د. وسيم السيسي متابعة عادل شلبى أنا أبو محمد عبدالله بن المقفع، وُلدت فى فيروز آباد «إيران» سنة 724م، وانتقلت إلى العالم الآخر 759م!. كانت نهايتى فى البصرة نهاية مأساوية!، لم تحدث من قبلى، كما لم تحدث من بعدى.. غادرت دنياكم وأنا فى عنفوان شبابى فى سن الخامسة والثلاثين.
كنت مجوسيًّا ولكنى اعتنقت الإسلام. لم أستفد من كلمات ربى: «ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولىٌّ حميم»، كما لم أتعلم من السيد المسيح: «لا تردوا على الشر بالشر»، وكأنه يريد أن يقول إن شرًّا بِشَر يخلق عالمًا من الأشرار، كما لم أصدق نصائح الإمام الشافعى:
وعاشر بمعروف/ وسامح مَن اعتدى
وفارق ولكن/ بالتى هى أحسن
كنت إنسانًا حاد الذكاء، سريع البديهة، دارسًا للثقافة الفارسية والعربية واليونانية والهندية، كانت الحكمة تطل على الناس من بين سطورى، كان أسلوبى سلسًا، وذوقى رفيعًا، كنت أقول: «إذا أسديتَ جميلًا لأحد، فإياك أن تُذكِّره به، وإن أسدى أحد إليك جميلًا، فإياك أن تنساه»، ولكنى كنت سريع الغضب، طائشًا كما كتب عنى المؤرخ الذهبى فى كتابه «سِيَر أعلام النبلاء».. كان إحساسى بنفسى كإحساس المريض بالسكر البرونزى، كنت أعتقد أن الأرض تناولت حبوب منع الحمل بعد ميلادى فأصبحت عاقرًا!.. كنت أسخر من الأمير سفيان بن معاوية بن يزيد، الذى كان جده واليًا على البصرة فى عصر أبى جعفر المنصور الخليفة العباسى، كنت أدخل عليه وحده فأقول:
السلام عليكما!، فيقول الأمير: أنا وحدى!، فأقول له: أنت وأنفك!.. لأنها كانت كبيرة جدًّا.. كرهنى وادّعى علىَّ الزندقة بالرغم من شهادة ابن كثير عنى فى كتابه «البداية والنهاية»: «كتب بن المقفع تُبرِّئه مما نُسب إليه».
وفى ثورة غضب عارمة قلت: (يا ابن المغتلمة «الفاجرة- الشبقية- التى لا تنطفئ شهوتها للرجال»، والله ما اكتفت أمك برجال العراق حتى نكحها رجال أهل الشام)!.. وأم الأمير هى ميسون من أفضل النساء!. تظاهر الأمير بالعفو عنى، ودعانى إلى قصره، أخذ يضحك معى ويُذكِّرنى بما قلته حين قال: ما ندمت على سكوت قط، فقلت له: الخرس زين لأمثالك، فكيف تندم عليه؟!.
ضحكنا وقلت: عفا الله عما سلف!. قال: إلا يا ابن المغتلمة!. هجم علىَّ أعوان الأمير، قيّدونى، قطعوا أطرافى، وجعلوا منها شواء فى فرن أمامى، وجعلونى آكل منها كما جاء فى بعض الروايات، وإن كنت لا أذكر ذلك. وعند احتضارى قال سفيان: «هذه قِتلة لم تحدث من قبل، ولن تحدث بعد ذلك، وسوف أُثاب بقتلك لأنك زنديق»، وعندما قطعوا لسانى، تذكرت الإمام الشافعى:
لسانك لا تنطق به عورة امرئ/ فكلك عورات وللناس ألسن.
لم تشفع لى ترجمتى لكتاب «كليلة ودمنة» من اللغة البهلوية إلى اللغة العربية، هذا الكتاب المشهور لمؤلفه: بيدبا الفيلسوف الهندى. ولعلكم تسألون عن أصل اسمى ابن المقفِع بكسر الفاء، لأن جدى كان صانعًا للقفاع، وهى سلال من الجريد «قفة» دون آذان. حياتى عِبَر ودروس، وليس كالتاريخ عبرة ودرس!. وعندكم مَثَل شعبى جميل: «لولاك يا لسانى ما اتْسَكِّيت يا قفايا»!.
أقول: «لولاك يا لسانى، ما احترقتِ يا أطرافى وانتهيتِ يا حياتى». العبقرية هى قدرة الفرد على حل مشاكله اليومية!. كلمة تحل مشكلة «آسف مثلًا أثناء المرور»، وكلمة تُودى بحياتك أو السجن «مش تِفتّح يا أعمى»!.
يعجبنى كاتب هذه السطور، مشادة كلامية بينه وبين زوجته!، قالت منفعلة: «لازم تعرف إنى مش بوجهين»!، رد عليها: «سوف يكون كل وجه أحلى من الآخر»!. ضحكت وانتهت الأزمة.. موقف آخر بينه وبين مهندس صديق، خلاف شديد «فكرى»، دعاه المهندس إلى عيد ميلاده، ذهب صاحب هذه المقالة، ووسط المدعوين فتح المهندس الخلاف الفكرى من جديد، نظر إليه صاحب هذه السطور وقال: «أحب أن أسمع ليلى مراد مع نجيب الريحانى: كان.. فعل ماضى ما تسيبه فى حاله!، والماضى إحنا مالنا وماله؟، خلينا فى الحاضر وخياله، ونعيش على بهجته وجماله!».. ضحك الكل وانتهت الأزمة.