حازم حزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية
متابعة عادل شلبى
الإنسان وإحساس .. الأنا ..!! وكارثة اللامبالاه !! تجسيدا لنرجسيتك الحياتيه المريضة نفسيا ..! علوم إنسانية .. الإنسان ذاك الكائن المجهول .!!! يمثل الإحساس ب”الأنا” أكثر الأحاسيس الإنسانية يقينا ومباشرة فوجود”الأنا” وإدراك هذا الوجود هو إحساس نستشعره كل لحظة مع كل حركة نتحركها وعمل نؤديه وشعور ننفعل به.إن هذا الإحساس لا يغيب عنا مطلقا ولكنه قد يزداد حدة وكثافة حضور في حالات البأس وحين الاصطدام بصعوبات الحياة ومشاكلها؛ ما يجيئنا على حين غفلة وما نترقبه منها. رغم يقينية ومباشرة هذا الإحساس ب”الأنا” فإن تحديد ما يكون عليه هذا” الأنا” وحقيقته يظل موضوعا لا مفكر فيه بالنسبة لنا داخل حياتنا اليومية . غير أن هذه اللامبالاه قد تتحول إلى إهتمام حقيقي خاصة في حالة الاصطدام بوضعية قصوى؛ تلك الوضعيات التي نعجز معها على الفهم والإدراك واتخاذ القرار. تجعلنا هذه الوضعيات أمام ذواتنا مباشرة نواجه ما نعتقده أنه مصيرنا فتكون مناسبة لتنسل أسئلة عن حقيقة وجودنا، لا عهد لنا بطرحها في خضم وطأة اليومي وتغوله على كل فاعليتنا الذهنية والعملية. يشار إلى هذه الأسئلة باعتبارها أسئلة خالدة؛وهي الأسئلة المتعلقة بالموت والحياة والقضاء والقدر والمال والمصير وإمكان الحياة بعد الموت. إن ما يجعل من هذه الأسئلة خالدة هو كونها على قدمها، قدم ارتبط بنشأة الوعي البشري ذاته، فإنها ضلت مع ذلك دون إجابة حاسمة تغنينا عن إعادة طرحها.وهي خالدة من جهة كون تجربة طرحها ومحاولة البحث عن إجابة لها، إنما هو شان أنساني عام إذ يصعب فعليا أن يوجد إنسان لم يخض هذه التجربة. يرتبط سؤال الإنسان عن نفسه إذا بالحيرة والتردد، وهي حيرة قد تأخذ أحيانا أشكالا مأساوية. إذا كان طرح هذه الأسئلة قدر، فلعل الفلسفة هي الخطاب الأنسب لطرحها لما سبق وأن عيناه من مبررات في المدخل لباب “الإنساني بين الوحدة والكثرة”. يحيل سؤال الفلسفة على الإنسان بداية إلى مشكل ” الإنية” في علاقتها ب”الغيرية”. إذا ما اعتبرنا أن” الآنية” تفيد التحقق الفعلي للوجود الإنساني باعتبار الآنية هي مضمون “الإنساني” فضمن أية شروط تتحقق هذه الآنية؟هل في ربطها بالوحدة استبعادا للكثرة ما يعينها على نحو كلي؟وهل في اعتبار أن للإنسان جوهر ثابت هو ماهيته ما يضمن كونية هذا التحديد للإنساني؟وضمن أية شروط تتعين النفس العاقلة باعتبارها ماهية الإنسان داخل الفلسفة القديمة؟و بأي معني يقتضي هذا التحديد استبعاد الجسم من مجال تحديد الآنية وربطه بالغيرية؟(انظر نص ابن سينا “الشعور بالأنا”) يمثل” ديكارت” لحظة بارزة داخل تاريخ الفلسفة إلى حد اعتباره” أب الفلسفة الحديثة”،فما وجه الجدة في موقفه من بناء الآنية؟لقد جعل ديكارت من” التفكير” مبدأ الوجود ؛وجود الذات كما وجود العالم. فما دلالة ربط الآنية بالتفكير ؟وما هي استتباع هذا التصور على منزلة الجسد والعالم والآخر؟ سواء تعلق الأمر ب”ابن سينا” أو “بديكارت” فان تصورهما للآنية في الحالتين يتأسس على نفي وإقصاء الجسد والعالم والآخر والتاريخ والوعي إذ كون مجالها جميعا هو مجال الغيرية أي مجال ما هو هامشي وعرضي ،إلا أن تجربتنا المعيشة حتى في ابسط مستوياتها الحسية تبين لنا بشكل قاطع انه لا وجود لنا خارج الوجود الجسدي.فأية مراجعات يستوجبها إعادة النظر في منزلة الجسد على تصورنا للآنية؟(انظر نص تجربة الجسد لمرلوبنتي في كتاب العلوم.) إن الاعتراف بقيمة الجسد واعتبار تحقق الآنية مشروطة به يبرر إعادة التفكير كذلك في حقيقة غرائزنا خاصة تلك ذات الأصل الجنسي.فأية وضعية تتخذها هذه الغرائز داخل حياتنا النفسية وما علاقتها الفعلية بوعينا؟( انظر نص الشعور واللاشعور لفرويد في الكتاب المدرسي) مقاربة الآنية من جهة البعد الغريزي في الإنسان وان يجد مبرره في الممارسة العلمية داخل علم النفس التحليلي يمكن إن يضعنا في مأزق حقيقي يرتبط باستبعاد التاريخ.فهل يمكن فعليا تجاهل تاريخية الوعي في تحديد الآنية ؟أليس التاريخ هو اخص خصائص الوجود الإنساني؟(انظر نص ماركس الأساس التاريخي للوعي في الكتاب المدرسي) سواء تعلق الأمر ،في إطار تحديد الآنية،بنفي غيرية الجسد أو اللاوعي أو التاريخ فإننا سننتهي حتما إلى نفي غيرية الآخر ؛ذلك أنه لا وجود ولا معنى للجسد والرغبة والتاريخ إلا في علاقة بالآخر،وهو ما يعني أن الآنية تضل مشروطة بداية بضرورة حضور الآخر حتى وان كان هذا الحضور حضورا عنيفا.(انظر نص الوعي بالذات يستوجب الوعي بالآخر لهيجل) إلى أية نتائج تقودنا مجمل هذه التساؤلات حول الآنية والغيرية.وهل يمكن حقا بلوغ وتحديد تصور كلي للإنسان؟ والى أي حد يمثل مطلب الكلي باعتباره أفقا لبحث مسالة الآنية مطلبا مشروعا ؟ألا نخشى أن يتحول هذا المطلب إلى مجرد مغالطة غايتها الاختفاء وراء هذا المطلب لتكريس الهيمنة وتبرير استعباد الإنسان؟
تندرج مسالة الإنية والغيرية في مسألة أهم هي مسألة الإنساني بين الكثرة والوحدة. وهذه المسألة تتحرك في سياق مطلب الكونية. ذلك أن تحديد الإنسان يفترض إنتاج تعريف كوني يشارك فيه كل الأفراد، لكن هل أن هذه المشاركة تتم على نفس النحو؟ أم هل أن كلّ فرد يشارك في الكلّي بطريقة خصوصية؟
عنوان المسألة هو الإنية و الغيرية، و الإنية هي خاصية الذات المفكرة التي تستطيع تمثل ذاتها باعتبارها هي هي على الرغم من التحولات التي قد تطرأ على جسدها و روحها. لذلك كثيرا ما نستعمل الإنية بمعنى الجوهر وذات الشيء مثلما أعلن ذلك الفارابي في كتاب «الألفاظ». فالانية هي وجود الشيء وفعل اثبات تحقق هذا الوجود ، وهي الوجود الأكمل للشيء. تندرج مسألة الإنية و الغيرية ضمن مسألة أعم هي الإنساني بين الوحدة والكثرة التي يحصل فيها للمتعلم الوعي بحاجته إلى التعرف على ما هو إنساني في كل إنسان بين بعدي الوجود الإنساني الإنية و الغيرية كأبعاد تبرز فيها علاقات تقابلية و تناظرية و تكاملية و محايثة… تقودنا إلى الإقرار بأن معرفة الإنساني في الإنسان لا تقتضي فقط الانزواء على الذات بل تقتضي أيضا الانفتاح على كل أشكال الغيرية. هذا التلخيص لا يدعي إذن استيفاء المسألة و لكن يقدم حسب اعتقادي مستوى أدنى على الأقل من الصرامة في تقديم المرجعيات. أما مسألة التقاطع مع البرنامج القديم فذلك مشكل من يختزل مفهوم الإنية في الأنا ومفهوم الغيرية في الآخر كوعي فتتحول بذلك مسألة الإنية والغيرية إلى مسألة أخرى : الأنا والآخر 1- ينزل مسألة الإنية في المسار الإشكالي لمسألة الإنساني بين الوحدة والكثرة في علاقة بمسألة الكلي وهذا يكشف عن الإنخراط فعلا في تناول المسألة ضمن خصوصيتها ولكن في هذا التحديد الأولي لمسألة الإنية التي تنفصل بها عن مساراتها الإشكالي . إذ ليست الإنية مجرد تمثلا جوهريا بل هي أيضا تكوين إشكالي يتكون فيما هو يتكون بأشكلة ذاتها بتوسط ذاتها والآخر لتكتشف أنها مغايرة بالنسبة لذاتها وعموما ليس بالضرورة أن نتوقف عند مسألة التمثل لان ذلك لا يرتقي بنا إلي التفطن للطابع المنفتح والمغاير للإنية وللغيرية أيضا 2- عدم تفطنك لهذا الطابع الإشكالي في مساءلة الإنية والتي تقتضي الدفع الي التفكير الشخصي وهي تتجذر في مسألة الوعي والجسد وهذا لا يقتضي تأريخ أو أطروحات نصنفها أو نجعلها مداخل ضرورية للتفكير في المسألة وهي في الأصل ليس عوائق تحول دون الإقامة الإشكالية في المسألة بل هي لا تعود التلميذ إلا علي الإختزالية المقيطة والحال أن التلميذ سيتعرض في مسألة النمذجة إلي ان إنجاز نموذج تفكري يتجاوز الإختزالية علي الأقل كما حدد لوموانيي.ألا نقع صديقي بذلك بالتلميذ في نمط من التناقض ومن ثمة في إفشال التفلسف .
“الغير ما يعرض فيما انفصل بالعقل الجوهري…والغيرية هي العارضة فيما انفصل بعرض إما في ذات واحدة وإما في ذاتين.” ص221
ان تحديد الإنسان يفترض إنتاج تعريف كوني يشارك فيه كل الأفراد، لكن هل أن هذه المشاركة تتم على نفس النحو؟ أم هل أن كلّ فرد يشارك في الكلّي بطريقة خصوصية؟ أفلاطون Platonيقرّ أفلاطون أن كمال الوجود الإنساني أي إنية الإنسان تتحقق بالنفس وحدها ذلك أن أفلاطون يتبنى موقفا ثنائيا إذ يفسر الإنسان بإرجاعه إلى مبدأين مختلفين: * مبدأ روحاني هو النفس التي تتحدد تماما مثلما سيكون الأمرعند أرسطو باعتبارها مبدأ حركة. * مبدأ مـــادي هو الجسد. ويختزل الإنسان في بعده الواعي و يقر بأن النفس تتحكم كليا في الجسد. وخصوصية أفلاطون تتمثل في إقراره بأن النفس جوهر في حين يمثل الجسد عرض. لذلك يختزل أفلاطون الإنسان في بعده الواعي ويقصي الجسد من ماهية الإنسان، إذ أن الجسد بالنسبة إليه عاطل عطالة كاملة فالنفس هي التي تحرّكه وهو مصدر رذيلة ويمثل عائقا يعوق النفس في عملية صعودها نحو المثل. أرسطو Aristoteيطرح أرسطو مشكلة علاقة النفس والجسد في إطار فهمه لعلاقة الصورة بالمادة أو إن شئنا الدقة علاقة الصورة بالهيولى (الهيولى هي المادة اللامتشكلة). و من هذا المنطلق فإن الإنسان سيكون إنسانا بصورته أي بنفسه، فالنفس أو الروح هي ما يمثل حقيقة الإنسان. فتماما كما تشكل الصورة المادة، تشكل النفس الجسد وبالتالي فإن أرسطو يختزل الإنسان في بعده الواعي و هذا ما يظهر بجلاء في إقراره بأن الإنسان حيوان عاقل. و هذا المنظور الأرسطي الذي يفهم الإنسان على شاكلة فهمه لعلاقة الصورة بالمادة جعله ينتهي إلى تحديد النفس بما هي مبدأ حركة. و عن هذا التحديد تنتج نظريته الشهيرة حول الأنفس الحيوانية. ابن سينا Avicenneموقف ابن سينا من مسألة الإنية يتلخص في برهان الرجل المعلق في الفضاء إذ هو يفترض أن الإنسان ولد دفعة واحدة فخلق يهوي في الفضاء دون أن تكون لأعضائه إمكانية التقاطع، و لكنه مع ذلك يستطيع أن يثبت ذاته موجودة. و من هذا البرهان يستخلص ابن سينا أن النفس هي الإنسان عند التحقيق و ان الجسد لا يمثل حدا في ماهية الإنسان. ذلك أن ابن سينا تماما مثل أرسطو و أفلاطون يقرّ بأن النفس العاقلة هي ما يؤسس حقيقة الإنسان و ماهيته، فالأنا يدرك ذاته دون أن يكون في حاجة إلى أيّ علة خارجة عنه سواء كانت جسدا أو أي شيء آخر خارجي. ديكارت Descartesلإثبات الذات موجودة ينطلق ديكارت من تجربة الشك. إذ أن ديكارت يشك في كلّ شيء يجد فيه مجرّد تردّد وهكذا لا يترك الشك مجالا دون أن يطاله. إلا أن هذا الشك الذي طال كلّ شيء لا يستطيع أن يخامر الحالة التي أكون فيها بصدد الشكّ. فديكارت يستطيع أن يشك في كلّ شيء إلا في كونه يشك لأن الشك في الشك لا يقوم إلا بتدعيم الشك. و هكذا يأتي الشك على كلّ شيء إلا على اليقين الذي يتضمنه، يقين الذات بذاتها موجودة كفكر أي يقين الكوجيتو. وخصوصية ديكارت تتمثل في كونه على خلاف أفلاطون وأرسطو يحدد النفس كفكر لا كمبدأ حركة وبالتالي تماما مثل أرسطو وأفلاطون يعتبر أن النفس جوهر ولكنه على خلاف أرسطو وأفلاطون يعتبر أيضا أن الجسد جوهرا من جهة كونه مستقل بذاته إذ أن حركة الجسد لا تفسرها النفس وإنما هي حركة آلية ميكانيكية نابعة من طبيعة الجسد ذاته كامتداد مادي. أفلاطون، أرسطو، ابن سينا و ديكارت يثبتون إذا الإنية بإقصاء كلّ أشكال الغيرية داخلية كانت أم خارجية فلا الجسد ولا العالم الخارجي يحددان ماهية الإنسان. ومن هذا المنطلق تتحدد الذات باعتبارها واقعا ميتافيزيقيا، باعتبارها المعنى المؤسس للإنسانية والأنا ليس إلا الوعي بوحدة الذات التي تربط وتجمع بين حالاتها المختلفة وأفعالها المتعاقبة في الزمان. والذات عند هؤلاء الفلاسفة تتحدّد في نهاية المطاف باعتبارها الجوهر وهو التحديد الذي أقرّه أرسطو بما أن الذات كجوهر تسند إليها كل الخصائص والأعراض بما في ذلك الجسد. سبينوزا Spinoza يمثل موقف سبينوزا أول موقف فلسفي يرد الاعتبار للجسد في تحديد الإنية ولكن أيضا موقف يسعى إلى إقحام الإنسان في الطبيعة و في العالم عبر سلب الامتيازات الميتافيزيقية التي أضفاها التصور الثنائي على الإنسان. ذلك أن سبينوزا على خلاف أرسطو و ديكارت يحدد الجوهر لا باعتباره المتصل بذاته ولكن باعتباره المسبب لذاته وهو ما يعني أنه لا يوجد إلا جوهر واحد هو الله أو الطبيعة، و أنّ هذا الجوهر يتكون من عدد لا متناهي من الصفات وأن كلّ صفة من هذه الصفات تتكوّن من عدد لا متناهي من الضروب أو الأحوال Modes. وهذا يعني أن كلّ ما يوجد هو إما ضرب من ضروب صفة الامتداد و إما ضرب من ضروب صفة الفكر و إما ضرب من ضروب أحد الصفات الأخرى التي لا يعرفها الإنسان و إما علاقة ضريبة بين ضربين و هو حال الإنسان. و هذا يعني أن الوحدة بالنسبة لسبينوزا تتمثل في الجوهر الواحد في حين تمثل الصفات اللامتناهية وضروبها الكثرة. و الضروب بما فيها الإنسان تتحدد كانفعالن أي كرغبة في المحافظة على البقاء (كوناتوس). و الصراع الذي كان يتحدث عنه ديكارت داخل الإنسان، بين العقل والانفعالات، أصبح مع سبينوزا صراعا خارج الإنسان، صراع كلّ الضروب من أجل المحافظة على البقاء. الجسد مع سبينوزا يتماهى مع النفس في مستوى الماهية بما أن النفس والجسد شيء واحد تارة ننظر إليه من جهة صفة الفكر وطورا ننظر إليه من جهة صفة الامتداد، و يتماهي معها في المستوى الانطولوجي بما أن كلّ من النفس والجسد يمثل ضربا أو حال، و يتماهى معها في مستوى القوة والفعل بما أنّ فعل النفس هو فعل الجسد وهو الفعل الذي ينحو إلى المحافظة على البقاء. مع سبينوزا إذا لا أنية دون الغيرية الداخلية والخارجية معا، فالإنسان يتحدد بوعيه وجسده ويتحدد كرغبة تتطوّر في العالم أو الطبيعة. مارلو بونتي M.M.Pontyإنّ تجاوز سبينوزا لثنائية النفس والجسد يبقى رهين الإقرار بالحلولية لذلك تتقدم الفينومينولوجيا مع مارلوبونتي وهوسرل كردّ فعل ضد الثنائيات التي أنتجها الإرث الديكارتي بين الشيء والفكرة، الموضوع والذات والجسد والنفس… وردّة الفعل هذه كانت بالعودة للوجود في العالم لاستكشاف ارتباط الجسد بمختلف سجلات القصدية بدأ بالإحساس ووصولا إلى الحكم. فالجسد بالنسبة لمارلوبونتي لا يمكن اختزاله في كونه مجرّد تراكم الوظائف و الميكانيزمات التي تصفها الفيزيولوجيا، فالجسد هو أكثر من مجرّد العضوية الارتكاسية التي تتمثله فيها الفيزيولوجيا، ذلك أنني لا أستطيع أن أفهم علاقة النفس والجسد في الإنسان إذا كنت أعتبر الجسد مجرّد موضوع لأن هذا الجسد الموضوع هو جسد الآخر كما أراه، إنه هذه الجثة الهامدة التي يشرحها طلبة الطب في غرفة التشريح، في حين أن جسدي الخاص لا يدرك مثلما تدرك المواضيع الخارجية بل إني أعيش حضوره الحي من الداخل. و الجسد المعيش على هذا النحو يتقدّم منذ الوهلة الأولى باعتباره غير قابل للاختزال في الجسدية فحسب، إذ هناك تطابق بين حالاتي المختلفة وضروب وجود جسدي. فنحن مع الفينومينولوجيا لم نعد إزاء جسد ملطخ بنقص ما، إذ نكتشف أن الجسد ذات و أن الإنسان واحد و ما كان يسميه ديكارت جسدا ليس إلا الشخص الموضوع أي الإنسان كما يبدو في الفضاء وفي نظر الآخر، و ما يسميه ديكارت نفسا ليس إلا الشخص الذات أي ما يمثله الإنسان بالنسبة للأنا وهو ما يسميه مارلوبونتي بالجسد الذات. ردّ الاعتبار للجسد مع مارلوبونتي مرفوق باستحضار العالم كآخر يمثل شرطا لتحقيق الانية، لأن الوعي المتجسد يتحدّد في علاقته القصدية بالعالم إذ يتحدّد الوعي مع الفينومينولوجيا باعتباره فعل التمعين بما أن كلّ وعي هو وعي بشيء ما، و هكذا فإن الوعي ليس كما اعتقد ديكارت داخلية محضة وبسيطة، فالوعي ليست له محتويات بما أنه الفعل الذي نقصد به الموضوع، و بما أن هناك طرقا مختلفة للتوجّه نحو الموضوع فإنه يجب أن نتحدث مع الفينومينولوجيا على أصناف الوعي : وعي مدرك، وعي راغب، وعي متخيل، وعي مندهش…و العالم من هذا المنظور هو مجموع معاني، و بالتالي لا يمكن أن يوجد وعيا نظريا بالذات، و بما أن علاقة الوعي بالعالم هي علاقة ديناميكية فلا نستطيع أن نفهم العالم دون وعي و لا نستطيع أن نفهم وعي دون عالم، فلا يوجد عالم إلا بالنسبة للوعي ولا يوجد وعي إذا لم يكن وعي عالم. ماركس Marxإذا كان سبينوزا ومارلوبونتي قد استعادا الجسد والعالم كأشكال من أشكال الغيرية في تحديد الإنية من زوايا مختلفة، من زاوية الجوهرية والرغبة بالنسبة لسبينوزا ومن زاوية القصدية والمنظورية بالنسبة لمارلو بونتي، فإنّ ماركس يستحضر الغيرية من زاوية تاريخية. فالوعي بالذات بالنسبة لماركس ليس متعاليا وليس مستقلا بذاته بما أن الوعي هو انعكاس للواقع الاجتماعي التاريخي، فالوعي مكتسب ومتطور، مكتسب لأنه يعكس علاقة مع الواقع الطبيعي تتحدّد بالفعل في العالم وتشكيله من أجل المحافظة على البقاء و التكيف مع المحيط الخارجي، فالانسان لا يعيش إلا من الطبيعة و لكن من الطبيعة المشكلة وفي كلّ نشاط مشكل للطبيعة يشكل الإنسان ذاته، هذا يعني أن الإنسان يحقق إنسانيته و يكتسب وعيه بواسطة العمل، و تقسيم العمل هو ما يفسر تطور الوعي، لذلك تنعت نظرية ماركس في فلسفة التاريخ بالمادية التاريخية. إذ يرى ماركس أن وسائل الإنتاج هي التي تحدّد ضروب الوجود الإنساني، و الحياة المادية للبشر تفسر كلّ الأنشطة و تحدّد سيرورة الإنسان. و من هذا المنطلق يجب أخد فعل القوى المنتجة بعين الاعتبار لفهم التاريخ، و القوى المنتجة تمثل مجموع الوسائل المادية وكلّ أصناف القوى التي بحوزة المجتمع الإنساني، و الوعي من هذا المنطلق هو البنية الفوقية المتولدة عن العلاقة الاجتماعية المحكومة بعلاقات اقتصادية. و هكذا فإن الوعي عند ماركس هو وليد نشاطه المشكّل للطبيعة في التاريخ و شوبنهاور لا يستحضر فقط معنى التاريخ العالم أي تاريخ الإنسان و الإنسانية بل أيضا التاريخ الفردي أي السيرة الذاتية لكلّ فرد وهو كذلك المظهر الذي يستدعيه فرويد في مستوى فهمه لبنية الجهاز النفسي. فرويد Freudإن إضافة فرويد تتمثل في اكتشافه للاشعور، أو تفطنه لانبجاس الغيرية داخل الانية، إذ يتقدم اللاوعي باعتباره الآخر الذي على الوعي أن يتسع لاستيعابه. و هو ما يعني أن إقرار فرويد بأهمية اللاوعي في تركيبة الإنسان ليس اقصاءا كليا للوعي بما أن الوعي يبقى المجال الذي يمكننا من إدراك اللاوعي إذ أن اللاوعي يتمظهر في اللاوعي الذي يفسره. و هكذا يبرز فرويد وهم اختزال الإنسان في بعده الواعي فالإنسان لا يتحدّد إلا في إطار هذه الكثرة الداخلية التي تتجاوز الإقرار الميتافيزيقي بوحدة الأنا إذ تنكشف نفسية الإنسان متعددّة بل مركبة من منظمات ذات رغبات متناقضة منظمات تنزل هي ذاتها في التاريخ بما أنها تتطور في السيرة الذاتية لكلّ فرد ولكن أيضا تتمثل معطيات عامة ترتبط بالتاريخ الحضاري الإنساني العام مثل ما يتمظهر ذلك في العقد الكونية التي تحدث عنها فرويد عقدة أوديب وعقدة الخصي… سبينوزا، مارلوبنتي، ماركس و فرويد بيـّنوا إذا وهم الاعتقاد في إمكان تحقيق الإنية بإقصاء كلّ أشكال الغيرية فأنا لا أستطيع أن أتحدث عن وجود كامل للذات إذا ما استبعدت الجسد والعالم والتاريخ واللاوعي، لا إنية إذا دون غيرية، ذلك ما يقره هيقل بشكل واضح وصريح عندما اعتبر أن فعل الوعي بالذات في حاجة إلى وساطة الآخر. هيقل Hegelيرى هيقل أن فعل الوعي بالذات مثلما تحقق مع ديكارت كفعل انسجام مع الذات هو في الحقيقة فعل انشطار لأن الوعي بالذات بمعناه الديكارتي هو أساسا هذه العودة على الذات انطلاقا من الكيان الآخر، و الوعي يصل إلى منتهى هذه العلاقة عندما يدرك أن الذات والموضوع مبنيان بنفس حركة الانشطار هذه، بما أن ماهية الوعي بالذات في انعكاس الأنا على ذاته انطلاقا من إقصاء الآخر الذي يمثله الجسد والعالم الخارجي. و فعل انشطار الذات يتمثل في اعتبارها في ذات الوقت ذاتا عارفة و ذات موضوعا للمعرفة، و بما أن كلّ من الذات العارفة و الذات الموضوع يمثل ذاتا فإننا نكون إزاء ذاتين تدعي كلّ واحدة منهما أنها الوعي بالذات و أن الآخر هو الموضوع، و هذا يعني أن فعل الوعي بالذات لا يتحدّد إلا بواسطة الآخر لذلك يجب على الوعي بالذات أن يحافظ على الآخر إذا أراد أن يحقق وعيه بذاته كذات واعية. و لكن صراع الذاتين من أجل تحقيق نفس الرغبة يؤدي إلى تنازل أحد الحدّين على النظر إلى تعاليه بالنسبة إلى الآخر كشرط لتحقيق كيانه و بهذا التنازل ينتج اللاتوازن بين الحدين الذي تعبر عنه الجدلية الشهيرة السيّد والعبد، و في هذا اللاتوازن يحمل الوعي بذاته بذرة الفشل الذي سيكابده في هذه التجربة إذ أن الاعتراف المتبادل لا يتحقق بما أن السيد يحقق اعتراف وعي غير مكافئ له. وجدلية السيد والعبد رغم الفشل الذي انتهت إليه تبين لنا مع هيقل أن الآخر ضروري لتحقيق الوعي بالذات وأن كلّ تعالي على الآخر يؤدي إلى فشل الذات في تحقيق انيتها فوجودي هو بالضرورة وجود مع الآخر الذي ينافسني على الإنسانية هذا الكوني الذي ترنو إليه فرديتي و الذي يمثل في معنى ما حركة تضمين الفردية أو الخصوصية .. حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة جمهورية مصر العربية .