علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التوسط والاعتدال في كل أمر من أمور حياتنا ونهانا عن الإسراف في كل شيء حتى في العبادة.. كما حذرنا من التقتير والشح فهو رذيلة لا تليق بمسلم أعطاه الله عقلا سليما يزن الأمور بميزان الوسطية والاعتدال وضميرا حيا يمنع الإنسان من حرمان نفسه وأهله مما أحله الله عز وجل.. ولذلك كان توجيهه صلوات الله وسلامه عليه كل واشرب والبس وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة.
وربانا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إحسان التعامل مع المال وعلمنا أن الإنسان مسؤول عن المال الذي استودعه الله إياه، واستخلفه عليه فهو يتصرف فيه بالطرق المشروعة من غير إسراف أو تقتير، ملتزما بقول الحق سبحانه: ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً. .
ترف مرفوض
وفي الاعتدال والتوسط الذي علمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم في التعامل مع نعم الله عز وجل تربية نفسية خلقية للمسلم، فليس من خلق المؤمن التوسع الشديد في المآكل والمشارب إلى الحد الذي يجعله من أهل التبذير،
وهذا ما أرشدنا إليه الحق سبحانه في قوله: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وأرشدنا إليه رسولنا الكريم، فلا ينبغي أن يكون المسلم مبذرا سفيها في التعامل مع نعم الله حتى لا يكون في زمرة الذين يأكلون كما تأكل الأنعام.. فواجب المسلم كما علمه الرسول أن يقتصد في تناول طيبات الدنيا، ويجعل بينه وبين الحرام سترا من الحلال. .
تربية اجتماعية
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في ترشيد الانفاق ومواجهة كل مظاهر السفه تربية اجتماعية ترسي قواعد العدالة والتكافل والتراحم بين الناس ذلك أنه مما يزيد بؤس البائسين، ويضاعف ألم الحرمان على المحرومين في المجتمع
أن يروا القادرين يسرفون في الاستمتاع بطيبات الحياة ويهدرون نعم الله وهم لا يجدون ما يسدون به رمقهم، أو يطفئ ظمأهم، ولو استمر هذا الحال تأججت قلوب المحرومين حقدا على المترفين المسرفين وانقسم المجتمع إلى طبقات متناحرة متحاسدة..
وقد قال عمر الفاروق لجابر: ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمه وجاره؟ بمعنى أن يرعى الإنسان في إنفاقه واستهلاكه صلته الإنسانية بالمجتمع، فإن المجتمع ليس إلا جارا وابن عم، قريبا أو بعيدا، ولهؤلاء
احتياجاتهم في السوق، وأكثرهم لا يستطيع مجاراته، فعليه أن يذكر للغريب قرابته، وأن يكف عن إشباع رغباته الاستهلاكية الترفيهية رفقا بجيرانه فيخلي لهم السوق ليجدوا الأسعار في المستوى الذي يناسبهم.
هذه التربية النبوية في ترشيد الاستهلاك ما أحوج المسلمين إليها الآن.. يقول الداعية والفقيه الدكتور يوسف القرضاوي: ليس هناك شيء أعون على غلاء الأسعار، واختفاء السلع من الأسواق وإتاحة الفرصة للمحتكرين والمستغلين من الاستسلام لجموح الرغبة في الشراء والتسابق المجنون على الاستمتاع بأي ثمن كان،
الاعتدال في الإنفاق
وفي ترشيد الاستهلاك والاعتدال في الإنفاق الذي تعلمناه من رسولنا الكريم صلى عليه وسلم تربية اقتصادية ما أحوج الفرد والأمة كلها إليها الآن،
فالإسراف في الاستهلاك يعوق كل المحاولات لزيادة الإنتاج، ويبدد أموالا كثيرة في الكماليات وتوافه الأمور، فضلا عن المحظورات والموبقات.. لكن إذا أصبح الاعتدال في الإنفاق والاقتصاد في الاستهلاك خلقا عاما في الأمة، فهنا تتوافر أموال ضخمة، وتتحول من مجال الإنفاق الاستهلاكي إلى مجال الإنفاق الإنتاجي..
بيت الداء
وفي ترشيد الاستهلاك كما يقول د. أيمن يسري أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بكلية الطب بجامعة القاهرة تربية صحية وجسمانية، فالإسراف في الطعام والشراب يصيب الإنسان بأمراض كثيرة كالتخمة والسمنة وأمراض المعد
والهضم وغيرها، وعلينا أن نلتزم جميعا بقول الحق سبحانه وتعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا وأن نعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء.