مع بداية عام 2022، عرضت على حضراتكم رؤية تحليلية، عن تصور مجريات الأحداث العالمية، في العام الجديد، بدأتها بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية والصين، يليها روسيا، ثم إيران، وانعكاسات ذلك على نمط العلاقات الدولية. واليوم نستكمل سلسلة الرؤى التحليلية، حول اتجاهات مصر في عام 2022، بعدما خطت أولى خطواتها نحو التطوير والتقدم، في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، عندما تخلصت من حكم الإخوان المسلمين، لتنطلق نحو مستقبل مشرق وجديد.
وبنظرة على صعيد الأمن القومي المصري؛ نجد أن مصر مازالت تتصدى لتهديدات من الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة؛ أولهم الاتجاه الشرقي، من ناحية سيناء، باعتبارها بوابة مصر، الرئيسية، عبر الأزمنة والتاريخ، ثم الاتجاه الاستراتيجي الغربي، الاتجاه الليبي، يليهم الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، من جهة السودان ومنابع نهر النيل، ورابعهم الاتجاه الاستراتيجي الشمالي، وهو البحر المتوسط، فمع بداية العام الجديد، سيظل من أولويات الدولة المصرية، استمرار دعم قوتها العسكرية، للأغراض الدفاعية، لتأمين الحدود على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، والاستثمارات في البحر المتوسط، تنفيذاً لاستراتيجيتها الدفاعية، بأن القوة العسكرية هي التي تحقق السلام.
وعلى المستوى السياسي، أتوقع استمرار مصر في انتهاج استراتيجية التوازن السياسي، مع كافة القوى العالمية، خاصة بعد معركة غزة الرابعة، التي أكدت للولايات المتحدة، وغيرها، أن مصر ركيزة الأمن في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وهو التوجه الذي يؤيده نمط العلاقات المصرية مع روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وباقي دول الاتحاد الأوروبي، في ظل ترقب لشكل العلاقات التي ستجمع مصر بألمانيا بعد رحيل ميركل، وتولي المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس. أما العلاقات الثنائية مع الصين، فمن المنتظر استمرار توطيدها في كافة المجالات التجارية والعسكرية والسياسية، دون إحداث خلل في ميزان العلاقات الثنائية مع باقي الدول العظمى.
وعلى المستوى القاري، فلقد انتهجت مصر، منذ تولي الرئيس السيسي، سياسة العودة إلى أفريقيا، وخاصة لمنطقة القرن الأفريقي، أثبتها عملية الاحتواء السياسي لمعظم الدول الأفريقية، الناتج عنها علاقات قوية مع إريتريا، وجيبوتي، التي اختصها السيد الرئيس بزيارته الأفريقية الأولى، لأهميتها الاستراتيجية، فضلاً عن تعزيز العلاقات مع الصومال، ومع تنزانيا في بناء سد جيوليوس نيريري، وكذلك مع كينيا وجنوب السودان، التي تدرس مصر مساعدتها في إنشاء سد جديد. أما السودان، التي تعتبرها مصر امتداداً لأمنها القومي، فتعمل مصر على تهدئة الأوضاع السياسية بها، لتخرج من محنتها الحالية.
وعلى نفس النهج، تعتبر مصر أن أمن واستقرار ليبيا امتداداً لأمنها القومي، لذا لعبت دوراً محورياً وفاعلاً، في دعمها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية، بتقريب وجهات النظر بين قواها القومية المتناحرة، وستستكمل مصر دورها نحو شقيقتها ليبيا، مؤكدة على سيادتها على أراضيها وعلى شأنها الداخلي، وهو ما يستوجب خروج المرتزقة والقوى العسكرية الأجنبية منها، تمهيداً لإجراء انتخابات شرعية، من شأنها إعادة الاستقرار إلى ليبيا. وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات المصرية التركية، إذ لم تمانع في الاستجابة لطلب تركيا بالتقارب، شريطة أن تقوم الأخيرة بسحب قواتها العسكرية من ليبيا، والتوقف عن دعم المرتزقة المتواجدين على أراضيها، وقبل ذلك تسليم مصر المتهمين الصادر عليهم أحكام قضائية، مع ضرورة إيقاف المنصات الإعلامية المعادية لمصر، التي تبثها تركيا.
أما على الصعيد الداخلي فتشهد مصر طفرة عظيمة، نتجت عن القرار الجريء بالإصلاح الاقتصادي، الذي أعاد الاتزان لمصر، وأتاح لها الاستثمار في المشروعات القومية ومشروعات البنية الأساسية، برؤية واضحة، تستهدف الوصول بالبلاد إلى المكانة المُستحقة. فعلى سبيل المثال، تقوم رؤية مصر على أن تنمية سيناء أساساً لتأمينها، ومن هذا المنطلق بدأت الدولة في تنفيذ خطة متكاملة للتنمية، بدأت بربط سيناء بباقي البلاد من خلال خمسة أنفاق لتيسير حركة الاستثمار، وبالتالي توفير فرص العمل المناسبة لأهالي سيناء، مع إقامة مجتمعات عمرانية متكاملة المرافق لتوطين أهل سيناء بها، بدلاً من ترحالهم وراء مصادر المياه، فضلاً عن إنشاء المدارس والجامعات الحديثة بها، لضمان استقرارهم.
واتباعاً لنفس النهج المتكامل، تقوم الدولة المصرية بالاستثمار في كافة الخدمات التي تمس المواطن، سواء بتطوير العملية التعليمية، من خلال تعديل المناهج، ورفع مستوى المعلمين، أو من خلال إنشاء الجامعات الحديثة، في كافة محافظات مصر، بما يواكب متطلبات العصر التكنولوجي. يضاف إلى ذلك الاهتمام بالصحة، من خلال عدد المبادرات التي أطلقها السيد الرئيس لتوفير الرعاية الطبية للمواطن، مثل مبادرة القضاء على فيروس سي، أو مبادرة صحة المرأة، والقضاء على الأمراض المزمنة، يضاف إلى ذلك استحداث منظومة جديدة وفاعلة للتأمين الصحي الشامل، يستفيد بها المواطن، بحق، والتي بدأ تنفيذها تجريبياً في عدد من محافظات مصر، بالتزامن مع إضافة إنجازات جديدة في مجالات الكهرباء والطاقة، والزراعة واستصلاح الأراضي، والتنمية العمرانية.
ولن تكفينا السطور لرصد باقي إنجازات مصر، إلا أنني لا أستطيع أن أنهي مقالي دون الإشادة بأهم المشروعات التي أطلقها السيد الرئيس، وهي مبادرة “حياة كريمة”، التي ستوفر الحياة المُستحقة لأكثر من 60 مليون مواطن، من أهالينا في القرى والنجوع المصرية، تلك المبادرة القائمة على توفير المسكن الملائم، المُجهز بكافة المرافق الأساسية، كالماء والكهرباء والصرف الصحي، فضلاً عن الخدمات التي يفتقر إليها ريف مصر، كالمدارس، والوحدات الصحية، والمراكز الثقافية والرياضية، ليس فقط لأنهم يمثلون نصف أبناء الوطن، ولكن أيضاً، لأن مستقبل مصر مرهون بحاضر أبنائها.
وهكذا تبدأ مصر عامها الجديد 2022، محققة إنجازات عدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، لتكون بحق جمهورية جديدة، لن يتوقف البناء فيها ما دامت الإرادة مخلصة، حتى يتحقق لشعبها الأمن والأمان والرخاء.