اليوم نستكمل الرؤية التحليلية لتوقعات أحداث عام 2022، من حيث الصراعات والتوترات المنتظرة. فسبق أن استعرضنا، في المقالين السابقين، سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع كل من الصين وروسيا، واليوم نستكمل تحليلاتنا، برؤية مستقبلية عن سياسة الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل … وعندما نبدأ بإيران، نؤكد على معاداة المجتمع الدولي لها، نتيجة إصرارها على امتلاك السلاح النووي، بتخصيب اليورانيوم، لإنتاج قنبلتها النووية، وهو ما تصدت له جميع الدول، حتى أخضعت إيران لتوقيع اتفاق 5+1، في عام 2015، والذي يمنعها من إنتاج القنبلة النووية، إلا أنه بوصول الرئيس الأمريكي، السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، اتخذ قراراً بانسحاب بلاده من هذه الاتفاقية، بل وأعاد فرض عقوباته الاقتصادية على إيران. وتذرعاً بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، قررت إيران اعتبار ذلك الاتفاق لاغي، واستأنفت نشاطها في تخصيب اليورانيوم، وعطلت عمل وكالة الطاقة النووية في مراقبة النشاط النووي الإيراني.
ومع تولي الرئيس، الحالي، جو بايدن، أعلن عن رغبة الولايات المتحدة في العودة للاتفاق السابق، لمنع إيران من إنتاج السلاح النووي إلا أن إيران أعلنت عدم عودتها للاتفاق، إلا بعد رفع كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من الولايات المتحدة الأمريكية، والإفراج عن كافة الأرصدة الإيرانية الموجودة في الخارج. وبدأت المفاوضات تتعثر، مرة أخرى، في فيينا، أمام تمسك إيران برفع العقوبات، مقابل إصرار الولايات المتحدة على توقيع إيران على الاتفاق أولاً. وقد يبدو ذلك هو المشكلة الرئيسية، بين إيران والولايات المتحدة، إلا أن الحقيقة تنطوي على تفاصيل إضافية، أهمها تصميم الولايات المتحدة على إضافة بنود جديدة للاتفاق، قبل توقيعه، منها تقليص قدرة إيران على تطوير الصواريخ الباليستية، خاصة وأن الصواريخ الإيرانية تمتلك، حالياً، القدرة على الوصول لليونان، على الحدود الجنوبية لأوروبا، وفي حالة زيادة قدرة ومدى صواريخها الباليستية، فستتمكن من تهديد أوروبا بالكامل، وهو ما ترفضه، بالطبع، الولايات المتحدة، وكل الدول الأوروبية.
أما المشكلة الثالثة، فتتمثل في البند الجديد، الذي تفرضه الولايات المتحدة، على إيران، في الاتفاق الجديد، والقاضي بضرورة إيقاف أنشطتها في المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بدعم حزب الله، كأحد أذرعتها العسكرية، سواء في قطاع غزة، بدعم حركة حماس، لتهديد إسرائيل، أو في لبنان، بالسيطرة على مفاصل الدولة، وما لذلك من انعكاسات مباشرة على أمن واستقرار إسرائيل، وهو ما يشكل أولوية قصوى للولايات المتحدة، في المنطقة. فضلاً عن ميليشيات حزب الله الموالية لإيران في سوريا، ومليشيات الحشد في العراق، التي لازالت تهدد أمن العراق، بل وتهدد الوجود الأمريكي العسكري في العراق. يضاف إليهم الذراع الإيراني الرابع في المنطقة، وهي عناصر الحوثيين، التي تسيطر على اليمن، وأصبحت تهدد السعودية، يومياً، بالصواريخ والطائرات المسيرة بدون طيار، بل وأصبحت تهدد الملاحة في مضيق باب المندب.
ومع امتداد نفوذ تلك الميليشيات الإيرانية، وتهديدها لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، تصر الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها، على ضرورة توقف إيران عن دعم هذه العناصر بالكامل، وهو الصراع الذي انضم إليه دول مجلس التعاون الخليجي، تترأسهم المملكة العربية السعودية، التي تصر على ضرورة تواجد دول مجلس التعاون الخليجي، في مباحثات فيينا، باعتبارها مسألة أمن قومي لدول الخليج، يستلزم أن يكون لممثليهم رأي مباشر في الاتفاق المقرر إبرامه مع إيران، وتصويباً للوضع السابق، عندما لم تنضم دول مجلس التعاون الخليجي للاتفاق السابق. وفي المقابل تصر إيران على قصر مباحثات فيينا على السلاح النووي، فقط، وترفض رفضاً تاماً مناقشة البنود الإضافية، التي تفرضها الولايات المتحدة، سواء تطوير الصواريخ الباليستية، أو دعم الميليشيات التابعة لحزب الله، وللحشد الشعبي، والحوثيون، وحماس، باعتباره، من وجهة نظرها، شأن داخلي، لا علاقة له بالقوى النووية الإيرانية. ومن وجهة النظر الاستراتيجية، فإن تعثر مفاوضات فيينا يرجع لرغبة إيران في كسب مزيد من الوقت، للوصول إلى أقصى نتائج في عمليات تخصيب اليورانيوم، لتعزيز موقفها في المفاوضات، وتحسباً لتلك الاحتمالية، فقد أعلن البيت الأبيض، أن مفاوضات فيينا قد تكون الفرصة الأخيرة لإيران لحل الأمر من خلال التفاوض، خاصة وأن الرئيس جو بايدن قد كلف مجلس الأمن القومي بوضع خيارات بديلة، في حال فشل مفاوضات فيينا.
وارتباطاً بالسلاح النووي الإيراني، وما يمثله من تهديد لأمن إسرائيل، فإنه قد يجرف المنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية، في ظل استمرار التصريحات الإسرائيلية بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، الأمر الذي وصل للتهديد باستخدام قوتها العسكرية لتدمير المنشآت النووية في إيران، وهو ما سبق وأن منعه الرئيس الأمريكي الأسبق، أوباما. إلا أن إسرائيل تلوح، حالياً، بقرب شن ضربة وقائية ضد إيران، وتحاول قبلها، أن تضمن مساندة الولايات المتحدة لها، حال القيام بعمل عسكري، في ظل تشابك الموقف، فلن يقتصر الرد عليها من إيران، بل ستواجه إسرائيل، حينها، جبهات عدة، إذ ستستخدم إيران أذرعتها في المنطقة، في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة.
والحقيقة أن الأمر معقد، وتتشابك فيه الخيوط، وتختلط فيه المصالح …. وسنراقب في الأيام القليلة القادمة، من العام الجديد، مدى قدرة مفاوضات فيينا على كبح جماح إيران النووي، والسيطرة على إمكاناتها من الصواريخ الباليستية، ومنعها من دعم أذرعها القتالية في المنطقة … وحينها سيجمعنا مقال جديد، بإذن الله، نستعرض خلاله تحليل لما ستصل إلى نتائج المباحثات.