لم نستخلص الدروس نتيجة المخططات اليائسة التي لا تخضع إلى أي تصور عقلاني يخدم الانسانية ،خالي من الأنانية بين الأطراف المعنية لأن ضمان استمرارية العالم مرهون بعدم التعنت ونهب ثروات الدول الفقيرة واستعبادهم سياسيا واقتصاديا . فمن أسباب هذه المحن التي استنزفت الطاقات البشرية من الدول النامية بشتى الطرق في اختلاف الظروف التي ساهمت في خلق هذه الآفة الانسانية تحت ضغوط القوى العظمى وقهر القوى الداخلية، فمن هذه المحن اللاإنسانية : 1- الهجرة القصرية: إنها مناهج قديمة تحمل افكارا واحكاما مسبقة حول طبيعة الحياة الخاصة وطبيعة العالم العمومي والعلاقات المتبادلة بينهم ، إذ هي بمثابة السيف ذو حدين، البقاء بالوطن يجعل منك المنديل الذي تمسح به الأرض دون رحمة ولا شفقة، تتأرجح بين الفقر والاستغلال وغياب التطبيب والمجاعة والجهل. إذ يظل منفد الهجرة القصرية التي يفرضها عليك بني جلدة في بلدك، بتواطئ مع الدول الاستعمارية من أجل نهب الثروات بلا حسيب ولا رقيب وإعادة رقمنة السكان هدفها التحكم عن بعد ، بزرع فتيل الحروب وتفشي المجاعة والفقر المذقع وخلق التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية وتدمير أسس الحضارات ودحض مصداقيتها ، وتكوين أجيال فاسدة القيم والعقيدة والاخلاق.من هذا المنطلق يتعين علينا أن نأخذ بعين الاعتبار عملية الاسلاب الشرسة هاته، و وضع آليات التغيير السليمة للعيش بكرامة.
2- الهجرة التطوعية: إن الإقرار بالطابع الإستعماري من باب دراسة العلاقات والنماذج يفقد الإيقاع بإثبات جازم في نقائص الخطاب السياسي، الهدف منها استيطان مدن في مناطق صعبة ونائية من اجل العيش في أصعب الظروف تحت ضغط الهجرة و حسرة الغربة واستحضار الحنين إلى الوطن الام .
3- هجرة العمل: من غرض تعزيز المنظومة الغربية في الهيمنة على الفضاء الخصوصي ضد الفضاء الحيوي للدول النامية و بالرغم من أن الانسان الحديث أصبح يعبر بوضوح عن استياءه من هذا العالم وعن اشمئزازه مما آلت إليه أوضاعه، أصبحت الفئة الأكاديمية المثقفة في مختلف التخصصات وكذا العمال البسطاء يمتثلون إلى إمضاء عقود عمل بمبالغ بخسة من أجل لقمة العيش.
4- هجرة الادمغة: يبدو أن الجهل يسود داخل النقاش العمومي بخصوص فض هاته الغطرسة ،إذا كنت لا أتحدث عن التجاهل السلبي القائم على الامتناع، إذ لا ينبغي أن نتجاهل عندما نفكر في مستقبل العلاقات بين الدول لأن اختراق الأنظمة أصبح واردا في جميع الاحوال . لهذا عدم الاهتمام بالكفاءات الفكرية العلمية الأكاديمية في الوقت الراهن إنه انحرافا يفسر أيضا بعجز السياسي عن العثور على حل قار للمشكل أو متواطئا مع المجموعة في تدمير قواعده الأساس. فعدم القدرة على مسايرة العالم المتطور من قبل الدول المتخلفة هو جزء من اللعبة القذرة. لذا أن السيرورة التاريخية لن تسمح بالمزيد من التعثر أمام هذه البنية الاختراقية اللامشروعة في تدمير الحضارات واستغلال الثروات.