فى حديث مع اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخبير الأمني ومكافحة الإرهاب خلال تحليل الغزو الروسى كانت عبارة روسيا تقدم الحرب الهجينة لذلك لزم تحليل معنى الحرب الهجينة، وما تحليل روسيا للحرب الهجينة؟
الحرب الهجينة هى إستراتيجية عسكرية تجمع بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية والحرب السيبرانية. يمكن تعريفها أيضاً بأنها الهجمات التى تستخدم وسائل نووية وبيولوجية وكيميائية والعبوات الناسفة وحرب المعلومات. يمكن إطلاق وصف الحرب الهجينة على الديناميكيات المعقدة فى ساحة المعركة التى تتطلب ردود فعل مرنة ومتكيفة.
كتب رياض قهوجى الرئيس التنفيذى لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكرى، أن حزب الله يعتبر من أنجح القوى التى طبقت الحرب الهجينة بنجاح فى حرب لبنان 2006. وجاء فى مقالته أيضاً إعتماد التنظيم اللبنانى على الأسلحة المضادة للدروع والسفن والصواريخ التى هددت الجبهة الخلفية لإسرائيل ونجحت أدوات الحزب الإعلامية فى تحقيق نصر معنوى على العدو. وأشار كذلك الى تمكن الحزب من إختراق أجهزة الإتصال الت يستخدمها الجيش العبرى والتجسس عليه ومنعه من إختراق صفوفه.
بعد إجتماع لوزراء دفاع دول حلف الناتو فى 201 تحدث أمين عام الحلف يانس ستولتينبرغ عن الحرب الهجينة، مشيراً الى أنها تزاوج أنواع مختلفة من التهديدات، تتضمن إستخدام الوسائل التقليدية والتخريبية والسيبرانية. مشيراً الى أن على أعضاء الحلف العمل معاً لمواجهة الحرب الهجينة التى قد تهدد أحد الأعضاء . وفى تعليق لصحيفة الديلى ميل البريطانية، قال الأمين السابق للحلف أندرس فوغ راسموسن أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خبير فى الحرب الهجينة” وأنه (بوتين) سيحاول التدخل فى البلطيق لإختبار تضامن دول الحلف. ترى روسيا أنها تخوض حرباً هجينة مستمرة ضد الولايات المتحدة، وتسعى لحشد أدواتها العسكرية وغير العسكرية من أجل تحقيق الإنتصارات فى هذه الحرب، حيث تعتبر موسكو أن الحروب الهجينة هى التطور العسكرى المستقبلى والأكثر فعالية، وليست مجرد ظاهرة مؤقتة، فى ظل تراجع الحروب التقليدية نتيجة التغيرات التكنولوجية وتوازنات القوى الإستراتيجية.
فى هذا السياق أصدر معهد دراسة الحرب فى سبتمبر 2020، ورقة بحثية للباحث ماسون كلارك حول الحرب الهجينة الروسية تناول فيها التعامل الروسى مع الحروب الهجينة وكذلك السياسات التى ينبغى على الولايات المتحدة وحلف الناتو إتباعها لفهم السلوك الروسى بشكل أدق ومواجهته. يُعرِّف الجيش الروسى الحرب الهجينة بأنها جهد على المستوى الإستراتيجى لتشكيل الحكم والتوجه الإستراتيجى لدولة مستهدفة وإستخدام مجموعة من الوسائل لتحقيق سياسة الدولة، وتضطلع الحكومة ككل بأنشطة هذه الحرب. وتعتبر موسكو الأزمة الرئاسية الفنزويلية والأزمتين السورية والليبية، وأزمة بيلاروسيا، أمثلة على الحرب الهجينة.
ويقدر الكرملين أن إحتمالية نشوب حرب تقليدية ضد روسيا آخذة فى التناقص وأنه ينبغى على موسكو تحسين قدراتها فى الحروب المختلطة للإستعداد بشكل أفضل للمستقبل.
ومن وجهة النظر الروسية فإن الدول أو الإئتلافات المنتصرة فى الحروب الهجينة تفرض رؤيتها للعالم وقيمها ومصالحها وفهمها للتوزيع العادل للموارد على الدولة المستهدفة. وكذلك تكتسب الحق فى تحديد مستقبل الدولة. ويرى الكرملين أن الولايات المتحدة قادت الغرب فى حرب مختلطة مستمرة ضد روسيا منذ نهاية الحرب الباردة وأنه فى صراع حضارى دفاعى ضد جهود الغرب للسيطرة على العالم. ويجادل المفكرون العسكريون الروس بأن الولايات المتحدة تحاول الإحتفاظ بوضعها أحادى القطبية بأى وسيلة بإستخدام حلف شمال الأطلسى لتعزيز هذه الهيمنة وتقييد موسكو. ويفسرون العولمة بأنها جهد غربى منسق للسيطرة على العالم منذ عام 1991.
وقد تكيّفت الولايات المتحدة مع التكلفة المتزايدة للعمليات التقليدية من خلال تطوير وسائل لتمكين الحروب المختلطة. حيث يعتبر الروس حرب الخليج عام 1991 هى أحدث حرب غربية تقليدية تماماً وأن الغرب يحقق الآن أهدافًاً سياسية من خلال جعل العدو يخضع لإرادته باستخدام أساليب أخرى.
وترى الورقة أن السردية الروسية تخدم المصالح الدعائية للكرملين، وتخطئ فى توصيف نوايا الولايات المتحدة وقدراتها لكنها تشكل التفكير والتخطيط العسكرى الروسى حيث يعتقد الروس حقًّاً أن الغرب يشن حرباً مختلطة ضدهم فى أوكرانيا وليبيا وسوريا وأماكن أخرى. يسعى الكرملين نحو تحسين قدرته على شن حرب هجينة للرد على الحرب الأمريكية الهجينة المتصورة. ويجادل المنظرون الروس بأهمية إجراء تغييرات شاملة للحكومة للتكيف مع هذه الحرب، ومنها:
أولا- تعظيم المركزية: يعطى المنظرون والمحللون العسكريون الروس الأولوية لعملية صنع القرار المركزية بإعتبارها العامل الرئيسى الذى يمكن أن يؤدى الى نجاح الحروب المختلطة. ويؤكدون أن الحرب الهجينة تتطلب تركيز جميع هيئات صنع القرار الروسية المحتملة لتنسيق جهود الحكومة بأكملها. وقد أنشأت روسيا بالفعل مركز التحكم فى الدفاع الوطنى (NDCC) فى ديسمبر 2013 كهيئة مركزية لإدارة السياسة الأمنية الروسية وإستخدمته لإدارة مشاركة موسكو فى الحرب السورية وأزمة القرم. ويربط هذا المركز 73 سلطة تنفيذية إتحادية، و1320 شركة حكومية ومؤسسات دفاعية، فى نظام واحد للتفاعل بين الإدارات. ثانيا- تكامل المؤسسات: يعمل الكرملين على توسيع مجموعة الجهات المشاركة في صيانة الأمن القومى لتشمل المجتمع الروسى بأسره بما فى ذلك المؤسسات الحكومية والتجارية والثقافية والإعلامية.
ثالثا- الوضع الإقتصادى: يسعى الكرملين الى تقليل تآكل الإقتصاد، للإستعداد للحرب الهجينة. وذلك عبر تحسين الظروف الإجتماعية والإقتصادية والحد من الفساد والسيطرة المركزية على الإقتصاد.
رابعا- حملات إعلامية ومجتمعية: يشدد الجيش الروسى على الحاجة الى تحسين قوة الحملات الإعلامية لغرس أيديولوجيا موحدة للتخفيف من آثار التآكل المعلوماتى والأيديولوجى للروس وذلك عبر المنصات الإعلامية التى يديرها الكرملين مثل RT وSputnik، وكذلك عبر المديرية العسكرية السياسية التى أنشأتها وزارة الدفاع فى يوليو 2018 لغرس الأيديولوجيا الموحدة اللآزمة لشن حروب هجينة وخلق قناعة ثابتة فى كل من الجيش والمجتمع حول سبب وجوب خدمتهم لروسيا.
فقد أوصى المخططون العسكريون الروس فى سبتمبر 2017 بأن الأرثوذكسية، ومصالح الدولة والتقاليد العسكرية الوطنية وعلم النفس والثقافة القومية وأموراً أخرى؛ يمكن أن تشكل عقيدة وطنية للدولة فى نظام جديد. وتعمل المديرية مع السكان والشباب من خارج الجيش بإعتبار أن طالب اليوم هو جندى المستقبل.
خامسا- الغطاء الدبلوماسى العسكرى: يجادل المحللون الروس بأن الدول غالباً ما تنشر قوات تقليدية كخطوة ختامية لحرب مختلطة وأن هذه القوات غالباً ما تُستخدم تحت غطاء الأطر القانونية مثل حفظ السلام. ويؤكد الضباط الروس أن موافقة مجلس الأمن الدولى على عمليات حفظ السلام أو عمليات الناتو متعددة الجنسيات هى طرق لتمكين الدول من نشر قوات عسكرية، بغض النظر عن الطبيعة والأسباب المعلنة للإنتشار. ولذلك يعمل الكرملين على دمج الجيش الروسى فى العديد من المنظمات الأمنية الدولية من أجل الحصول على الغطاء الدبلوماسى الذى تعتقد موسكو بأهميته فى إستخدام القوات التقليدية فى الحروب الهجينة.
سادسا- قوات غير حكومية: يعتبر المحللون الروس الجماعات المسلحة والمتمردة والشركات العسكرية الخاصة؛ هى الجهات الرئيسية فى الحروب الهجينة والتى تديرها الدول دائماً تقريباً. ويعطى الكرملين أولوية متزايدة لتوظيف هذه القوات بالوكالة والإستعداد لمكافحتها. ويجادل محللون روس بأن الشركات العسكرية الخاصة مفيدة بسبب إنخفاض تكلفتها وإمكانية إنكارها المتصورة بالنسبة للقوات المسلحة التقليدية. كما تناقش باحثو هيئة الأركان العامة الروسية علناً فى يناير 2015 حول فكرة تحصين الشركات العسكرية الخاصة للسياسة الخارجية للدولة من النقد والقانون الدولى حيث يمكن للدول الرد على أى إنتقاد بالقول إن الدولة لا تتدخل فى الشئون الداخلية للشركات الخاصة وإنكار الصلة الحكومية بالشركات الخاصة.
يري الكاتب أنه يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم وفهم التهديد الروسى، وطبيعة الحروب الهجينة وفقًا للشروط والإستراتيجيات الروسية، وهى خطوة ضرورية لتطوير إستجابات فعالة للحرب الروسية الهجينة. وفى هذا الإطار تقدم الورقة بعض التوصيات، ومن أبرزها:
أولا- فهم الحرب الهجينة الروسية: يجب على الولايات المتحدة تقييم الأهداف الروسية المحتملة. ولذلك لا ينبغى أن تقيد نفسها بمواجهة حروب الكرملين الهجينة الفردية ضد الدول المستهدفة بل أن تفهم أن الروس يخوضون هذه الصراعات فى إطار جهود التغيير الإستراتيجى طويل المدى للدولة المستهدفة. ثانيا- القوات التقليدية: لا تقتصر الحرب الروسية الهجينة على مجالات المعلومات والإنترنت.
فمن الخطأ إعتبار الولايات المتحدة أن مواجهة الحروب المختلطة هى فى الأساس جهد غير عسكرى بل يجب عليها أن تكون مستعدة أيضاً لمواجهة الحروب الروسية الهجينة بالقوات التقليدية. وتعتبر الوحدات العسكرية التقليدية التى تنشرها واشنطن وحلفاؤها ضرورية ولكنها غير كافية لمحاربة الحروب الروسية الهجينة فلا تستطيع ردع العمليات المختلطة أو مكافحتها الا أن هذه القوات يمكن أن تعمل كقاعدة أساسية لمزيد من العلاقات السيبرانية والعسكرية والمدنية والإستخباراتية والتقنية، والعمليات الخاصة التى تعتبر ضرورية فى الحروب المختلطة.
ثالثا- المواجهة العالمية: تركز الولايات المتحدة بشكل طبيعى على التهديد الروسى لحلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسى، ولكن ينبغى الا تغفل طموحات روسيا العالمية. فيجب على السياسة الأمريكية والمجتمع العسكرى زيادة تحليلهما لحروب الكرملين الهجينة خارج أوروبا، بما فى ذلك سوريا وليبيا وفنزويلا. رابعا- تعزيز التنسيق: لا تستطيع الولايات المتحدة تشكيل ردود شاملة على الحرب الروسية الهجينة دون زيادة التنسيق والتخطيط. ويجب أن يضطلع الكونجرس بدور رئيسى فى تسهيل التعاون من خلال لفت الإنتباه الى التهديد الروسى عبر جلسات الإستماع والتشريعات المناسبة.
خامسا- تعزيز الأعراف والمؤسسات الغربية: ينظر الكرملين بشكل أساسى الى حربه المختلطة مع الولايات المتحدة على أنها صراع على المعايير والقيم العالمية ولذلك يجب الا تسمح واشنطن للروس بإساءة إستخدام الأطر والمؤسسات الدولية القائمة لتعزيز حروبها المختلطة مثل السعى الى تسمية قوات التدخل السريع التابعة لها بـ”قوات حفظ السلام.
سادسا- مواءمة السياسات مع الحلفاء: يسعى الكرملين الى إستغلال الإنقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما فى حلف الناتو ولذلك يجب على واشنطن العمل مع حلفائها لمواءمة السياسات تجاه روسيا، وتوحيد الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالردود على الإجراءات الروسية عبر حلف الناتو.
سابعا- الشراكة العسكرية: رغم أن عمليات نشر القوات التقليدية فى أوروبا ضرورية الا أنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إعادة تقييم موقفهم العالمى للإستعداد لمواجهة الجهود الروسية
الهجينة. ولا تحتاج واشنطن الى نشر قواتها العسكرية فى كل مكان تخوض فيه موسكو حرباً هجينة بل عليها إيجاد وتطوير قوات عسكرية حليفة وشريكة لأداء المهام العسكرية الأساسية لمواجهة التهديد العسكرى ومعالجة الجوانب غير العسكرية للحرب المختلطة.
ثامنا- مواجهة الحملات الإعلامية: تعتبر الورقة أن حملة الكرملين الإعلامية هى مركز ثقله فى الحروب الهجينة وأن الولايات المتحدة لا تستطيع الإنتصار إذا خسرت مجال المعلومات. ولذلك تنصح بزيادة قدرات الرسائل المضادة لدحض المعلومات الروسية.
تاسعا- كشف الوكلاء العسكريين: يستخدم الكرملين علناً الشركات العسكرية الخاصة مثل مجموعة فاغنر وغيرها لشن حروبها المختلطة لتفادى خطر الرد العسكرى الغربى الذى من المحتمل أن يقع إذا إستخدم الكرملين القوات التقليدية علانية. لذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها كشف الروابط بين هذه القوات والكرملين وإبراز أنها أدوات مباشرة للسياسة العسكرية الروسية للحد من حرية العمل الروسية.
إجمالاً يجب على صانعى القرار والعسكريين الغربيين دراسة روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين بفهم كامل للنوايا – وليس فقط القدرات- الروسية حيث تعتبر الورقة التحليل الإستخباراتى للقدرات العسكرية الروسية دون تحليل النية الروسية أمراً ذا قيمة ولكنه غالباً ما يكون مضللاً فغالباً ما تحدد التحليلات الغربية القدرات ونقاط الضعف الروسية بشكل صحيح ولكنها لا تتصور كيف ستستخدم روسيا قوتها المحدثة بشكل متزايد بطرق تتفق مع نوايا الكرملين ووجهات نظره بشأن الحرب الهجينة.