نشرت صحفية جورزاليم الإسرائيلية للكاتب حسن إسميك مقالا تحت عنوان “التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، تناول المقال المنشور باللغة الإنجليزية تاريخ دعم الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للجماعات، والتنظيمات الإرهابية في عدد كبير من الدول العربية.
وقال كاتب المقال، إن شعوب المنطقة كانت تتوقع من أمريكا دعمَ ديمقراطية حقيقية تقودهم إلى برّ الأمان بعد عقود من الحروب والصراعات والدمار، مشيرا إلى أن أمريكا وأوروبا هم من يحملوا في أيديهم مفاتيح السلام وبناء الأمة الديمقراطية التي سيكون لها تأثير كبير على تعزيز قوتهما وأمنهما دون الاضطرار إلى خوض الحروب أو الاعتماد على الميليشيات التي لا تتحدث إلا لغة العنف والإقصاء.
ونوه إسميك، بأن أكبر دعم يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا للمنطقة إحياء الفكرة التي اقتُرحت لأول مرة في عام 2017: وهي إنشاء تحالف عربي في الشرق الأوسط يشمل دول مجلس التعاون الخليجي الستة (الإمارات، والسعودية، والكويت، والبحرين، وعُمان، وقطر) بالإضافة إلى مصر والأردن وكل الدول العربية الأخرى التي تهتم لمصالح بلدانها ومواطنيها، مهمته حماية الشعوب والشرائع السماوية من خطر التنظيمات الردكالية التي تريد العودة إلى زمن الخلافة.
وأشار إسميك، إلى أن القوات المشتركة لـ “الناتو العربي”، سيكون إلى جانب الدعم الأمريكي والأوروبي، الحل الأنجع لإنهاء دور الميليشيات المسلحة، ومن ثم السماح للعالم العربي بالتركيز على بناء وطنٍ آمنٍ لشعوبه كي تعيش في سلامٍ كاملٍ مع جميع جيرانهم.
وشدد المقال على أننا نحن العرب رفضنا التنظيمات الردكالية؛ ورفضنا رهان أمريكا بأن هذه الحركات، والميليشيات المسلحة التابعة لها، يمكن أن تكون في يوم من الأيام حليفا بديلاً عن الأنظمة الاستبدادية القائمة؛ مبينا أنه قد ثبت ذلك بشكل قاطع خلال “الثورة الثانية” التي أطلقها التونسيون مع رئيسهم، قيس سعيد، ضد حكومة الإخوان المسلمين برئاسة راشد الغنوشي الذي حاول خداع العالم بأن حزبه كيان مدني غير مؤدلج دينيا؛في حين أن العكس هو الصحيح، فقد استخدم الإخوان الإسلام لإعلان الخلافة بعد أن عززوا أسسها واستولوا على الدولة، قائلا: “نشكر الله على فشل الإخوان في السيطرة على تونس كما فشلوا في السابق في مصر وليبيا والجزائر والمغرب والأردن ودول أخرى في المنطقة”.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا ساعدتا الميليشيات المسلحة على الازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولذلك يمكنهما المساعدة في تشكيل ناتو عربي لهزيمتها؛ منوها بأنه حين غزت طالبان أفغانستان بيسر وسهولة تحت أنظار القوات الأمريكية والدولية، كان أحد الدروس المستفادة هو أن الحرب في المنطقة لم تعد تُشن بين دولة قومية وأخرى، بل بين الدول والجماعات المسلحة، أو الميليشيات التي لا تخضع لسلطة الدول ولا للقانون الدولي.
وذكر إسميك؛ أن إيران مسؤولة عن سلوك عدد كبير من الجماعات المسلحة، في العديد من الدول العربية، تأتمر بأوامر ضباط “فيلق القدس” الإيراني بشكل مباشر، والذي يمثل ذراع الحرب غير التقليدية بقيادة المخابرات العسكرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي الذي تخضع له الميليشيات المتحالفة مع إيران في الخارج.
وبحسب التقارير الاستخباراتية الأمريكية، تشمل هذه الميليشيات الحشد الشعبي لكتائب حزب الله، وكتائب الإمام علي، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحق في العراق، وأنصار الله (الحوثيون) في اليمن، وحزب الله في لبنان، ولواء فاطميون في سورية، وغيرها الكثير.
وأكد إسميك، أن هذه جميعها أمثلة قليلة على التنظيمات المسلحة التابعة لإيران، والأخطر من ذلك أن قادة هذه التنظيمات أنفسهم، يتحولون مع مرور الوقت من أعضاء عصابات إلى سياسيين رجال دولة، فيسيطرون على القرارات الوطنية المتعلقة فيمن هو الصديق ومن هو العدو، بل وفي كثيرٍ من الحالات يكون لهم قرار الحرب أو السلام.
استطرد: وقد أدت سيطرة إيران على هذه الجماعات، والقوة التي اكتسبتها من خلال الاستخدام المكثف لتلك السيطرة، دوراً حاسماً في تشكيل علاقاتها الدولية؛ فمنذ أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، أعادت طهران فتح القنوات الدبلوماسية مع كل من واشنطن والرياض. وببساطة، أصبح النجاح المتزايد والخطير الذي تحققه هذه الجماعات المسلحة من غير الدول هو الأساس الذي سيتحدد بناء عليه مستقبل العالم بأسره.
وأوضح أن تورط الغرب مع الجماعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدأ منذ العام 1928، وذلك عندما تبرعت بريطانيا بمبلغ 500 جنيه استرليني لحسن البنا بعد وقت قصير من قيام المعلم المصري بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين. ثم توسعت الجماعة بصورة مطّردة في خمسينيات القرن العشرين عندما دعم الغرب عموماً، والمخابرات الأمريكية والبريطانية بشكل خاص، جماعة الإخوان في مصر باعتبارها قوة معادلة للتيار القومي بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وأكد أن تنظيم القاعدة في أفغانستان، يقدم ثاني أوضح تطور لولادة الجماعات المسلحة من غير الدول كما نعرفها اليوم. إذ أنه ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وطوال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، كانت الولايات المتحدة حريصة على ترسيخ نفسها كزعيم مهيمن في الشؤون العالمية، ووجدت في الصراع المستمر في الثمانينيات بين مجموعة من الأفغان المدعومين من السوفييت والجماعات الجهادية الإسلامية في أفغانستان أرضا خصبة لإدارة هيمنتها. وعندما قررت الولايات المتحدة، بناءً على معلومات استخباراتية باكستانية، دعم الجماعات الجهادية سراً من خلال تزوديها بأسلحة تبلغ قيمتها ملياري دولار (مفترضة بذلك تجنب تكرار تجربتها الفاشلة في فيتنام)، ارتكبت واشنطن واحداً من أكبر الأخطاء في تاريخها.
تابع: ربما ينبغي التذكير أنه كان من بين هؤلاء المجاهدين شابٌّ سعودي يدعى أسامة بن لادن، ورث ثروة وفرت له المال والسلاح والمقاتلين. وعندما اندلع الاقتتال الشرس بين الفصائل الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة بعد انسحاب السوفييت، حلّ الملا محمد عمر الصراع بين الفصائل من خلال تنظيم حركة مسلحة جديدة تدعمها باكستان، هي الحركة التي نعرفها اليوم باسم “طالبان”. وبعد أن أنفقت الولايات المتحدة ملياري دولار للمساعدة في تعزيز طالبان، عادت فاضطرت إلى إنفاق بضع تريليونات لمحاربتها. والأسوأ من ذلك، هاجم المسلحون المرتبطون بتنظيم القاعدة أمريكا في 11 سبتمبر 2001، ما أسفر عن مقتل قرابة 3 آلاف شخص بعد اختطاف أربع طائرات ركاب أمريكية بهدف تدمير مباني التجارة العالمية في مدينة نيويورك، واستهداف مبنى الكابيتول الأمريكي في واشنطن.
فماذا كان رد أمريكا؟
قامت بشن الحرب على الجماعات المسلحة التي ساعدت هي في تأسيسها وتبني سياساتها، الأمر الذي فاقم المشكلة وأسهم في تعقيدها. إذ لم تؤد الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق إلا لزيادة المظالم الشعبية في المنطقة، ما سمح للتنظيمات الإرهابية بالترويج لنفسها على أسس دينية باعتبارها “المخلص” الوحيد القادر على مواجهة الأنظمة الفاسدة والقمعية من جهة، ومواجهة “المحتلين الأجانب” من جهة ثانية. فانتشر تنظيم القاعدة في العراق، وانتقل إلى سورية بعد ثورات “الربيع العربي” التي قامت ضد الفساد والأوضاع الاقتصادية السيئة في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وبين أن هناك تأثير سلبي أحدثته السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً، وفي العراق بشكل خاص، يتجاوز قضية انقلاب هذه التنظيمات المسلحة على الغرب إلى تشكيل تنظيمات جديدة لم يكن لأمريكا دور في تأسيسها، وحزب الله أكبر مثال على ذلك. فقبل انسحاب سورية من لبنان عام 2005 بسبب الضغط الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كان الجيش السوري مسؤولاً عن الأمن في الساحة اللبنانية. أما بعد أن غادرت سورية لبنان بمباركة أميركية وفرنسية، بدأ حزب الله -الذي يعمل لصالح إيران- يزداد قوة جرّاء انهيار سلطة الدولة ومؤسساتها. وليست حرب يوليو/ تموز 2006 مع لبنان إلا هدية عظيمة من الدولة الإسرائيلية لحزب الله. فرغم دمار وطنهم وانهيار مؤسساته وتهجير ما يقرب من مليون مواطن، أعلن اللبنانيون أن حزب الله هو المدافع الوحيد عن الوطن، وهكذا استطاع الحزب فرض طريق المفاوضات على القوى العظمى (وإن بشكل غير مباشر) وترسيخ قوته في لبنان.
وأكد أنه بفشل الولايات المتحدة في اتخاذ أي إجراء للحد من قوة هذه التنظيمات، تساهم الولايات المتحدة اليوم؛ في نموها وزيادة نفوذها، وبالتالي تغذي انتشار أدوارها المزعزعة للاستقرار، وأوضح مثال على ذلك ما نجده في مفاوضات الاتفاق النووي بين واشنطن وإيران، إذ إن محاولات إدارة بايدن اليائسة للعودة إلى هذه الصفقة، وحجم التنازلات التي قدمتها إدارته، ستؤدي بالضرورة إلى ترسيخ الوجود المسلح لإيران في دول المنطقة عبر شبكتها من الميليشيات.
تابع: ويبدو هذا واضحاً على نحوٍ خاص في حالة حماس، الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، والمستعدة دائماً لإشعال الحرب في تلك المناطق متى كان ذلك مناسباً لإيران، أو كلما احتاجت إيران إلى بعض النفوذ في التفاوض مع أمريكا مثلما حدث مؤخراً.
والمثال الآخر هو اتفاقية السلام التي وقعتها أمريكا مع طالبان في أفغانستان، والتي شارك العشرات من المسؤولين الأجانب، بينهم وزير الخارجية التركي، في مراسم توقيعها في العاصمة القطرية الدوحة في فبراير 2020. ما حصل حينها أنه وبمباركة الدول الغربية العظمى، تحولت طالبان “بجرة قلم”، وبعد تسع سنوات من كونها منظمة إرهابية، إلى كيان سياسي جدير بالثقة للتوقيع على معاهدة للسلام!. كما تلوح في الأفق اتفاقيات مماثلة مع تنظيمات مماثلة مستقبلاً في اليمن، لا سيما بعد أن رفعت إدارة بايدن جماعة الحوثي من لائحة العقوبات، وألغت تصنيفها باعتبارها منظمة إرهابية، دون أن تطلب منها حتى التوقف عن ترديد شعاراتها الإيرانية الصنع: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”، والتي تنادي أيضاً بالموت لإخوانهم السعوديين والإماراتيين والعرب. ومن شأن هذه الإجراءات أن تزيد من نفوذ الحوثيين في الشأن اليمني، وأن تسمح للدول الأخرى بالنظر إليهم على أنهم متساوين معهم، لا وفقا لحقيقتهم كتنظيم إرهابي.
ونوه بأنه على المنوال ذاته تجري الأمور في العراق، إذ يزداد نفوذ الميليشيات المسلحة الموالية لإيران وسعيها إلى فرض حكمها وتأمين سيطرة إيرانية أقوى في المنطقة، رغم أن الهدف الأول لتأسيس قوات الحشد الشعبي وسرايا السلام -التي تُعدّ إحدى أكبر الجماعات شبه العسكرية في العراق بقيادة مقتدى الصدر- كان لأجل المشاركة في محاربة تنظيم داعش على الأرض العراقية إلى جانب القوات الأمريكية. لكن وكما جرت عليه العادة، انقلب السحر على الساحر، فتحولت الميليشيات المسلحة إلى قوة سياسية وبرلمانية تدعم مصالح طهران، ووجهت سرايا السلام بنادقها نحو القوات الأمريكية. ومع أن الصدر -الذي بات حزبه السياسي يقود أكبر كتلة في البرلمان العراقي بعد الانتخابات العامة التي جرت في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي – كان قد التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان -الذي يعدّ واحداً من أبرز منتقدي إيران في المنطقة- أثناء زيارته إلى السعودية عام 2017، إلا أنه سافر إلى طهران أيضاً في عام 2019 للقاء المرشد الأعلى خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومرة أخرى في عام 2020 للقاء قادة الميليشيات الشيعية العراقية على الأراضي الإيرانية!.
وأكد أنه سيكون من الحكمة أن تعيد واشنطن ولندن تقييم الدور العالمي لهما، وكيف ينعكس عدم الاستقرار الذي تسببت به سياساتهما السابقة في هذه المنطقة عليهما بشكل مباشر. ورغم الجهود المستمرة التي تبذلها الولايات المتحدة وبريطانيا لاسترضاء حركات الإسلام السياسي، لن تبقى أي منهما في مأمن من العنف المختبئ داخل هذه الحركات التي لا تحترم مبادئ الإسلام الحقيقي ولا قيمه. لا تخطئوا، فهذه الحركات تحتقر قيم الديمقراطية والحرية التي يعتنقها كثير من العرب، وأنا منهم، أؤمن بها وأتعلم منها وأدافع عنها بشكل يومي.