بقلم أ. د. جمال زهران. متابعة عادل شلبى المتابع لتطورات الأوضاع في الأزمة الأوكرانية، منذ أن بدأ التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، يستطيع أن يرصد بسهولة أنّ أميركا تسير في خطين متوازيين، هما: الأول: الدفع بالأزمة إلى حرب عالمية ثالثة، أو حدوث مواجهة بين روسيا وأوروبا لهلاك الاثنتين على الأقلّ، والثاني: إعادة تنظيم الوجود أو الانتشار الأميركي في مناطق العالم، استعداداً للمواجهة المرتقبة على طريق الحرب العالمية، بين روسيا وأوروبا. ولذلك فإنّ أميركا تتحرك بأسلوب يجمع بين استقلالية الحركة وفقاً لاستراتيجيتها الكونية، وبين التنسيق الشكلي الذي يأخذ صورة «الأوامر»، مع وإلى أوروبا (الاتحاد الأوروبي). وهذا هو الذي يؤكد أن أميركا لا يعنيها سوى عدم المواجهة المباشرة مع روسيا أو حتى مع الصين، كما لا يعنيها تورّط أوروبا في مواجهة عسكرية مباشرة، لأنها لا تريد سوى أوروبا الضعيفة حتى تظلّ في حاجة إليها وتابعة للمشيئة والإرادة الأميركية! وتكتفي الولايات المتحدة كعادتها، بالإعلان عن مخصصات مالية دولارية كمساعدات عسكرية أو مالية، تدعم بها الدولار المطبوع بمشيئتها، وتدعم بها المجتمع العسكري ورجال أعمال أميركان، لإعادة إنتاج الاقتصاد الأميركي بجناحيه العسكري والمادي! ولذلك قرأنا ما تمّ التصريح به من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن، أنّ مساعدات أميركا لأوكرانيا قد وصلت أكثر من 6 مليارات دولار، أغلبها مساعدات عسكرية! في الوقت نفسه تدفع بدول الاتحاد الأوروبي إلى تزويد أوكرانيا ـ ورئيسها المخبول ـ بالمساعدات العسكرية المباشرة وغيرها، بل تزويدها بالجنود المرتزقة المستأجرين من كلّ مكان (أوروبا وخارجها). وعلى الجانب الآخر، فإنّ روسيا تعمل بخطط عسكرية محكمة، في السيطرة والانتشار التدريجي، وتدمير القدرات العسكرية والإدارية لأوكرانيا، وأنها تتوعّد بضرب أية أسلحة تقدّم دعماً لأوكرانيا، أياً كان مصدرها (أوروبياً أم أميركياً)، وهذا ما حدث فعلاً، فضلاً عن ضرب أية إمدادات أياً كان نوعها (غذائية أو لوجستية وغيرهما)، قد تصل إلى أوكرانيا، من أيّ طريق، وحدث فعلاً ذلك. في الوقت ذاته يحاول الأوروبيون رغم الضغوط الأميركية تفادي أية مواجهة عسكرية مع روسيا، لأنها تدرك أنها ستكون الخاسرة وحدها لو تطوّرت الأمور وتصاعدت على طريق المواجهة العسكرية الشاملة! وقد تلاحظ أيضاً قيام عدد من رؤساء دول أوروبا، بزيارة أوكرانيا ومقابلة رئيسها (زيلينسكي) ـ الذي يصرّ على أن يخرج على الإعلام بالتيشرت، وكأنه يوحي بأنه يخوض معركة! وهو بلا حول ولا قوة! وفي مقدمة هؤلاء الرؤساء (فرنسا/ ألمانيا/ إيطاليا/ رومانيا)، وهم مدفوعون تحت الضغوط الأميركيّة لمثل هذه الزيارة، لدعم رئيس أوكرانيا ورفع روحه المعنوية لتأكيد استمرار الدعم الأوروبي/ الأميركي! وقد يكون الهدف الأميركي للتشجيع على إتمام هذه الزيارة، هو التوريط الرسمي والعلني لدول الاتحاد الأوروبي في قلب الأزمة الأوكرانية، حتى يقترب اندلاع المواجهة المباشرة بين أوروبا وروسيا، وتتحقق الاستراتيجية الأميركية. وقد يتصاعد صراخ ونبرة الشكاوى من جانب الرئيس الأوكراني بتوجيه أميركي مؤكد، من انعدام الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا التي تتعرّض إلى قصف روسيّ مستمر، وإلى تدمير شامل لكلّ مقومات القوة لديها. ولم تترك روسيا هذه الفرصة، وذلك بالإغارة فوق مكان اجتماع الرؤساء! ونقلت وكالات الأنباء أن الرؤساء الأربعة قد شعروا بالخوف!! كما أنّ الاستراتيجية الأميركية في إشعال فتيل الحرب، تتمثل في تشجيع خطوة تقدم أوكرانيا لطلب عضوية الاتحاد الأوروبي، وبالفعل تمّ اعتبارها مرشحة للحصول على العضوية، ولنتذكر في هذا السياق تركيا، وهي تشغل مقعد الترشّح للعضوية، من زمن بعيد! فضلاً عن تشجيع دول عدة منها السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف الأطلنطي (الناتو)، وإثارة المشاكل من دول الاتحاد السوفياتي السابقة وهي (ليتوانيا/ واستونيا/ لاتفيا)، ومحاولة الضغوط عليها، للانفصال التام عن روسيا، حتى يصل الأمر إلى التصاعد، وبدء الحرب العالمية الثالثة من مستصغر الشرر! وعلى الجانب الآخر، لا تقف روسيا صامتة، بل تعلن تهديداتها، تجاه هذه الدول. والميزة اللافتة للنظر على الجانب الروسي، أنّ ما تقوله أو تهدّد به روسيا سواء من بوتين أو مساعديه، يتمّ تنفيذه بالفعل. وهو ما يعني أنّ احتمالات التوجه نحو مواجهة عسكرية بين روسيا وأوروبا، أصبح قائماً ومحتملاً بدرجة كبيرة. في الوقت نفسه الذي يجب أن نتذكر أنّ أميركا وأوروبا، كانتا بالفعل قد أقامتا قواعد عسكرية للناتو تحت العلم الأوكراني في عدد من مدن أوكرانيا، بل وفي كييف عاصمة أوكرانيا، من عام 2014، وغالبيتها تعرّض للتدمير الروسي بالكامل، وهو مما سيكون سبباً لترجيح خطة المواجهة العسكرية، والحرب العالمية التي تتصاعد احتمالاتها تحت الضغط الأميركي الذي يميل في استراتيجيته، إلى هلاك القوتين العظميين، روسيا/ وأوروبا، حتى تتفرّغ أميركا للصين، في الفترة المقبلة. أما الجانب الآخر من الاستراتيجية الأميركية، فيتمثل في إعادة ترتيب الوجود الأميركي في العالم وخصوصاً (المنطقة العربية والشرق الأوسط)، فلذلك حديث آخر، في مقال مقبل… أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.