بقلم جهاد بكر الكيلانى
نشر أحد الإخوة يدعو إلى تيسير الزواج ، واستدل بحديث ” أقلهن مهورا اكثرهن بركة ” ، فعلقت مبينا ضعف الحديث
، وأخذ الحديث منحى آخر ، فقد ظن بعض الأفاضل أن تضعيف الحديث يتعارض
مع تيسير الزواج ، فرأيت أن أسطر هذا الكلام
لأجمع كلامي بدلا من تفرقته بالرد على كل مشارك ، وأيضا لتعم الفائدة ،
فأقول ـ سائلا الله ـ تعالى ـ التوفيق ـ :
فرض الله ـ تعالى ـ للمرأة المهر ، وجعله حقًّا لها على الرجل ، لا لأبيها ولا لأقرب الناس إليها ، وليس لأحد أن يأخذ شيئاً منها إلا في
حال الرضا والاختيار. قال ـ تعالى ـ : ” وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا “
ولم تجعل الشريعة حدًّا للمهر قلة أو كثرة ؛ إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر ويتفاوتون في السعة والضيق ، ولكل جهة
عاداتها وتقاليدها ، فتركت التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته
، وحسب حالته وعادات عشيرته ، وكل النصوص جاءت تشير
إلى أن المهر لا يشترط فيه إلا أن يكون شيئا له قيمة بقطع النظر عن القلة أو الكثرة .
ففي قوله ـ تعالى ـ : ”
وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ” دليل على جواز الإصداق بالمال الجزيل .
وأما حديث ” أقلهن مهورا اكثرهن بركة ” فضعيف .
وأما ” خير النكاح أيسره ” فالايسر غير اليسير ، والمراد تسهيل امور
الزواج عموما لا المهر فقط ، ولا ذكر للبركة فيه .
وأما ” إن من يمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها”
فليس المقصود منه تيسير المهر ليكون من يُمن المرأة
ولكن المقصود أن من الدلالة
على يمن المراة ان ينوى الرجل خِطبتها فيتسهل
له الأمر ، وينوى دفع الصداق فيسهل له جمع المال ، وعند زواجها يسهل حملها وولادتها
فالدعوة اذن هى تيسير المهر حسب حال الرجل من اليسار والإعسار وليست تقليله
حتى مع قدرة الرجل ، ولا علاقة للحديث
بالبركة وتقليل المهر .
ولكن الأمر المتفق عليه، والضرورة تستدعيه ، والحاجة ماسة إليه هو :
التيسيرُ والتسهيل ؛ سعيًا لمصلحة الزوجين ، وتحصينا لأبناء المسلمين وبناتهم ، وخصوصا في هذا الزمن .
وقد روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قوله : ” ألا لا تغالوا في صدقات النساء ،
فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله ،
كان أولاكم بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – امرأة من نسائه ، ولا أصدقت
امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية “
فقد يكون المتقدم للزواج قليلا ماله ، وفي دينه وخلقه وما ينتظره في المستقبل ما يعوض ذلك .
فقد ورد أن النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل ما يحفظ الرجل من القرآن مهرًا ، وجعلت ” أم سُليم ” دخول ” أبي طلحة ” في الإسلام مهرها :
أ ـ فقد ورد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاءته امرأة فقالت :
يا رسول الله إني وهبت نفسي لك ، فقامت طويلا
، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة ، فقال
: هل عندك من شيء تصدقها ؟ قال : ما عندي إلا إزاري
هذا ، قال : فالتمس ولو خاتما من حديد ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال رسول الله
– صلى الله عليه وسلم : – هل معك من القرآن شيء ؟ قال
: نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، فقال : قد زوجتكها بما معك من القرآن ، وفي رواية قال :
انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن . متفق عليه .
ب ـ وعن أنس – رضي الله عنه – قال: “خطب أبو طلحةَ أمَّ سُليم ، فقالت : والله ما مِثلك يا أبا طلحة يُرَد ، ولكنك رجل كافر ،
وأنا امرأة مسلمة ، ولا يحل لي أن أتزوَّجك ، فإن تُسلم ، فذاك مهري ، وما أسأَلُك غيره ، فأسلَم، فكان ذلك مهرَها” .
ولكن من ليس عنده مهر يدفعه فليجتهد في تحصيل الرزق ما أمكن ، فإن الزواج ـ فضلا عن المهر ـ مسئولية ، وإلا فليستعفف ولا يسأل
الناس الصدقة كي يدفع المهر ، هذا هو الأفضل ، لكن لو أعطي دون مسألة فلا بأس أن يقبل وأن يدفع ما أعطيه صداقًا .
فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا إلى الصدقة على بعض الناس في مواقف ، ولكنه لم يأمر الناس أن يتصدقوا على هذا الذي قال
: ليس عندي ما أدفعه مهرا ، بل قال : ” التمس ولو خاتماً من حديد ” .
يسر الله لأبنانا وبناتنا ، وحفظهم من الفتن .