تظل أزمة نتائج الانتخابات العراقية قائمة رغم إعلان المفوضية العليا للانتخابات الانتهاء من إجراءات النظر في الطعون وفرزها يدويا ومطابقة تدقيق جميع أوراق الاقتراع في المحطات المطعون فيها باستثناء الأوراق الباطلة التي رفعت إلى الهيئة القضائية للبت فيها وهو الأمر الذي دفع بعض السياسيين لطرح مبادرات لإخراج العراق من مرحلة عنق الزجاجة.
وتعد مبادرة عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة (تحالف قوى الدولة) الخاسر للانتخابات أولى المبادرات المقدمة بهدف توزيع المناصب في الحكومة والبرلمان بين كافة التيارات السياسية العراقية.
وطالب الحكيم من مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق جميع القوى السياسية المتقبلة للنتائج والرافضة لها والتيارات السياسية الكبرى والناشئة والمستقلة بوضع صيغة تفاهم لإعادة التوازن للعملية السياسية وفقا لاتفاق وطني جامع بآليات وتوقيتات محددة.
وقال الحكيم إن المبادرة بحاجة لوعي وتضحية من جانب كافة الأطراف من دون الإضرار بحق الفائزين أو القفز على مطالب الخاسرين من أجل تجاوز حالة الاحتقان السياسي الراهن مشددا على أهمية الالتزام بآليات الاعتراض السلمية والحوار الوطني المستقل دون التدخلات الخارجية بكافة أنواعها وأطرافها مع وضع معايير واضحة لحل الخلافات المتوقعة أثناء وبعد تشكيل الحكومة.وتنص المبادرة على تقسيم الأدوار بين الحكومة والبرلمان بحيث يحظى المتصدرون في الانتخابات بالحكومة والخاسرون بالبرلمان، مع التصويت على ورقة الاتفاق الوطني كأول قرار برلماني في جلسته الرسمية الأولى.
وأشارت مصادر عراقية إلى أن الورقة تتضمن إلغاء قانون الانتخابات الحالي وحل مفوضية الانتخابات مع إجراء انتخابات مبكرة بعد عامين واختيار رئيس حكومة توافقي وعدم المساس بالحشد الشعبي الذي خسر الانتخابات.
وشدد الرئيس العراقي برهم صالح على أن بلاده تشهد منعطفا حاسما للاعتراض على نتائج الانتخابات معربا عن أمله في خروج النتائج مقبولة قانونيا ودستوريا لإعادة ترتيب وتشكيل حكومات فاعلة تلبي تطلعات العراقيين.
ويرى مراقبون أن بنود المبادرة تميل لصالح التيارات المعترضة على نتائج الانتخابات خاصة أنها مقدمة من قبل الحكيم أحد ممثلي الإطار التنسيقي الذي يضم التيارات الشيعية الخاسرة في الانتخابات مؤكدين على تعقد المشهد مع اقتراب حسم الاعتراضات على النتائج.
وتباينت ردود الفعل بشأن المبادرة حيث طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الفائز بالانتخابات القوى السياسية بالانتظار لقرار المحكمة الاتحادية المتعلق بالنتائج والانطلاق من بعدها في أطر وحلول دستورية من دون النظر لمبادرات فردية تعرقل مسيرة العملية السياسية وتشكيل حكومة أغلبية وطنية مؤكدا على أن العراق أمام خيارين: حكومة وحدة وطنية أو معارضة وطنية وعلى الراغبين في المشاركة محاسبة المنتمين لهم من الفاسدين.
بينما أكد رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أن تشكيل الحكومة لا يمكن أن يتم من دون توافق وطني وأعلنت قوى في الإطار التنسيقي ترحيبها بالمبادرة استنادا على أنها مخرج من الأزمة الراهنة.
وفي الوقت نفسه لم تتبنّ القوى السنية والأحزاب الكردية أي موقف نحو مقترح الحكيم انتظارا لقرار المحكمة والمفاوضات المستمرة لتشكيل الحكومة المقبلة بقيادة الصدر ويعتبر الباحث السياسي الاقتصادي العراقي نبيل جبار العلي أن مبادرة الحكيم إعادة لتوافقات سابقة بين القوى السياسية كمحاولة لإرضاء الجميع، بغض النظر عن نتائج الاستحقاق الانتخابي الأخير مما يجعل الحكومة المقبلة نموذجا مقاربا للحكومات المشكلة بعد عام 2003 وهو الأمر الذي يرفضه الشارع العراقي والتيار الصدري المتصدر للانتخابات ويتوافق مع الإطار التنسيقي الشيعي الذي ينظر للعملية الانتخابية على أنها مزورة.
ويوضح العلي في حديث أن الأزمة الحالية هي أكثر عمقا من قضية محاصصة المناصب الحكومية وربما تتعلق بأزمة ثقة بين مكونات البيت السياسي الشيعي مشيرا إلى أن تطورات الأحداث في السنة الأخيرة هو استهداف كل طرف للآخر، لذا يصعب تنازل أحد الأطراف عن دفة السلطة.
ويرى أستاذ الإعلام الدولي في الجامعة العراقية فاضل البدراني أن المقترح جاء نتيجة قراءة دقيقة لزعيم تيار الحكمة للمشهد العراقي والمزاج السياسي لجميع التيارات السياسية وطبيعة الإشكالية العراقية التي تشوب العملية السياسية وتشكيل الحكومات منذ 18 عاما.
ويؤكد البدراني أن الحل الوحيد الذي تركن له كافة الكتل السياسية هو إشراك الرابح والخاسر في الحكومة المقبلة من دون إقصاء أحد ومراعاة أن تكون نسبة تمثيل القوى الرابحة في الحكومة أكثر من باقي القوى السياسية. كما يرجح المحلل السياسي العراقي صالح لفتة أن مبادرة الحكيم ستصبح جزءا من الحل أو بداية لحلحلة المشهد الراهن المعقد كونها المبادرة السياسية الأولى التي تطرح من قبل شخصية معتدلة تتمتع بقبول ولها صوت مسموع من كافة المكونات والكتل العراقية.
ويؤكد لفتة في حديث أن المبادرة هي الأنسب للوصول إلى توافق بين جميع التحالفات وتجنيب العراق سيناريوهات سيئة في حال انفراد أي كتلة بالحكومة مشددا على أن الجميع لن يقبل بتمثيل المعارضة مما يؤكد على أن الحكومة المقبلة لن تشكل إلا عبر تلك المبادرات التي تدعو جميع الأطراف للمشاركة في القرار السياسي والحكومي.
وخلص اجتماع صالح مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان الخميس إلى أهمية توحيد الصفوف والحوار وحماية المسار الديمقراطي والتأكيد على حسم الشكاوى والطعون الانتخابية وفقا للقانون بما يعزز الثقة في العملية الانتخابية وأن تكون مخرجاتها قانونية ودستورية.
كما تضمن الاجتماع طرح مبادرة تنص على مبادئ أساسية لحل الوضع الحالي والانطلاق لتشكيل حكومة فاعلة تحمي المصالح العليا للبلاد وتستجيب للتحديات والاستحقاقات الوطنية.