كتبت هدي العيسوي قال المفكر حسن إسميك رئيس معهد السلام للدراسات والبحوث في الشرق الأوسط، أنه في الماضي غير البعيد، كان المسلمون والمسيحيون واليهود يمارسون شعائرهم الدينية في المنطقة بحرية مُطلقة، تربط بينهم علاقات إنسانية مشتركة، وقيم وحاجات واحدة، وصداقة وعلاقات جوار، بل ونسب ومصاهرة في بعض الأحيان.
وأشار إسميك، إلى حكاية معروفة عن يتيمين سوريين عاشا في دمشق أواخر القرن التاسع عشر: حيث كان الأول مسلمٌ ضرير يدعى محمد، يحمل على ظهره قزما مسيحياً مشلولاً اسمه سمير، والذي كان بدوره يحذّره من الحفر والعوائق في الطريق، منوها بأن هذان الصديقان عاش معا في غرفة واحدة، وعملا في المكان نفسه، وكان اعتماد كل منهما على صاحبه هو ما ساعدهما على البقاء، لذلك لما توفي أحدهما لحق به الآخر بعد أسبوع واحد فقط، ليس بسبب احتياجه فحسب، بل وبسبب حزنه أيضا. وبعد مضي أكثر من قرن من الزمان، لا يزال الدمشقيون يتذكرون قصتهما كمثال يعتزون به عن التعايش السلمي.
وقال حسن إسميك، إن إمكانية التعايش التي وثقها التاريخ، وأبرزتها حكاية محمد وسمير، تسلط الضوء على تصرفات البعض ممن يزرعون الفُرقة باعتبارها وسيلة تكتيكية لتحقيق غايات سياسية. مشيرا إلي أنه ما زالت هناك فرصة لتحقيق التعايش السلمي في المنطقة؛ فمع أن معظم الناس يظنون أن السلام يبدأ بتوقيع معاهدة بين الأمم المتصارعة، إلا أن الحقيقة الأعمق هي أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يترسخ ويزدهر إلا إذا عادت الشعوب المتحاربة للتعايش مرة أخرى ضمن علاقات إنسانية طبيعية. وبمجرد قبول “العدو” على أنه جار وصديق محتمل، سينعقد السلام بصورة ضمنية قبل أن يوثقه توقيع الدول على الورق.
وحدد إسميك، أربعة عوامل توفّر الأساس للسلام إذا كانت هناك إرادة صادقة لتحقيقه: أولها هو الدين، كون أصل الديانات هو السلام، والديانات الثلاث -الإسلام والمسيحية واليهودية- تدعو صراحة إلى التسامح والعيش المشترك، وقد أثبت التاريخ أن السلام ممكن إذا تمثلنا القيم التي تُعلّمنا إياها أدياننا وعملنا بها في سلوكنا. لذلك يجب علينا فصل الدين عن السياسات التي تكرّسه للتمييز والعداء بغية تحقيق مصالح السياسيين أو فئات بعينها.
ونوه بأن العامل الثاني هو الثقافة والتبادل الثقافي، والذي وسعت اتفاقيات إبراهام للسلام نطاقه وتفاعلاته. فالتبادل الثقافي يتيح لكل طرف التعرف على الآخر خارج المنظور المشوه الذي تقدمه السياسة. كما أنه يمكّننا من الوقوف على القواسم المشتركة التي تجمع بين بني البشر على صعيد إنساني واحد.
تابع: بينما العامل الثالث هو الصحوة بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، تلك الثورات التي كشفت التطلعات الحقيقية للشعوب العربية، ألا وهي الأمن والرخاء والتطور.
وذكر أن العامل الرابع هو الاقتصاد والازدهار المشترك؛ فالمملكة العربية السعودية مثلاً تقود جهوداً كبرى لتحقيق طفرة تنموية إقليمية من خلال رؤية 2030، وهي مشروع يتطلب نجاحه الاستقرار وتبادل المصالح في كلّ بُلدان المنطقة. ولذلك فإنني أدعو الأمير المتطلع للمستقبل بكل شجاعة محمد بن سلمان، والمملكة العربية السعودية بطبيعة الحال، للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام على خطى ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وفي السياق ذاته، قال إنه من المؤكد أن الاستقرار الإقليمي هو أمر حيوي لتعافي سوريا وإعادة إعمارها. لقد سبق لسوريا أن قامت بمحاولات جادة لتحقيق السلام مع جيرانها، كما أن أصحاب القرار في دمشق يعرفون أن الوقت قد حان لاستئناف هذا المسار. إضافة إلى ذلك، يضغط المجتمع الدولي حاليًا على النظام الإيراني، ما يُضعف نفوذه السلبي في المنطقة، ويساعد على استعادة الاستقرار في لبنان وعودته إلى الحظيرة العربية، وهو ما يجب القيام به في أسرع وقت ممكن.
ودعا إسميك، كل الساسة، إلى الكفّ عن صناعة العدو لخدمة سلطتهم واستمرارها، فالدول لا تحتاج إلى عدو لكي تبقى، بل التعايش السلمي هو ما يضمن لها البقاء والنمو والازدهار. كما أدعو الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى إلى زيادة دعمهم للتطور الاقتصادي والديمقراطي في الشرق الأوسط، في وقتٍ يتزايد فيه التدخل الروسي والصيني في المنطقة. ومما لا شك فيه أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب واجه انتقادات شديدة في ذلك الوقت، لكنه أظهر مع ذلك قيادة حقيقية أدت إلى اتفاقيات أبراهام.
ودعا أيضا كل من يعتنق المبادئ والقيم الإنسانية، ويحترمها قولاً وفعلاً، أن يترجم ذلك بالمشاركة في إعادة إعمار مهد الرسل والأنبياء!.