القاهرة الدولي للكتاب الذى اختتم أعماله هذا الشهر وكتب الناقد الفنى د.الأمير عبد الله تعليقا مفصلا عن الرواية جاء فيه : سر الخلطة الإبداعية في الكتابة بالعامية طاف بذهنى و أنا أتصفح رواية “بالختم الكينى” للكاتبة “شيرين هلال” صوت عميد الأدب العربي طه حسين و هو يقول بصوته الوقور: ”لغتنا العربية يُسر لا عُسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه في العصر الحديث” توقفت فجأة عن قراءة الرواية لأبحر فى تلك العبارة التى تفوه بها طه حسين.. إنه قانون سرمدى للغة العربية..شرط أن تضيف إليها (ما نحتاج إليه في العصر الحديث ) ياترى ماهو المقصد من قوله “ما نحتاج إليه ؟” و كأننى أرى مثالاً حياً لتطبيق هذا القول فى رواية” بالختم الكينى” فالرواية مكتوبة بالعامية و ببساطة دون تكلف ، دون تعقيدات قد تقف كعقبة أمام البعض ، يملك الجميع فهمها دون أن تُهان اللغة فى شئ، و لعلنى أحيى شجاعة الكاتبة شرين هلال فى اعتمادها الكتابة بالعامية كصورة مغايرة للصورة النمطية السائدة فى الكتابة القصصية ،و التى قد تكون هى الغالبة ، و للخروج عن المألوف كان لابد من كسر حاجز الخوف الفاصل بين أساليب الكتابة اللغوية المعتادة – و من بينها العامية – و التى كانت بمثابة تحرر من الصياغة المقولبة و المعتادة للقصة العربية، و لعل نفر يقول أن العامية هى كُفر بيٌن باللغة و خروج صريح عن مِلة البيان و عجز عن فهم الصورة الصحيحة لقوة الكتابة بالفصحى.. و لكن فات على هؤلاء هذا التطور المتسارع فى العجلة الزمنية و التى وضعت أطر جديدة لمتوالية الكاتب و القارئ و اللغة، و لأنى أؤمن أن الثقافة للجميع و بالجميع فيحق للقارئ – أى قارئ- أن يقرأ ما فى يده دون أن يقع فريسة لتعقيدات شكلية فى اللغة أو جمل قد يصعب فهمها أو معان قد تكون خارج الحيازة الفكرية ، فلما تستكثرون أن تخرج نبتة معمرة وسط زهوركم الكثيفة ؟ لما تشتكون من سياق يملك أدواته التعبيرية و يصل لنفس النتيجة التي تسعون إليها بنفس منطقكم؟ إن “سيبويه” لو كان قد عاش بيننا تلك الأيام لرأى أن الكتابة بالعامية أشبه بمن يسلك أحد الطرق التي حتماً ستؤدي إلى “كينيا” و ليس إلى روما هذه المرة.. و لكن البعض لا ير طريقاً آخر سوى طريقه المُعبًد.. اختارت “شيرين هلال ” أن تسلك طريقاً مغايراً و تضع خطواتها كدليل لمن سيقرر الذهاب إلى” روما ” فوضعت روايتها باللهجة المصرية العامية كاسرة لحاجز هو الأجدر بعبوره ، فالضفة الأخرى من نهر اللغة بحاجة لمن يقتحمه و يرفع علم إنتصاره و يثبت أقدامه بتوثيق بّين و ليس هيًن و أن الكتابة بهذا الأسلوب ليس إلا إضافة شامخة لوجه دارج لفنون الكتابة بلغة الضاد، و التى من مرونتها الشديدة نملك فهم عمقها حتى دون تنقيط للحروف. و لو أردنا أن نعى ما هو معنى السفر عبر الأحجية فلنا فى تلك الرواية ارهاصة واضحة المعالم لفكرة الانتقال إلى ما هو أبعد من الزمن و المسافة.. ”كينيا” ليست فقط هى المكان..بل الرمز كذلك”ليلى” بطلة القصة ليست إلا رمزاً لنساء الأرض.. بين الرمز و الحقيقة نشأت الحبكة و انتقلت من فكرة المجتمع الضيق إلى العالم الواسع و استكملت حلقات الوصل لتربط فى روايتها بين قهر المرأة و تسلط البعض من الرجال و لعلها قد نجحت في إبراز صور درامية متعددة الوظائف و المشاعر لمجتمع يئن تحت وطأة ظروف قاسية و تغيرات جذرية في طبيعة الحياة السياسية و الاقتصادية و المجتمعية، لم تستغرقنا الرواية فى سردية الأحداث مثلما فعلت في سردية الأشخاص، فكلا له دوره كقطع شطرنج منمقة و مرسومة بيد فنان يملك بديهيات القراءة النوعية لشخصيات ليست بنمطية ، و ظنى أن تفاصيل السرد الروائي جعلت الأحداث و النسق العام للقصة يتمزق بين فكرتى الإنسانية المعاصرة بدوافعها المبهمة و الستار المُغلف لطبيعة الشخصيات التي حاولت الاحتماء خلف أوراق التوت الجافه ..و لكنها لم تنجح في ذلك و لأن الرواية إنسانية الطابع و الحالة فكانت تبحث عن الحلول الوضعية لأزماتها الساكنة و المتحركة و لأن الحلول التى اعتمدتها الكاتبة كانت في سياق اجتماعى غالب الطابع فأتت الحلول أيضا من نفس النهج و هنا يأتى دور إشكالية العلاقة بين السرد الروائي و الطابع الاجتماعى فى فرضية الحلول و الذى يحمل بشكل واضح الطابع الشخصي للكاتب فى وضعه لكيفية التعامل مع معضلات الحياة فى مجتمع ينوء بالمتغيرات المتلاحقة و التى تفرض نوعا من السياق الفكرى فى معالجة الطرح و الفكرة ، و لعلنى اجزم أن تلك الحلول الوضعية كانت هى جل اهتمام الكاتبة شرين هلال فى جوهر روايتها و التى حاولت فيها ابتعاث فكر متجدد يطير بنا مع فن الأحجية العامية إلى ما بعد الحدود الزمانية و المكانية دون تقيد بحدود اللهجة و نقل منطقة الصراع الفكرى إلى مكان ما في افريقيا و لأن طلاءً فكرياً قد صاحب التنوع في المغزى و الهدف من الرواية فصنع مزيجاً من الفهم و الحبكة و أضاف سموا للقصة فى جانبها الإنسانى و كأن الكاتبة قد ملكت ” سر الخلطة الإبداعية في الكتابة بالعامية فاعتمدت فى إضافة المزيد من المشاعر بعيدة المدى لقصتها و ارتكنت فى أسس كتابتها على وضعية المزيج الإنسانى المغلف بالواقع المرير، دون إقصاء لتبعات المشهد السياسي المعاصر بل وصل الأمر لربطه بما يحدث. و قد لا يكون قلمى قاسياً إن رأيت أن بعض مواضع الاستغراق فى الرواية قد أدت إلى اسهاب لا طائل من وراءه و حدت بالرواية إلى منعطفات اخرجتها عن الطريق الذى ولجت منه، فأضعف القصة فى بعضا منها و أدى لتشتيت أبعد القارئ عن الفكرة الأساسية ، و فى مواضع أخرى حدث العكس حيث افتقرت الرواية لتوضيح الفكرة بنوع من التفصيل و احجمت الكاتبة عن تمرير الموضوع بانسيابية كما اعتادت فى باقي فصول روايتها و لم تمنحنا فرصة الحكم على إشكالات التنوع الدرامي لشخصيات قصتها فجاء البعض منها غير واضح المعالم و غير مكتمل الفكرة. هذا لا يقلل من الطرح العام لفكرة الرواية المكتوبة باللهجة العامية و التى كانت خروج صريح عن المعهود فى فن الكتابة القصصية ، و الملفت للنظر أن تتبنى ‘” الهيئة المصرية العامة للكتاب” نشر تلك الرواية و بقلب جسور فى خطوة شجاعة و بناءة لاعتماد فكرة النشر باللهجة العامية كطريق مفتوح أمام الكُتًاب و الأدباء ليصنعوا مجدا جديداً لفن الرواية، و هى خطوة محمودة و آثارها على انتعاش هذا النوع من الكتابة القصصية سيكون بليغ الأثر من حيث ربط ذلك بفكرة الهوية الوطنية المصرية “الخالصة” و اعتبار اللهجة تلك دعامة أساسية في فكرة البناء القصصى. في الختام يقول الروائى الأمريكي الشهير ادجار لورانس : ” أن كتابة رواية يشبه قيادة السيارة ليلاً ، يمكنك أن ترى فقط بقدر ما يصل إليه ضوء المصابيح العلوية ،و يمكنك القيام بالرحلة كاملة على هذا النحو “ و هذا ما فعلته حقا”شيرين هلال ” فى روايتها بالختم الكينى حيث قادتنا معها في ظلال قلمها تحت ستار ليل مختلف و على ضوء المصابيح العلوية فقط (اللهجة المصرية العامية) اوصلتنا إلى الوجهة المطلوبة ..ليس عليك أن ترى وجهتك أو كل ما تمر به طول الطريق.. فقط عليك أن ترى أمامك مسافة قدمين أو ثلاثة أقدام.