لواء د. سمير فرج
متابعة عادل شلبى
تسعون يوماً مرت تقريباً منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية يوم 24 فبراير الماضي، عندما فشلت الجهود الروسية في إقناع أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” حيث أن ذلك يؤثر مباشرة على الأمن القومي الروسي بوجود قوات من حلف الناتو على الأراضي الأوكرانية على الحدود المباشرة لروسيا، ويعد هذا أمراً مرفوضاً في علوم الاستراتيجية والأمن القومي عالمياً. وسبق للولايات المتحدة الأمريكية نفسها أن رفضته عام 1962 فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية عندما قام الاتحاد السوفيتي السابق بنقل صواريخ سوفيتية إلى كوبا على الحدود المباشرة الأمريكية الأمر الذي رفضته أمريكا وكاد الرئيس الأمريكي جون كنيدي أن يأمر بإطلاق الصواريخ النووية الأمريكية على كوبا وازالتها من الوجود. إلا أن الأمر انتهى بعد 14 يوماً بسحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا.
وهذا العام تكررت الأزمة ولكن من الطرف الآخر. لذلك كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن واضحاً في طلبه بتعهد أوكرانيا بأنها لن تنضم لحلف الناتو أو سيقوم باتخاذ اجراءاته العسكرية، وبالفعل قام الجيش الروسي بالهجوم على أوكرانيا يوم 24 فبراير الماضي. في البداية كان الهجوم الروسي على أوكرانيا في مراحله الأولى بهدف تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية والتي نجح فيها خلال عشرة أيام، حيث قام بتدمير المطارات والقواعد الجوية والطائرات ومحطات الرادار ومراكز القيادة وقوات الدفاع الجوي والتجميعات الرئيسية للقوات الأوكرانية. بعدها بدأ بتركيز الهجوم الرئيسي في اتجاه العاصمة الأوكرانية كييف، وهنا بدأ الجيش الأوكراني الذي فقد قواته الجوية والدفاع الجوي وقواته الرئيسية في اتخاذ أسلوب الدفاع عن المدن، وهي أصعب أساليب القتال لأي قوات تقليدية. لذلك تعثرت القوات الروسية على مداخل العاصمة كييف ولم يكن أمام روسيا إلا اقتحام كييف بأسلوب الأرض المحروقة – أي تدمير المدينة بالكامل – وهذا يعني تدمير البشر، وتفقد روسيا حينها ما كانت تهدف إليه وهو أن يتم النصر على أوكرانيا ويظل الشعب الأوكراني صديقاً للشعب الروسي. كذلك فكر بوتن أنه بالاستيلاء على كييف سينتهي حكم الرئيس الأوكراني زيلنسكي وتأتي حكومة جديدة توقع مع روسيا اتفاق سلام، إلا أنها لن تكون معترفاً بها. لذلك قررت روسيا تغيير اتجاه الهجوم من كييف إلى شرق أوكرانيا ويظل زيلنسكي الرئيس المنتخب من الشعب موجوداً ليوقع هو بنفسه على اتفاق سلام قادم بعد انتهاء الحرب.
وبدأت روسيا الحرب في اتجاه شرق أوكرانيا في إقليم دونباس حيث الجمهوريات التي أعلنت انفصالها عن أوكرانيا وهي لوغانيسك ودونيتسك. وبالفعل نجح هذا الاتجاه واستولت على مدينة ماريوبول وسيطرت روسيا على منطقة بحر آزوف وحرمت أوكرانيا من موانئها في هذا الاتجاه، وتتقدم الآن للاستيلاء على ميناء أوديسا أكبر موانئ أوكرانيا. ولو نجحت في هذا الهجوم سوف تحرم أوكرانيا تماماً من موانئها على البحر الأسود وتصبح أوكرانيا دولة لا شاطئية، وأعتقد هنا سوف تتوقف روسيا عن الهجوم وتبدأ في الجلوس على طاولة المفاوضات وتنفذ المقولة الشهيرة التي تقول إن من يحدد الجلوس على طاولة المفاوضات ونقاط التفاوض هي وضع القوات العسكرية على الأرض. كما استمرت روسيا في نفس الوقت بضرب كافة المراكز العسكرية الأوكرانية في كل أنحاء أوكرانيا وخاصة الصناعات العسكرية والمدنية لإضعاف أوكرانيا، كذلك مهاجمة مدينة لفيف على الحدود البولندية الأوكرانية لتدمير الامدادات والأسلحة الأمريكية والأوروبية القادمة إلى أوكرانيا.
ونود هنا أن نؤكد أن معظم الأسلحة والمعدات التي قدمتها أمريكا وأوروبا إلى أوكرانيا هي أسلحة دفاعية لأن هدف أمريكا هو إطالة أمد الحرب بهدف اضعاف روسيا اقتصادياً، حيث اقتصر الدعم العسكري على امداد أوكرانيا بصواريخ جافلين المضادة للدبابات وستينجر المضادة للطائرات والتي يبلغ مداها نحو 3-6 كيلومتر بدلاً من امدادها بطائرات ميج 29 أو بطارات باتريوت أو الرادارات المضادة للصواريخ البالستية الروسية والتي دمرت الجيش الأوكراني. وحاولت أمريكا أن تقنع دول الاتحاد الأوروبي أن توقف وارداتها من الغاز الروسي خاصة بعد قيامها بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لكن جاء الرد من بوتن بأنه لن يقبل دفع ثمن الغاز بالدولار بل طلب الدفع بالروبل. وكانت المفاجأة أن معظم الدول الأوروبية رفضت قطع علاقاتها مع روسيا واستمرت في استيراد الغاز الطبيعي بل والدفع بالروبل. ونتيجة لذلك ارتفعت قيمة الروبل وفشلت أمريكا في منع دول أوروبا من الحصول على الغاز الروسي خاصة أن أوروبا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا.
ثم جاء ما لم يكن في الحسبان وهو طلب فنلندا والسويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي يضم 30 دولة. وبما أن فنلندا تتشارك مع روسيا بحدود مباشرة يبلغ طولها 1300 كيلومتر، فهذا سيضع روسيا في موقف ضعيف لأول مرة بوجود أسلحة لحلف شمال الأطلسي على حدودها مع فنلندا، مما يشكل تحدياً كبيراً للأمن القومي الروسي مستقبلاً. وكان أول رد روسي على هذا القرار بوقف صادرات الغاز إلى فنلندا، مما جعل حلف الناتو، في محاولة منه لتخفيف التوتر، بالتلميح بعدم نشر قوات للناتو في فنلندا. كما تحفظت تركيا كأحد أعضاء حلف الناتو على انضمام فنلندا والسويد وهو حق لها حيث أن قوانين الحلف لا تسمح لأي دولة بالانضمام الا بموافقة جميع الأعضاء. وكانت مبررات تركيا أن الدولتين تقومان باستضافة أعضاء حزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك) والذي تصنفه تركيا كحزب إرهابي، وأن تركيا أخطأت من قبل بالموافقة على قبول اليونان العدو اللدود لها ضمن أعضاء الحلف.
وتهدف تركيا من ذلك الضغط على فنلندا والسويد لتسليمهم 40 عضواً من حزب العمال الكردستاني والضغط على أمريكا لإلغاء العقوبات التي فرضتها على تركيا بعد شرائها نظام الدفاع الجوي S400 من روسيا وخاصة قيام أمريكا بتعليق صفقة بيع طائرات F35 إلى تركيا. ورغم تشدد تركيا في رفضها انضمام السويد وفنلندا للناتو، لكني أعتقد أنها في مرحلة ابتزاز للحصول على أكبر مكاسب لها ولكن في النهاية سوف ترضخ وتوافق على عضويتهم بالناتو والا ستكون العواقب عليهم وخيمة ولعل أحدها قيام الناتو بطرد تركيا من الحلف. كذلك فإن الجيش التركي يعتمد على أسلحة أمريكية بنسبة 90%، ويعني ذلك الكثير. لذلك أعتقد أن تركيا سترضخ وتوافق على انضمام الدولتان إلى الحلف. أما روسيا فإنها حالياً تفكر فيما ستفعل أمام هذا القرار الجديد. بالطبع سوف تعلن روسيا حشد قواتها وأسلحتها النووية أمام فنلندا ولكن هذا الاجراء لن يكون فعالاً، ومن هنا علينا أن ننتظر ماذا سيحدث في المستقبل بعد أن كنا نأمل أن تنتهي هذه الحرب سريعاً ويعود السلام إلى أوروبا.