فى مع اللواء رضا يعقوب المحلل الإستراتيجى والخبير الأمني ومكافحة الإرهاب يقول إن إقتحام روسيا لأوكرانيا بتاريخ 24 شباط 2022 بلغ هذا الصراع مداه وأصبحت حرب إستنزاف وضعت روسيا فى مأزق عسكرى وتكبدت خسائر بشرية وعسكرية وأن أوكرانيا تجدد مدد عسكرى من الغرب وإن كان محدود بسلاح دفاع لكنه يؤثر على المجال والنتيجة العسكرية للإقتحام. هذا بالإيضافة الى العقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا تؤثر على الدولة الروسية بأكملها. ويطرح السؤال لماذا إنهزمت القوات الروسية فى خاركيف؟ كشف إنسحاب روسيا من خاركيف نقاط ضعف رئيسية فى الإمدادات والتوظيف لدى القوات المسلحة الروسية بحسب ما ورد عن محاربين سابقين ومدونين عسكريين روس. ونشر ضابط روسى خدم سابقاً فى أوكرانيا على قناته على تلغرام، ما كشفه عبر الهاتف زميل له يخدم فى مشاة البحرية الروسية فى أوكرانيا حالياً، إذ قال له ليس لديك أى فكرة عن مدى تعبى من القاء التحية على شخص ما فى الصباح، ومن ثم الذهاب للتعرف على جثته فى وقت لاحق من اليوم نفسه وبحسب المنشور على تلغرام قال الضابط الروسى بالأمس دمرت دبابة مجموعتين من مجموعات القناصة. لقى ثلاثة رجال مصرعهم على الفور والرابع قاتل من أجل حياته لمدة ساعة ونصف وآخر فى حالة حرجة نُقل الى المستشفى. لم يتبق معنا سوى القليل من الرجال ونحن فى خط أمامى يبلغ طوله عشرات الكيلومترات وبينما يحاول المسئولون الروس ووسائل الإعلام الحكومية التقليل من شأن الإنسحاب من خاركيف يقر مراسلو الحرب المستقلون والمحاربون السابقون والمدونون العسكريون المؤثرون، بوجود العديد من التحديات من خلال قنوات الرسائل المغلقة. تمتلئ المدونات وقنوات تلغرام بقصص عن عدم وجود عدد كاف من المعدات والجنود، بالإضافة الى التسلسل الهرمى التشغيلى الجامد (غير المرن). تصف إحدى قنوات تلغرام، التى تنشر تجارب الجنود فى الميدان بعد فترة وجيزة من الإنسحاب الأخير فى أوكرانيا، كيف أن نشر طائرة إستطلاع صغيرة بدون طيار يحتاج الى موافقة ضابط كبير أو جنرال ما يؤدى الى بطئ فى الحصول عن المعلومات ومعرفة أوضاع مواقع العدو بشكل كبير. ونشرت قناة أخرى على تلغرام يُعتقد أنها تابعة لجندى روسى سابق فى القوات الخاصة صورة جندى روسى يرتدى شارة على ذراعه مكتوب عليها: لا يوجد خصم أسوأ من قائدك الذى … مستخدماً كلمة بذيئة. لا توجد طريقة لمعرفة أين ومتى التقطت الصورة ولكن المهم أن الصورة نشرت على نطاق واسع من قبل المحاربين السابقين وكذلك القوات فى ميدان القتال ما يشير الى أنها تعكس الرأى العام بين جنود الصف فى البلاد. على الرغم من شائعات تدنى الروح المعنوية لا يشير مراسلو الحرب والقوات شبه العسكرية الروسية التى تخدم فى أوكرانيا الى أن الهروب الواسع النطاق فى الميدان ساهم فى الهزيمة الأخيرة فى شرقى أوكرانيا. ويقولون إن الوحدات قد إمتثلت على الأرجح ببساطة لأمر الإنسحاب. بعض المقاتلين الروس على قناة أخرى يمزحون بمرارة قائلين إن “العملية العسكرية الخاصة كما تطلق عليها الحكومة الروسية علناً ليست لها أهداف إنها عملية فقط لا توجد مخاوف بشأن القيادة السيئة فقط إذ يبدو أن هناك نقصاً فى التجهيزات الأساسية ما يتطلب تمويلاً جماعياً. تقوم العشرات من مجموعات وسائل التواصل الإجتماعى العامة بجمع الأموال لتوفير مجموعة كاملة من التجهيزات والمعدات كل شئ بداية من الطائرات بدون طيار الى الجوارب والملابس الداخلية. تقول إحدى هذه المجموعات تدعى الجبهة الشعبية إنها جمعت حوالى 1.5 مليار روبل (17 مليون دولار) على مدى الأشهر الثلاثة الماضية وقد أنفقتها بالفعل لتوفير الزى الرسمى للجنود والخوذات والسترات الواقية من الرصاص وكذلك مستلزمات المساعدة الطبية الأولية والمناظير وأجهزة التصوير الحرارى. على الرغم من نشاط جمع التبرعات هذا، فقد تم نشر مئات المناشدات عبر الإنترنت من عشرات الوحدات العسكرية – بما فى ذلك طيارو الطائرات المقاتلة الروسية الأكثر حداثة – للحصول على عناصر محددة، مثل الزى العسكرى المضاد للحريق وكشافات الإضاءة وأجهزة إتصالات الراديو مزدوجة المسار. لكن القضية ليست قضية نقص فى المعدات، بل هناك أيضاً نقص فى القوات. فى حين لا توجد مؤشرات على إتخاذ السلطات الروسية قرار وشيكاً بالتجنيد الإجبارى كان هناك ضغط لتوظيف جنود وهو ما وصفته الحكومة بأنه تعبئة غير رسمية بعد فترة وجيزة من غزو أوكرانيا. بدأت وزارة الدفاع الروسية فى نشر إعلانات على مواقع التوظيف الشهيرة فى أوائل مارس/آذار وهو أمر نادراً ما كان يحدث قبل الحرب. يوجد فى أحد المواقع أكثر من 7000 وظيفة عسكرية شاغرة مدرجة، لجنود مدفعية وأطقم هاون ومهام أخرى متعلقة بالقتال. لم يذكر أى من الإعلانات شيئاً عن العملية العسكرية الخاصة فى أوكرانيا والصقت منشورات التوظيف على الأبواب وُعرضت فى وسائل النقل العام وخارج المجمعات السكنية وحتى فى مستشفيات الأمراض النفسية. كما لجأت مراكز التجنيد الى الإتصال الهاتفى بالجنود الذين أنهوا الخدمة أو تقاعدوا لمطالبتهم بالإنضمام مرة أخرى للجيش بحسب ما قاله لبى بى سى بعض الجنود الذين تلقوا إتصالات من هذه المراكز. وقال جندى قاتل فى الشيشان فى التسعينيات لبى بى سى، إنه تم الإتصال به وبأصدقائه ثلاث أو أربع مرات. وأضاف الجندى الذى طلب عدم الكشف عن هويته، إنه وافق أخيراً على الطلب لكنه رفض لاحقاً توقيع العقد، بسبب ما بدا أنه ظروف سيئة. ولجعل العودة الى الخدمة أكثر جاذبية تمّ تخفيض الحد الأدنى لمدة العقد من ثلاث سنوات الى ثلاثة أشهر ورفع الحد الأقصى للسنّ فى العقد الأول من 40 الى 60 عاماً. تتراوح الرواتب الشهرية المعلن عنها بين 100 الف و450 الف روبل (1139 – 5125 دولارا أمريكياً) وهو عرض مغر لأولئك الذين لديهم فرص عمل ضعيفة فى المناطق المحرومة إقتصادياً فى البلاد رغم المخاطر المحيطة بالقتال. يُعتقد أن روسيا ترسل العديد من وحدات القتال المبتدئة هذه الى أوكرانيا كل 10 أيام بعد تدريب لمدة أسبوع فقط أو أقل. وقال مصدران منفصلان على خط المواجهة لبى بى سى إن مثل هذه الوحدات التى تضم متعاقدين عسكريين لفترات قصيرة ومقاتلين من مجموعة مرتزقة فاغنر التى تم تصوير رئيسها وهو يجند مسجونين من سجن مركزى فى روسيا، تشكل الجزء الأكبر من قوة الخطوط الأمامية الحالية لروسيا. وتفيد تقارير بأن هؤلاء الذين يوقعون العقود ربما لا يفعلون هذا بإرادتهم. يزعم نشطاء حقوق الإنسان الروس أنه كانت هناك حالات لرجال فى الشيشان تعرّضوا للضغط من جانب السلطات للإنضمام للقتال فى أوكرانيا. وأفاد صحفيون روس مستقلون عن تجنيد ما يصل الى 500 مدان. وأشادت وسائل إعلام حكومية بأحد السجناء يدعى كونستانتين تولينوف بعد مقتله فى دونباس شرقى أوكرانيا فى يوليو / تموز. كان تولينوف محكوم عليه بعدة أحكام كان آخرها لتعذيب سجناء فى السجون الروسية. أثناء مناقشة هذه التحديات داخل مجموعات مغلقة، لم يكن هناك إعتراف رسمى بالتراجع العسكرى. وأشار مراسل الحرب المؤثر والتابع للحكومة يفغينى بودوبنى، فى قناته الخاصة على تلغرام الى أن الهزيمة الأخيرة كشفت مشكلات طويلة الأمد. وقال بودوبنى الوضع صعب حقاً بالنسبة لقواتنا. المشاكل التى نوقشت على الملأ وخلال الإجتماعات السرية أصبحت واضحة لكن لا يوجد دليل على أن هذه الرسالة تصل الى قمة السلطة فى روسيا. فقد شوهد بودوبنى والعديد من مراسلى الحرب الآخرين يتحدثون لفترة وجيزة مع الرئيس فلاديمير بوتين، على هامش منتدى سان بطرسبرغ الإقتصادى فى يونيو/حزيران. وليس واضحاً تماماً ما تمكنوا من شرحه للرئيس، الا أن نقص الإمدادات لا يزال يمثل مشكلة رئيسية للجيش الروسى.