«من جورج الثانى ملك إنجلترا والغال «فرنسا» والسويد والنرويج، إلى الخليفة هشام الثالث فى مملكة الأندلس. بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن العلم العظيم فى بلادكم العامرة، فأردنا نشر العلم فى بلادنا، وقد أرسلنا لكم بعثة من بنات أشراف الإنجليز، وعلى رأس هذه البعثة ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت، ومعها هدية لمقامكم الرفيع أرجو أن تتكرموا بقبولها». كانت الهدية شمعدانات وآنية من الذهب الخالص لا تقدر بثمن.
رد الخليفة: «أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور، وأبعث إليكم بغالى الطنافس الأندلسية، وهى دليل على محبتنا والسلام». تزوجت ثلاث من الفتيات الإنجليزيات من مشاهير رجال الأندلس، وأنجبن علماء، منهم الفلكى المشهور عباس بن مرداس.
هيا بنا فى رحلة عبر الزمن، ركبنا آلة الزمن لصاحبها H.G. Wells ووضعنا المؤشر على القرن الثامن الميلادى، هو ذا جابر بن حيان عالم الكيمياء الذى وضع قواعد المنهج العلمى التجريبى ٧٢٠م، وكان من إيران، انتقلنا للقرن التاسع الميلادى وجدنا الخوارزمى أبوالرياضيات، الذى أدرك قيمة الصفر فى الحساب، كان من خوارزم – خراسان.
أدرنا مؤشر آلة الزمن على القرن العاشر الميلادى، قابلنا الزهراوى أبوالجراحة وصاحب كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف»، وصاحب الآلات الجراحية الجديدة، مات فى قرطبة «الأندلس»، كما قابلنا البيرونى عالم الجغرافيا الفلكية الذى ولد فى بيرون «إيران»، الذى وضع نموذجًا للأرض، وحدد عليه خطوط الطول والعرض، كما قابلنا الفارابى الذى ولد فى فاراب «تركستان» صاحب أضخم كتاب فى الموسيقى، والذى كان يفك الآلة الموسيقية ويركبها ثلاث مرات، فيضحك كل من فى المجلس أولًا، ويبكى كل من فى المجلس ثانيًا، وأخيرًا ينام كل من فى المجلس ثالثًا، يتركهم وينسل خارجًا!!، وأخيرًا قابلنا إخوان الصفا وخلان الوفا. كانوا فى البصرة. هذه الجماعة العلمية الرائعة، حاربوها وقضوا عليها، أخذ الغرب عنها تسمية أيام الأسبوع على أسماء الكواكب، مثل الأحد للشمس Sanday، والاثنين للقمر… إلخ، وقبل أن ندير المؤشر لقرن جديد، لمحنا ابن الهيثم عالم البصريات ٩٦٥م، صاحب فكرة الكاميرا، الخزانة ذات الثقب، الذى كاد أن يقتله الحاكم بأمر الله!. ولد فى البصرة ومات فى القاهرة.
أدرنا المؤشر على القرن الثانى عشر الميلادى، هو ذا ابن رشد، آخر الفلاسفة المسلمين، كاد أن يعدم، أحرقوا كتبه، نفوه إلى أليسانة، أصبحت فى أوروبا مدارس باسمه، وكل جريمته أنه كان يدعو للعقل فى مجتمع شعاره: اترك عقلك وتعال اسمعنى!.
قابلنا ابن البيطار عالم النبات الذى وصف ١٤٠٠ نبات منها ٣٠٠ من اكتشافه، أصبحت كتبه مرجعًا للصيادلة فى علم النباتات الطبية. قابلنا الإدريسى عالم الجغرافيا من صقلية، الذى وضع كرة فضية نموذجًا للأرض، كما ترك لنا ٧٠ خريطة لها.
أدرنا مؤشر آلة الزمن على القرن الثالث عشر، فقابلنا القزوينى من إيران، عالم الجيولوجيا الذى برهن على دوران الأرض قبل كوبرنيكس بثلاثة قرون، قابلنا ابن النفيس ١٢١٣م «دمشق»، وهو الذى اكتشف الدورة الدموية الصغرى «بين القلب والرئتين» قبل وليام هارفى بمئات السنين، رد العالم له اعتباره ١٩٢٤م!. وعند القرن ١٤م وجدنا ابن بطوطة «المغرب»، وابن ماجد، عند القرن ١٥، والأنطاكى عند القرن ١٦، وهو أبوالصيدلة وصاحب تذكرة داوود «ولد فى سوريا واستقر فى مصر». إسكوريدس صاحب كتاب خواص العقاقير «كان مصريًا» عجزوا عن ترجمته فنقلوه إلى بغداد!، عمرت خزائن بغداد بنفائس الإسكندرية «د. نعمت أحمد فؤاد».
ورثت أوروبا عن العلماء المسلمين الروح العلمية فى التفكير، ويقول العالم رينان: دانتى مدين لأبى العلاء فى الكوميديا الإلهية، وسان توما الإكوينى مدين بفلسفته لابن رشد، وألبرت الكبير مدين لابن سينا فى كل شىء!.
كانت إنجلترا ترسل لمصر البعثات لتعلم فن الصاغة، فى ١٦٤٠م صنع المصريون أجمل تاج يوضع على رؤوس ملوك وملكات إنجلترا حتى الآن!. ما نأخذه اليوم من الغرب، إنما هو دين قديم تأخر سداده قرونًا عديدة، وما نأخذه جزء صغير مما أعطيناه لهم، نورا وعلما ومعرفة.