صلاح سلام يكتب..
متابعة عادل شلبي
لم يكن في بلدتنا الصغيرة القابعة في قارة اسيا وتبعد كثيرا عن العاصمة ليس فقط في المسافات ولكن أيضا في الثقافات فالعريش كانت نسيا منسيا قبل حرب ١٩٦٧ وجاء الاحتلال الاسرائيلي ليزيد الطين بلة…فلم نكن نعرف لا نادي الجزيرة ولانادي المعادي…ولكننا كنا أعضاء في نادي” الشمس” ولاتأخذك الدهشة فهذا النادي هو عبارة عن منزل مهجور لعمي يقع بالقرب من محطة قطار العريش كان على احد جانبي الطريق المؤدي من البحر إلى داخل المدينة وعلى الجانب الاخر كثيب رملي هو الآن فندق سينا صن…ففي يوم الجمعة نلتقي انا وأبناء العمومة وأولاد أخي الأكبر غير الشقيق فقد كانت اعمارنا متقاربة…نذهب جميعا إلى نادي الشمس..نعم فقد كانت الشمس حارقة طول اليوم ولكننا كنا نستمتع بالتزحلق على البطين”كثيب الرمل” بدل الجليد فنصعد إلى أعلاه ونجلس على قطعة من النايلون”البلاستيك”ونتشبث بها بكلتا اليدين ثم نبدأ سباق التزحلق…فإذا انتهينا دلفنا إلى البيت الذي كان محصورا بين شارعين ويتوسطه بناء اسمنتي مربع “الحاووز” وكان يحتاج إلى وقت طويل لنملأه بالماء لأنه كان كبيرا إلى حد ما فنبدأ عملية الملو قبل حصة التزحلق والتي كانت تنتهي بعرق غزير..فنخلع ملابسنا ونقف على حافة حمام السباحة المزعوم ونقفز ونعوم قليلا فقد كان به متسع فهو اقرب إلى الحوض المستطيل… نتسابق في كتم الأنفاس تحت الماء…وبالطبع لم يكن يصلح لتعلم السباحة فتقريبا جميعنا فشلنا في هذه الرياضة عندما تجرأنا بعد سنوات وذهبنا إلى شاطئ البحر الذي لم يكن بيننا وبينه الا عشرات الأمتار ولكننا كنا نخشى الوصول اليه في السنوات الأولى بعد الحرب فقد كان الشاطئ خاويا ومخيفا والكبائن التي اصطفت عليه مهجورة او مدمرة أما من قوة الموج في الشتاء او من آثار الرصاص والقنابل او بفعل فاعل فقد تم نهب كل مافيها حتى أبوابها والنوافذ… وبعد سباقات الغطس المزعومة كان يحلو لنا أن نقطف ماتيسر من الشجر حيث الجوافة والتين حتى ولو كانت غير ناضجة فالمساحة كبيرة ولايوجد في البيت الا شقة مغلقة ومساحة شاسعة حولها…ولكن هذا فقط نوع من الطفاسة فإذا شارفت الشمس على المغيب نرتدي ملابسنا بعد أن صبغتها الشمس بلونها البرونزي…وهو الذي يقول عليه اهل الساحل ،”تان” ولكننا لم نكن نبالي بالتان ولا الجلد البرونزي نحن فقط نقضي يوم العطلة فيما تيسر لنا من أشكال اللعب المتاحة…ونتجه وعلى بعد امتار إلى ميدان المحطة حيث مطعم وليم والذي كان يطل على محطة قطار العريش …والذي لم يبقى منه إلا اليافطة والرصيف وقليل من القضبان فلم يعد هناك قطار بضائع ولا قطار الوحدة ولايستطيع احد أن يصل إلى القاهرة فقوات الاحتلال تسيطر على الجزء الشرقي من قناة السويس واقامت خط بارليف عليه والذي استخدمت فيه بعض من فلنكات وقضبان السكة الحديد التي اقتلعتها بطول مائة وخمسون كيلو متر تقر يبا من العريش إلى القنطرة…وقد قامت بتهحير اهل القنطرة شرق وشحنتهم إلى العريش لتسكنهم في عمارات المساكن الشعبية والتي كان يسكنها بعض موظفي الحكومة المغتربين من المحافظات الأخرى ومعظمهم بل قل جميعهم غادروا في الأيام الأولى للحرب وبقيت عمارات المساكن الشعبية والتي اشتهرت في عهد عبد الناصر في كل ربوع مصر وهي نفس الشكل والتشطيب…وجاءوا يحملون احزانهم وبعض متاعهم وانصهروا في مجتمعنا فكلنا في الهم شرق ..وكان منهم العم وليم الذي افتتح مطعم في ميدان المحطة مكان ميدان الساعة الان وكان يقدم أشهى ساندوتش وهو رغيف كامل يحتوي على مالذ وطاب بربع ليرة إسرائيلية ولا أظن أن أحدا يستطيع أن يأكل اكثر من سندوتش واحد..والغريب في الأمر انه كان يبيع نفس السندوتش لليهود ب٢ ليرة وكان يخدم الزبائن بنفسه فهناك جزء يقدم الوجبات على الموائد وهذا معظمه لليهود المارين على الطريق فلم تكن في ثقافتنا أن تذهب الأسر لتناول الغداء او العشاء في مطاعم ولكن ربما بعض الشباب…وكان ابنه صبحي هو من يقف على شباك السندوتشات الشهية والتي من المؤكد أن كل جيلي يتذكرها …ويحضرني انني عندما ذهبت لجامعة عدن باليمن لمناقشة رسالة ماجستير لأحد الاطباء وانا اعمل في جامعة تعز قد شاهدت صورة طبق الأصل من المساكن الشعبية الموجودة في مصر ومن المؤكد أن الفكر الاشتراكي كان واحدا ليس فقط في السياسة.. وبعد وجبة عم وليم القاطعة المانعة تكون الشمس قد غابت ويكون النادي قد أغلق أبوابه لنعود ادراجنا لنستعد لمشاهدة فيلم الجمعة العربي من ذاكرة السينما المصرية والتي كانت تبثه القناة الأولى الإسرائيليةفي الفترة العربية التي تمتد لمدة ساعتين …فلم نكن ننعم بوصول الإرسال التليفزيون الوطني ولكن ربما احيانا تليفزيون الاردن او لبنان….نسيت اقول ان نادي الشمس لم يكن له اشتراك ولا رسوم