المناظره التي اشار لها الرئيس السيسي في الندوة التثقيفية الاخيرة متتابع، بين اللواءاح دكتور سمير فرج و بين اريل شارون جنرال اسرائيلى قائد عملية الغزالة
ورئيس وزراء إسرائيل السابق والتي نظمتها قناة ال BBC
على لسان اللواء سمير فرج / من مقاله في المصري اليوم “مناظرتي مع الجنرال قامت قناة BBC البريطانية عام 1975 بدعوتي لعمل مناظرة علمية مع الجنرال الإسرائيلي شارون قائد القوات الإسرائيلية في معركة ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس.
وقام بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة من المعهد للدراسات الإستراتيجية في لندن The International Institute for Strategic Studies أو IISS، حيث كان هذا المركز يجمع خيرة الباحثين العسكريين في مجال الإستراتيجية والأمن القومي في العالم. وكانت إصداراته السنوية من المراجع العلمية يعتمد عليها الباحثين العسكريين في العالم كله. وكنت في هذا العام طالب في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا، وهى كلية من أعرق وأقدم كليات القادة والأركان في العالم. وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويس عام 1956. وبعد عشرين عاماً كنت أول دارس مصري يلتحق بهذه الكلية لمدة عام كامل. وكان الجنرال آرييل شارون أيضاً من خريجي هذه الكلية مع إسحاق رابين وبن إليعازر وتال وجونين وغيرهم من القادة العسكريين في إسرائيل.
ولقد استمرت المناظرة بيننا لمدة ساعة ونصف على الهواء مباشرة.. تضمنت الساعة الأولى تسجيلات خارجية معي ومع الجنرال شارون، عرضت فيها خطة القوات المصرية في اقتحام قناة السويس، وكيف نجح الجيش المصري في اقتحام أكبر مانع مائي في التاريخ وسقوط خط بارليف. وقد ركزت على أن يكون عرض التخطيط المصري وإدارة القتال لحرب أكتوبر 1973 متسماً بالوضوح والدقة والصدق.. معتمداً على النجاح الأسطوري من وجهة نظر كل المراكز والمؤسسات العسكرية في العالم لما قام به الجيش المصري في مجال الفكر والتخطيط وإدارة العمليات العسكرية على ضفاف قناة السويس. على الرغم من أن كل تقارير معاهد الدراسات الإستراتيجية قبل أكتوبر كانت تؤكد استحالة قيام مصر بأى عمل عسكري شامل وخاصة اقتحام أكبر وأقوى مانع في التاريخ. وعندما بدأت بشرح خطة العبور المصرية واقتحام خط بارليف.. ركزت تماما على أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة كان تخطيطاً مصرياً خالصاً نابعاً عن الفكر العسكري المصري. وأنه قد تم بعد خبرات طويلة في حرب الاستنزاف وتدريبات شاقة على عمليات العبور في دلتا نهر النيل لمدة 5 سنوات كاملة من عمر حرب الاستنزاف بعد أن استكمل الجيش المصري معداته وأسلحته التي فقدها في حرب 1967.
ولقد جاء السؤال سريعاً ومباغتاً من أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية على الهواء مباشرة.. كيف كان التخطيط مصرياً والذى رأيناه أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية كالمهمة المباشرة والمهمة التالية؟ ولحسن الحظ عرضت محطة BBC صورة لميدان القتال – اعتبرته انفرادا في هذا الوقت – وقد حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك أشرت إلى الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبرى من فرق المشاة المصرية الخمس، وأوضحت لهم أن هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبرى لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية، وإنما تم التخطيط لها على أساس مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوى غرب القناة. فهناك بطاريات للصواريخ في الأمام وأخرى في الخلف اختلفت مواقعها حسب طبيعة الأرض في البر الغربي. الأمر الذي أدى إلى ألا تتعدى القوات المصرية في رأس الكوبرى خط حماية حائط الصواريخ، مما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائياً بأى أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبري المصرية شرق قناة السويس. وكان خير دليل على ذلك الأوامر الصريحة الواضحة التي صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم 6 أكتوبر فور عبور قواتنا قناة السويس بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلومترا.. والتي كانت بالطبع مسافة عمل وتغطية حائط الصواريخ المصري. ومن هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي «قواته الجوية» من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وانشاء رؤوس الكباري. وهو ما قال عنه الخبراء العسكريون في العالم آنذاك أن المصريين قد طبقوا مبدأ جديداً في أشكال عمليات القوات الجوية وهو تحييد القوات الجوية المعادية «Neutralizing Enemy Air Force»، وهو أسلوب لم يكن مطبقاً من قبل.
ولقد عرضت خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل، وكيف أن القوات المسلحة المصرية اقتحمت قناة السويس بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة، وأن ذلك القرار أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية، حيث وقفت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عاجزة عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رؤوس الكباري المصرية في انتظار تحديد المجهود الرئيسي لهذه القوات، وذلك طبقاً لخطة الدفاع المتحرك التي كانت إسرائيل تطبقها للدفاع عن سيناء. وأشرت إلى أن خطة الدفاع الإسرائيلية التي اعتمدت على نقاط خط بارليف القوية ومعها احتياطيات على أعماق متعددة قد فقدت الاتزان الدفاعي ووقفت عاجزة أمام مفاجأة هجوم الخمس فرق على مواجهة واسعة، وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أي معاونة للاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية. وعندما قامت الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف بالهجمات المضادة كانت ضعيفة ومبعثرة وتحطمت أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات التعاون الوثيق التي لم تصل لرؤوس الكباري إلا في اليوم التالي بعد تشغيل الكباري. وجاء تعليق أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية.. أن توقف القوات المصرية وتعزيز رؤوس الكبارى تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوي المصري قد حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية بأسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense لاستدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق. ولذلك جاء إعلان موشيه ديان وجولدا مائير يوم 9 أكتوبر 1973 بهزيمة إسرائيل اعترافاً كبيراً بتفوق التخطيط المصري في المرحلة الافتتاحية من الحرب علاوة على الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط. لذلك اندفع شارون ليقول إنه لطالما عارض الجنرال بارليف وخطته للدفاع عن قناة السويس، وبناء هذا الخط الذي وصفة شارون أنه مثل الجبن السويسرى ذات الثقوب وأن إسرائيل قد دفعت الثمن باهظاً عندما لم تستمع لآرائه حول تنظيم الدفاعات في سيناء ونفذت خطة الجنرال بارليف رئيس الأركان الإسرائيلى آنذاك. وقبل أن أنطلق بالرد، تولى أستاذ من معهد الدراسات الإستراتيجية التعليق قائلاً: سيادة الجنرال .. أشبعتمونا فكراً وآراءا ونظريات بعد حرب 1967 نظراً لخبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام 1967. والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة. أعتقد سيادة الجنرال شارون أن ما فعله المصريون كان رداً عملياً على أن هذه النظريات لم تكن دقيقة أو صحيحة. ويبدو أن الجنرال شارون أعجبه هذا التحليل من معهد الدراسات الإستراتيجية الذي يدين الخطة الدفاعية الإسرائيلية شرق القناة.. حيث قرر استغلال ذلك كله لصالحه الشخصي ليقول إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيل، جاء هو المنقذ لينفذ «عملية الغزالة» ويبدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار. وحتى هذا الموقف كانت الخطة المصرية حصلت على تقدير 4 نقاط في المناظرة من لجنة التحكيم من معهد الدراسات الاستراتيجية بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أي نقاط. بعدها تابعت عرض تفاصيل كثيرة عن تخطيط العبور والتنظيم الرائع لجهود القوات المصرية وكيف تم تنفيذ خطة الخداع وتحقيق المفاجأة والتغلب على الساتر الترابي.. إلخ. لذا حصلت الخطة المصرية على نقطتين إضافيتين عن مرحلة إدارة القتال في رأس الكوبري حتى يوم 15 أكتوبر 1973 ليصل عدد النقاط إلى 6 نقاط بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أي نقاط. وأكد معهد الدراسات الإستراتيجية على أن الخطة الدفاعية الإسرائيلية المبنية على خط بارليف كانت خطة ذات مفهوم دفاعي غير متزن، وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية سواء بالاحتياطيات أو المواقع الدفاعية، وسمحت للقوات المصرية بكل سهولة أن تقتحم القناة وتنشئ رؤوس الكباري. وأن هذه النقاط الحصينة في خط بارليف لم تؤد أي دور دفاعي لها، خاصة أنه لم يكن هناك أي تعاون نيراني أو تكتيكي بين نقاط خط بارليف. ولذلك عندما اقتحم المصريون القناة تم عزل نقاط خط بارليف وتهاوت هذه النقاط في ساعات أو استسلمت. وشبه خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية IISS على الهواء أن ما حدث من سقوط لخط بارليف هو بالضبط ما حدث من سقوط لخط ماجينو في الدفاعات الفرنسية في بداية الحرب العالمية الثانية، وإن اختلف الأسلوب. وبعد ذلك جاء استعراض مرحلة تطوير الهجوم المصري بالقوات المدرعة للوصول إلى خط المضايق في سيناء لتخفيف الضغط على القوات السورية في جبهة الجولان، ولقد فقدت الخطة المصرية في هذا العرض في المناظرة نقطتين وعلق أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية على خطة التطوير المصرية بنفس التعليق الكلاسيكي الذي يُدرس في كل المعاهد العسكرية في العالم لكل القادة.. لا تدع السياسي يُجبرك على القيام بعمل عسكري ما دمت غير قادر على تنفيذه أو غير مقتنع به أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات. وبدأنا في المرحلة الأخيرة من المناظرة التي أعتقد أن آريل شارون قد دخل هذه المناظرة في التليفزيون البريطاني على الهواء ليستعرض ما قام به في عملية الثغرة غرب القناة. واستعرض شارون الانهيار الذي كانت عليه الجبهة الدفاعية الإسرائيلية في سيناء، وهى التي دفعت موشيه ديان ليعلن هزيمة إسرائيل يوم 9 أكتوبر. وبدأت إسرائيل في طلب إمدادات عاجلة من الأسلحة والمعدات من الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت في إرسال الإمدادات من خلال جسر جوي عاجل إلى إسرائيل. وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة، طبقا لما ذكره شارون، أن تصل هذه الأسلحة والمعدات مباشرة إلى مطار العريش في سيناء لأن الجبهة في الجولان كانت قد تم الانتهاء منها، أما الجبهة الإسرائيلية في سيناء فكانت منهارة تماماً. وأضاف شارون أنه طلب على وجه التحديد الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الجديد من طراز TOW ذات الدقة العالية في تدمير الدبابات، وهو تطوير للجيل القديم «المالوتيكا» الروسي الذي كانت تستخدمه القوات المصرية. وفعلاً وصل إلى العريش يوم 13 أول دفعة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، ولم تكن جديدة من المخازن، ولكن تم سحبها من الوحدات المقاتلة الأمريكية العاملة في ألمانيا، وجرى تطقيمها بأفراد من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم ضمن خطة الاستدعاء الإسرائيلية، وأُسندت قيادة هذه القوة لملازم أول احتياط إسرائيلي اسمه «جوفي» أو ما أطلق عليه في المناظرة الملازم Joffy. وبدأ شارون في هذه المرحلة يشرح خطته لاختراق رأس الكوبري في الدفاعات المصرية للوصول إلى غرب القناة.. ليندفع إلى عمق الدفاعات المصرية مطبقاً نظرية ليدل هارت «الاقتراب غير المباشر» Indirect Approach.. وهى نفس النظرية التي كان يطبقها روميل في الصحراء الغربية.. وأيضاً طبقها الجيش الألمانى في اختراق الدفاعات الفرنسية على خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية بتجنب الهجوم على دفاعات خط ماجينو والاختراق من اتجاه غابات الأردين في بلجيكا وبعدها انهارت الدفاعات الفرنسية تماماً. وشرح شارون هذا الفكر وأنه بدأ التطبيق بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثاني، والذى كانت تؤمنه الفرقة 16 مشاة، وذكر أنه هاجم بشراسة لمدة 3 أيام هذه المواقع التي عرفت باسم «معركة المزرعة الصينية»، وقاد هذا الهجوم الجنرال آدان والجنرال ماجن. ويقول شارون: إنه استخدم كافة الوسائل والقوات والأساليب.. وأن نيران المدفعية الإسرائيلية ظلت تقصف هذه المواقع المصرية بلا توقف ليومين كاملين.. وتم الهجوم على هذه القوات المصرية بالقوات المدرعة وبوحدات المظلات الإسرائيلية، والتى هي أرقى الوحدات القتالية الإسرائيلية تدريباً وكفاءة، وفشلت كل هذه الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة 16 في معركة المزرعة الصينية. وإذا كان لنا من تعليق.. فإنه يجب الإشارة إلى أن قائدي كتائب المشاة التي أوقفت هذا الهجوم لمدة 3 أيام كاملة كانا المقدم محمد حسين طنطاوى والمقدم أحمد إسماعيل عطية. وأتذكر أنه في إحدى زيارات الجنرال شارون بعد عدة سنوات لمصر في زيارة رسمية.. وعندما علم أن القائد المصري في معركة المزرعة الصينية كان المشير طنطاوي وزير الدفاع المصري، طلب شارون أن يلتقي ويقابل المشير طنطاوي، ولكن على حد علمى فإن المشير طنطاوي قد اعتذر عن مقابلته ولم يقابله. حتى أن شارون عندما علم بالرد الدبلوماسي لرفض المشير طنطاوي قال بالحرف الواحد «لقد كنت أريد أن أقابل قائداً شجاعاً.. قاتلني بشراسة». ونستكمل ما ذكره شارون بأنه بعدما فشل الجنرال آدان والجنرال ماجن في اقتحام دفاعات الفرقة 16 مشاة، لم يجد أمامه إلا أن يعبر من البحيرات متجنباً هذه الدفاعات المصرية الشرسة في المزرعة الصينية. واندفع شارون بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة واندفعوا إلى عمق منطقة الدفرسوار خلف رأس كوبري الجيش الثاني الميداني ؛ حيث بدأ شارون مهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوي، وكان يكتفي بالاشتباك عن بعد من مسافة 3 كيلومترات ليدمر رادار القاعدة فتتوقف بطارية الدفاع الجوي عن العمل. حتى نجح في عمل ثغرة في حائط صواريخ الدفاع الجوي المصري لكي تندفع القوات الجوية الإسرائيلية لأول مرة يوم 17 أكتوبر لتهاجم القوات المصرية. كما هاجمت قوات شارون مواقع المدفعية المصرية غرب القناة، وبذلك تم حرمان قوات رأس الكوبري من المعاونة النيرانية من البر الغربي. وذكر شارون أن هدفه من العبور إلى غرب القناة في البداية كان أن يندفع للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية بصفتها هدفا ذو أهمية إستراتيجية، والتى لو تم الاستيلاء عليها كان سيمكن للجانب الإسرائيلي عندما يتوقف القتال في أي مفاوضات قادمة باستخدام هذا العمل للحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذي حققته القوات المصرية شرق القناة. ويقول شارون.. أنه فوجئ بقتال شرس وعنيد من قوات الصاعقة المصرية غرب القناة في منطقة الدفرسوار ومنطقة الجناين. وبرر شارون خسائره الكبيرة في المعدات والأرواح، بل وإصابته هو شخصياً إصابة نقلته للعلاج إلى داخل إسرائيل نتيجة لشراسة رجال قوات الصاعقة المصرية الذين كانوا يظهرون في كل مكان وسط زراعات المانجو. ولذلك قرر شارون نتيجة خسائره الكبيرة في اتجاه الإسماعيلية أن يعيد ترتيب أوراقه وقرر أن يندفع بقواته جنوباً في اتجاه السويس ليكون هدفه السويس بدلاً من الإسماعيلية. ويقول شارون إنه لم يركب طائرة الإخلاء إلا بعد أن تأكد أن قواته بدأت في التحرك نحو السويس وغيرت اتجاهاتها من الإسماعيلية إلى الجنوب. وبدأ سؤال خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية لي عن خطة القوات المصرية ضد عمليات شارون. وأوضحت أن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شرق القناة. كان هذا اللواء مسلح بالدبابة ت 72 التي كانت أحدث الدبابات في الجيش المصري في هذا الوقت. وكان هذا اللواء كاملاً بدون أي خسائر لأنه حتى ذلك الوقت لم يدخل أي معركة. واندفع اللواء 25 مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد من رأس كوبري الجيش الثالث في اتجاه الدفرسوار على البر الشرقي ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثاني. وقبل وصول اللواء 25 مدرع إلى رأس كوبري الجيش الثاني بـنحو 20 كيلومترا، كان قد وصل إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم «جوفي» ومعه كتيبة صواريخ «تو» الأمريكية الجديدة التي كانت قد وصلت إلى العريش منذ ثلاثة أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليها هناك. وخلال المناظرة تم سؤال هذا الضابط الإسرائيلي «جوفي» في مقابلة تمت معه في إسرائيل عما حدث. فقال: لقد وصلت لمنطقة القناة، وشاهدت وأنا متحرك غبار حركة اللواء 25 المدرع المصري، وأمرني قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات. وقمت بإيقاف تقدم اللواء المدرع المصري نظراً لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذي كان مفاجأة للمصريين. وجاء تعليق معهد الدراسات الإستراتيجية ليقول إن «هذه العملية» تستحق نقطتين فقط.. على أساس تطبيق شارون لنظرية الاقتراب غير المباشر كنظرية عسكرية علمية سليمة.. أما التطبيق فكان لا يتماشى مع أسس ومبادئ القتال. وذكر الخبراء أن شارون لم يُؤمّن منطقة العبور بأى قوات، وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة أو إغارة عسكرية يمكن أن تنفذها وحدات خاصة، وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية. وأكد خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء 25 مدرع كان سليماً يستحق عليه نقطتين أيضاً، ولكن دخول بطاريات الصواريخ تو الأمريكية قد غيرت من ميزان القتال. وكان تعليق خبراء مركز الدراسات الإستراتيجية أنه لو كان اللواء 25 مدرع قد نجح في معركته شرق القناة، ولو كانت سرعة اللواء منذ خروجه من رأس كوبري الجيش الثالث أفضل لكان شارون وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة، ولتغير الموقف العسكري والسياسي في الشرق الأوسط لعدة أعوام. وقال خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن: أننا لا نُوصي أي قائد بتنفيذ فكر ليدل هارت بهذه المغامرة غير المحسوبة وغير المُؤمّنة. وأن شارون يجب أن يشكر الملازم جوفي وأمريكا على صواريخ “تو”، التي لولا تدخلهم لفشلت العملية بالكامل. واحتد شارون بشدة على هذا التحليل من خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية وقال لهم: أنا الذي حولت هزيمة إسرائيل المهينة إلى نصر على ضفاف القناة. أنا الذي رفعت العلم الإسرائيلي فوق أفريقيا. أنا الذي جعلت المفاوض الإسرائيلي في مباحثات الكيلو 101 قادراً على أن يكون نداً للمفاوض المصري بعد العار الذي جلبه ديان يوم 9 أكتوبر 1973. وكان السؤال الأهم من خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية.. جنرال شارون: إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوي خسائر إسرائيل كلها في حرب 1956 و1967، ولذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموي لم يكن مخطئاً. ثار شارون وأضاف لقد أعدت لإسرائيل هيبتها التي فقدتها في هذه الحرب. ولكن ما يهمني هو السؤال الأخير في الحلقة، وكان موجهاً للجنرال شارون قبل أن ينتهي وقت البرنامج. سأله خبير معهد الدراسات الاستراتيجية.. جنرال شارون.. في رأيك..؟؟ ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين.. هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ هل لأنهم هجموا بطول مواجهة القناة وهو أمر لم يكن في تخطيط وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلي هل.. هل..؟ وذكر له عدة نقاط أخرى، ولكن شارون أجاب.. إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا وحساباتنا مثل إغلاق مضيق باب المندب، لكن المفاجأة لي شخصياً في حرب 1973 هي «الجندي المصري». هذا الجندي المصري لم يكن الذي قابلته في حربي 1956 أو 1967. فالجندي المصري في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة، وهذه المرة عندما كنت أستجوب الأسرى المصريين بنفسي رأيت لأول مرة خريجي كليات التجارة والهندسة والحقوق.. إلخ. أيضاً الروح المعنوية لهذا الجندي هذه المرة كانت مختلفة تماماً. وأضاف قائلاً.. إنه وهو متقدم بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية بعشر دبابات.. وفجأة خرج من بين الأشجار 5 جنود من الكوماندوز المصريين «يقصد الصاعقة». وقال إن خمسة جنود ضد عشر دبابات الأمر واضح أنهم جميعاً قتلى.. وقال إن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية وتم القضاء على الكوماندوز المصريين. ويقول شارون.. هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر.. الجندي المصري الجديد المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندى المسلح بروح معنوية عالية.. تعلم شراسة القتال..لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلي كما كان من قبل. لقد صنعت منه هزيمة 1967 إنساناً جديداً..عكس توقعاتنا بعد 1967من أننا قد قضينا على الجيش المصري، وأنه أصبح جثة هامدة غير قادر على القتال مرة أخرى. وأضاف شارون.. أنه يجب على المخطط الإسرائيلي في أي حرب قادمة مع مصر أن يضع في حساباته نوعية هذا الجندي الجديد الذي لم نقابله من قبل. وأنهى حديثه بأن هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لي شخصياً.. الجندي المصري الجديد. انتهت المناظرة بحصول القيادة المصرية على 8 درجات وحصلت القيادة الإسرائيلية على درجتين فقط. مع توصيات عديدة جاءت معظمها سلبية في خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلي سواء في الخطة الدفاعية لخط بارليف أو أداء معركة شارون غرب القناة، بينما كانت الإيجابيات للقيادة المصرية. وأوصى معهد الدراسات الإستراتيجية بأنه يجب أن تدرس المعاهد العسكرية والمراكز العلمية هذا الفكر المتطور والتخطيط المتميز للقيادة المصرية، والأداء الراقي للجندي المصري في هذه الحرب. كما أكد معهد الدراسات الإستراتيجية على إضافة عنصر جديد من عناصر مقارنة القوات وعناصر حسابات التوازن العسكري للدول، وهو إضافة العنصر البشري، وهو أمر لم يكن محسوباً من قبل ولكن جاء ذلك بعد الأداء المشرف للجندي المصري في حرب 1973. وعندما نتذكر كل عام ما قدمه القائد والجندي المصري في حرب 73، أتذكر هذه المناظرة التي كانت أكبر دليل من العدو قبل الصديق على عظمة وبسالة الجندي والقائد المصري، خير أجناد الأرض