المخرج والكاتب المغربى الشهير حسن هموش فى حوار شامل مع شبكة إعلام المرأة العربية
…يواصل المخرج والكاتب المغربى الشهير الأستاذ حسن هموش تحقيق نجاحات كبيرة وكان ٱخرها نجاحه الكبير فى الادارة الفنية للدورة 51 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية التي أقيمت فى مدينة مراكش خلال الفترة من 2الى 5يوليو الحالى وهو ما كان محل تقدير الجهات الرسمية والشعبية واحتفت به وسائل الإعلام المغربية ..وحول نجاح المهرجان والعديد من قضايا الثقافة والمسرح أجرى المستشار الاعلامى د.معتز صلاح الدين رئيس شبكة إعلام المرأة العربية حوارا مع الكاتب والمخرج المغربى الشهير والقدير الأستاذ حسن هموش وفيما يلي نص الحوار :
–معالى المخرج والكاتب القدير الاستاذ حسن هموش الف مبروك. نجاح مهرجان الفنون الشعبية بالمغرب الذى انتهى منذ أيام …وقد كانت إبداعاتكم محل تقدير الجميع وتم تكريم معاليكم ..ما اسباب نجاح المهرجان خاصة بعد معاناة العالم مع كورونا ؟
–المخرج والكاتب حسن هموش :بداية اود أن أتقدم إليكم بجزيل الشكر وعظيم الإمتنان لكم ولشبكة إعلام المرأة العربية، ومن خلالكم لكل نساء ورجال الإعلام من مختلف المنابر، التي تشكل حلقة وصل متصلة بالثقافة والإبداع والمواطن العربي من المحيط إلى الخليج… لقد كان لي شرف الإدارة الفنية للدورة 51 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية التي عرفتها مدينة مراكش فى الفترة من 2الى 5 من شهر يوليو 2022، وهي التظاهرة التي تعتبر أقدم التظاهرات الوطنية، التي يتم الإحتفاء فيها بالفنون الشعبية من مختلف مناطق وجهات المملكة المغربية من طنجة إلى الكويرة وهو شرف بمثابة تكليف ومسؤولية القيت على عاتقي، خاصة وانها تأتي بعد أن تعاقب على الادارة الفنية لهذا المهرجان العديد من الاسماء الوازنة والمؤثرة في المشهد الثقافي والفني، اذكر على سبيل المثال لا الحصر الفنان الطيب الصديقي، الفنان عبد الصمد دنيا، الفنان عبد العزيز الزيادي، الفنان محمد حسن الجندي، الفنان حميدو بنمسعود، الفنان إدريس شويكة، الفنان عبد الرحمان الخياط؛ الفنان لحسن زينون واخرون. إن عودة هذه التظاهرة بعد سنتين من الغياب بسبب جائحة كورونا، كان إشارة على الانتصار للحياة، وتأكيد على الإستمرارية في الإحتفاء والإحتفال، مع التفكير العميق في الوضع المادي والإعتباري لنساء ورجال الفنون الشعبية الذين يشكلون ذاكرة الامة والحفاظ على هويتها وتاريخها وماضيها المتصل بحاضرها ومستقبلها، من هذا المنطلق تشكلت بوادر نجاح هذه الدورة التي بنيت على الإصرار والتحدي، الإصرار على الإحتفال وتحدي الوباء الذي اثر سلبا على مناحي الحياة بمختلف بقاع العالم، كما ان نجاح هذه الدورة خرج من معطف الإيمان بالاستمرارية في التركيز على إبراز خصوصيات الفنون الشعبية المتعددة والمتنوعة بتنوع المناطق والقبائل، بتنوع العادات والتقاليد؛ بتنوع نمط العيش والحياة، فكان لزاما عليً الإشتغال على مقومات منفصلة ومتصلة، منفصلة من حين الشكل واللون الموسيقى والإيقاع وايضا اللغة و الرمزية والدلالات، و متصلة من حيت كونها تعبر في العمق على التعدد الرامز على وحدة هذا المغرب القوي بتعدده الثقافي، الذي به تتشكل قوة تعابيره الفنية، لهذا كان الانتباه لهذه المفارقة امر اساسيا، من اجل تشكيل لوحة فنية بها هذا التنوع المرتبط بالتضاريس التي تشكل جغرافية المغرب من سهول، هضاب وجبال، وايضا التاريخ المعبر عن كل فرقة وحضورها في الزمان والمكان الذي نشأت فيه ومنه،. لهذا كنت دائما اقول أن النجاح هو متضمن في المادة التي تقدمها هذه الفرق الاصيلة وما على “المخرج” سوى الإدراك والوعي بالمادة والعمل على نسج خيوط الربط بينها؛ معتمدا في ذلك على اللون بكل تشكلاته سواء تعلق الأمر باللون بالموسيقى، أو اللباس والحلي، وايضا على الحركة التي تختلف من فرقة لأخرى؛ مع الايقاع المتعدد والمتنوع، هذا الثلاثي هو الذي تم الإعتماد عليه لصناعة فرجة بفرجات مختلفة، فرجة لها ايقاعها وزمنها لتصبح كلوحة تشكيلية تضم عدة الوان في إطار واحد
-ما رأى معاليكم فى المسرح المغربى خاصة والمسرح العربى عامة فى هذه الفترة ؟
–المخرج والكاتب حسن هموش :لابد من الاشارة أن المسرح العربي عموما بما فيه المسرح المغربي، قد عرف الكثير من التحولات المفصلية مقارنة مع تاريخه الذي لا يمكن بأي حال من الاحوال مقارنته بتاريخ المسرح الغربي، فمع مارون النقاش إنطلقت شرارة البحث والخوض في الممارسة والتنظير لهذا الفن الوافد والمتجذر في الثقافة العربية، الوافد كشكل وكوعي، لكن الثقافة العربية كانت بها فرجات متصلة بالتعبير الشفاهي والحركي؛ وهو ما عنونه معظم الدارسون بالأشكال ما قبل المسرحية، كما أنني اعتقد ان الممارسة المسرحية العربية قد تخلصت من عقدة الٱخر، أي خروجها من قلقل سؤال التأصيل والهوية إلى اسئلة جوهرية مرتبطة أساسا بالتحولات المجتمعية التي باتت تعرفها مجتمعاتنا، مع طرح سؤال الكونية بدل سؤال الاقليمية الضيقة، كما أنني اعتقد ان المسرح في الاقطار العربية تخلص ايضا من سؤال ازمة كتابة، وبات يَعرفٌ اقلاما وكتابات تبني افقها الدرامي من تفعالاتها مع قضايا ٱنية واخرى وجودية، ولربما هذا شكل طفرة نوعية على مستويات الانتاج المسرحي، سواء تعلق الامر بالإخراج كتصور يبحث في عمق المضامين وايضا الجماليات المواكبة لها، أم السينوغرافيا والفضاء المسرحي الذي لا يشكل فقط بعدا فزيائيا بل يعتبر في الكثير من الكتابات المسرحية – واقصد هنا الكتابة المرتبطة بتأليف النص و ايضا المرتبط بالكتابة الاخراجية- كونه شخصية لها ابعادها الرمزية والدلالية، حتى بات الان الحديث عن دراماتورجيا الفضاء، كل هذه التحولات اصبحت تشكل وعي متقدم في الممارسة المسرحية العربية المعاصرة، التي باتت ايضا تعتمد على التكنولوجيا من اجل تشكيل ابعادا فنية وجمالية، ولعل المتتبع للحركة المسرحية في العديد من الملتقيات العربية كمهرجان قرطاج / تونس، مهرجان المسرح التجريبي/ مصر، مهرجان الهيئة العربية ، المهرجان الوطني للمسرح / المغرب…..الخ ، سيدرك ان المسرح العربي انتقل من ما قد نسميه “زمن المشاكسة” إلى “زمن المنافسة” بين المسرحيين من أجل التجديد في البحث والجودة في العرض.، هذا بالإضافة أن مساحة الحرية اصبحت اكثر اتساعا، واصبحت الجرأة عملة الكثير من المسرحيين الذي تمكنوا من طرح قضايا ساخنة بأفق جمالي وليس خطابي، جعلت من المتلقي يستقبلها كفرجة ويتقبلها كخطاب.
-قمت معاليكم بكتابة أكثر من 13نصا مسرحيا .هل لدينا في العالم العربى أزمة نصوص ؟
–المخرج والكاتب حسن هموش : كما سبق وان اشرت، انا لا أعتقد بأن هناك أزمة كتابة، العالم العربي حافل بالأقلام، التي اشتغلت على الكتابة الصرفة والاقتباس ايضاـ، وانا اقول ان الاقتباس هو كتابة فوق الكتابة، هو عملية ابداعية تتطلب مهارة ووعي وتمكن بأدوات وتقنيات الكتابة الدرامية، هذه العملية، عملية الاقتباس لم تشكل ابدا عقدة لدى الكتاب الغربيين ، الذي نقلوا عن كتابات سابقة، بل اعتبروها ارثا انسانيا وجب الاشتغال عليه، فعندما بدأنا نتخلص من عقدة الآخر كما سلف الذكر، بدأنا نستشعر اهمية الكتابة في شمولياتها ووظيفتها الفكرية والجمالية، وان هناك الكثير من المواضيع لها تقاطعات مع المجتمع الانساني رغم تعدد جغرافيته وثقافته ومرجعياته الدينية والايديلوجية ، علما ان الكتابة الدرامية في العالم العربي الان استطاعت أن تؤسس لها مرجعيات ثقافية وتراثية من خلال هذا التقاطع ما بين المحلي والكوني، لهذا يمكن القول انه بالأمس كانت ازمة رؤى وخيال، اللذان اثرا فيهما ضيق الافق، عكس مابت تعرفه الكتابات المسرحية المعاصرة في العالم العربي، والتي يمكن القول انها انتصرت على التفكير التقليدي. لمؤسس مسار له خصوصياته بنكهة عربية بل نكهة متصلة بكل قطر عربي وفق الخصوصيات الثقافية واللغوية والموروث المحلي
. –ما سر تميز ونجاح معاليكم فى مجالات إبداعية متصلة مثل الكتابة.الاخراج .التمثيل .وما سر شهرتكم فى المغرب والعالم العربي وأفريقيا؟ –المخرج والكاتب حسن هموش : بداية لابد ان اشير على أن هذا السؤال هو اكبر من حجمي، بحيث لا اعتبر نفسي متميزا بقدر ما أنني ابحث عن اسلوب يعبر عن تطلعاتي الفكرية واختياراتي الجمالية، صحيح انني انطلقت في الممارسة المسرحية في وقت مبكر منذ الصبى وانا تلميذ بالإعدادي، ثم مسرح الهواة والمسرح الجامعي إلى ان ولجت المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، كل هذا العمر، كان الاشتغال فيه يتم عن طريق البحث، البحث في المضامين والشكل، البحث عن بصمة قد تجعل من خطابي المسرحي، المنطوق والبصري، يشكل طابعي الخاص أو اسلوبي الخاص دون الايمان بالقطيعة مع السائد، لأني اعتقد بالاستمرارية في الابداع، واننا حين نقوم بمحاولة هدم شكل معين من أجل خلق شكل جديد، فان عملية الهدم لا تعني المحو بل الولادة من رحم كائن. لقد أمنت مند البدايات الاولى ان الكتابة إخراج والاخراج كتابة، لهذا استهوتني العمليتين معا، فصرت مهووسا بالكتابة على الورق والكتابة على الركح، وكنت دائما احاول ان اعبر بلغة تحمل شاعريتها في ذاتها وجمل إخراجية تنتصر للفرجة دون الخطاب الاجوف، لربما هذه المفارقة هي التي خلقت التميز وجعلت تجربة فرقة مسرح تانسيفت الفرقة التي قمت بتأسيسها مع مجموعة من المبدعين سنة 1997، والتي عملت كمديرا فنيا لها منذ البدايات إلى الان، ان يكون لها حضورا على الصعيد الوطني، وان تشكل نقطة تحول في تصورات الممارسة المسرحية خاصة بعد تجربة مسرحية “كيد الرجال” سنة 2000، وان تدفع بالعديد من الممارسين المسرحين المغاربية من إعادة طرح السؤال حول معنى والغاية والكيفية من الفرجة في عمومياتها، بل والعودة للاهتمام بالموروث الثقافي الوطني؛ بإعتباره يحتوي على عناصر قابلة للتحويل لمادة درامية، لهذا كنت دائما أعتقد في البحث في الخصوصيات المحلية لانها هي التي تشكل التميز والبصمة، حتى حينما كنت اشتغل على نصوص اجنبية، مثلا لموليير، شكسبير، بيرانيدلو، ماريفو، سيربانتيس، …الخ كنت ابحث عن المشترك، عن العمق الانساني التي تحمله هذه النصوص والقيام بعملية “الاقلمة” حتى لا اقول المغربة، من اجل بلوغ صناعة فرجة مسرحية بإمتياز.
-معالى المخرج الكبير ما سر تميز معاليكم فى الرؤية الاخراجية لمهرجان الفنون الشعبية بالمغرب الذى أقيم بداية هذا الشهر ؟
–المخرج والكاتب حسن هموش :إن الإشتغال على مثل هذه الأعمال، كمهرجان الفنون الشعبية، يضعك بالتأكيد أمام مادة قائمة بذاتها، لا تحتاج ولا تحتمل تدخل اين كان، هي فنون لها عمق في التاريخ وارتباط بالأرض ووجدان اصحابها الذين اضفوا عليها طابعا قدسيا، اناس بسطاء لكنهم عميقي الاحساس، لهذا انطلقت الرؤية الاخراجية _ان صح تسميتها هكذا_ بداية بالإنصات إليهم وخلق حوار اولي لمعرفة حدود ومساحات تدخلي، ثم حاولت بمعية الطاقم المساعد لي ان اشتغل على الروابط والفواصل التي قد تجمع هذا اللون مع لون ٱخر، كما انه خلال فترة التدرايب قمت بالاشتغال على الايقاع الخاص بكل فرقة ، مع الايقاع العام للعرض، وايضا على الحركات التي تختلف من فرقة لأخرى، من اجل خلق التناغم والتوازن داخل اللوحة الجامعة لكل هذه اللوحات، ثم اللون بما هو مرتبط باللون الموسيقى الذي ينقلنا من منطقة لأخرى ومن ثقافة ومناخ مغايرين، واللون المرتبط باللباس والحلي، من اجل تقوية الفرجة البصرية وايضا التنوع المعتمد على طول اللوحة المقدمة والممتد في للزمن على مسافة 100 دقيقة تقريبا، هذا علاوة الاشتغال على تقنية ان كل فرقة تخرج من رحم الفرقة الاخرى، من أجل التغلب على البيضات والوقفات التي قد تخلق الرتابة والملل كما انها قد تكسر الايقاع العام للفرجة، الامر الذي جعل العرض في مجمله يقدم بشكل مسترسل دون توقف، وكأننا أما عرض واحد لفرقة واحدة تتغير وتتشكل مع الانارة وتقنياتها . من المؤكد ان هذا الجهد تحقق بمعية فريق عمل شاركني هذه الرحلة الماتعة والممتعة، وايضا إدارة المهرجان التي وضعت تقتها في شخصي، ومنحتني فرصة ركوب صهوة هذه المغامرة الجميلة، لهذا اريد من خلالكم ان اتقدم لهم واحدا واحد بالشكر الجزيل وأخص بالشكر الدكتور محمد الكنيدري رئيس جمعية الاطلس الكبير ورئيس المهرجان الوطني للفنون الشعبية، وكل من ساهم في ان يكون لهذا الموعد فضاء وزمان.