د. وسيم السيسى متابعة عادل شلبى إن كنا أخطأنا فى بعض أفكارنا فعفوكم واسع، وإن كنا لم نخطئ، فعدلكم أوسع، وعلى كل ففى الحالة الأولى لنا أجر، وفى الحالة الثانية لنا أجران. اختلف مفكرنا واصل بن عطاء مع العالم الكبير الحسن البصرى فى أحد المجالس بجامعة البصرة حول: مرتكب الكبيرة كالكفر مثلًا، كان رأى الحسن: مؤمن ولكن عاص، ورأى واصل: لا هذا ولا ذاك ولكن ما بينهما، غاب واصل عن مجلس الحسن، فلما سألوه عن واصل: قال: لقد اعتزلنا، ومن هنا جاءت تسميتنا بالمعتزلة. اعتمد المأمون مذهبنا فى العقلانية، كنا أساتذة الحرية الفكرية، أنكرنا كل ما يخالف العقل، فالعقل هو الرسول الباقى فى النفس البشرية، أنكرنا عذاب القبر، فلا عذاب قبل يوم القيامة، أنكرنا كل الخوارق، أنكرنا السحر والشعوذة، أنكرنا التواصل مع الجن رغم وجودهم، أنكرنا كرامات الأولياء، نادينا بمذهب الشك القائم على الدليل العقلى قبل ديكارت بزمن طويل. ذلك لأن الشك هو الطريق إلى اليقين، أنكرنا أن الحجر الأسود كان أبيض، كما أنكرنا سب الريح لأنها من نفس الرحمن، كما أنكرنا عدالة بعض الصحابة فأبوهريرة أكذب الناس، قلنا إن القرآن مخلوق وليس أزليًا، فالأزلى واحد هو الله، افترى علينا الأشاعرة والحنابلة وقالوا: إننا نقول: بشرية القرآن! بل كنا نقول: كيف يكون القرآن أزليًا وبه الناسخ والمنسوخ، والقرآن لمصالح الناس، والمصالح متغيرة، ثم كيف يخبر بأشياء لم تكن موجودة من قبل، نحن ننكر الجبر ونؤمن بحرية الاختيار. كان رأينا فى التوحيد أن الله ليس كمثله شىء، الذات والصفة شىء واحد! الله عالم بذاته، قادر بذاته، الله ليس بجسم ولا جوهر، كنا نلجأ للتأويل مثلًا: يد الله هى قدرة الله، الجلوس على العرش هو الجبروت، أنكرنا الشفاعة على كل الأنبياء، آمن بأفكارنا كثير من أصحاب الفكر الحر والعلماء، منهم ابن سينا، الفارابى، ابن الهيثم، الجاحظ، كما تأثر بنا بعد ذلك ابن رشد، أبوالعلاء المعرى وهو القائل: كذب الظن لا إمام سوى العقل/ مشيرًا فى صبحه والمساء فإذا ما أطعته جلب الرحمة/ عند المسير والإرساء كما آمن بفكرنا فى التأويل أعظم المفسرين للقرآن الكريم: ابن جرير الطبرى الذى ولد بعد ميلاد واصل بن عطاء بمائة وأربعين سنة أى ٨٣٩م، كانت نهاية الطبرى مؤلمة، تجمع الآلاف من الحنابلة فى مجلس الطبرى الفقهى بالمسجد، وسألوه: ما المراد بالمقام المحمود؟ فكان رد الطبرى: «سبحان من ليس له أنيس.. ولا له فى عرشه جليس»، وفى لحظة واحدة انهالت على الإمام الطبرى آلاف المحابر «الحبر» قذفه بها تلاميذ الحنابلة، أنقذه الجند إلى داره، قذفوا باب داره بالحجارة حتى أصبحت تلًا عظيمًا على الباب، استحال معه الدخول إلى المنزل أو الخروج منه. مات الطبرى جوعًا وعطشًا هو وأسرته، ارتفع ضجيج الحشود، معلنة أنه مات كافرًا ولا يدفن فى مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه أبدًا، إلى نهاية المأساة المذكورة فى ابن الأثير: أبوا الخروج إليك من أوهامهم/ والناس فى أوهامهم سجناء ومن العقول جداول وجلامد/ ومن النفوس حرائر وإماء كان عمرو بن عبيد الرجل الثانى فى فرقة المعتزلة، وُلد واصل فى المدينة المنورة ٧٠٠م، وارتحل للبصرة ثم بغداد، ومات صغيرًا ٧٤٨م، فى المدينة المنورة، كان خطيبًا مفوهًا بالرغم من أنه ألثغ الراء، فكان يستبدل أى كلمة بها حرف الراء بكلمة أخرى تحمل نفس المعنى، مات المأمون، فقضى علينا بل وعلى أول فرقة تعلى من شأن العقل فى الإسلام.