فى حوار مع اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب 48عاماً على حرب أكتوبر ورغم كل هذه السنوات الا أنها مازالت حديث العالم ولا تكف مراكز الأبحاث الإستراتيجية عن إصدار الكتب والدراسات عن الحرب بأبعادها المختلفة وتحاول أن تستخلص منها الدروس حيث وصفها المؤرخون بأنها الحرب الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية وقد قلبت موازين القوى وأبهرت العالم بعد أن أجمع خبراء عسكريون على استحالة تنفيذ فكرة العبور ولكن عبقرية التخطيط وعنصر المفاجأة وعزائم المصريين حققت المستحيل .
وفى السطور التالية نسرد قصة أحد الأبطال المدنيين والتى وثقها اللواء أ.ح طيار محمد زكى عكاشة فى كتابه (جند من السماء) عن أحد المهندسين المصريين والذى أسهم بعمله فى دعم سلاح الجو المصرى وحمايته وهو دكتور مهندس محمود يوسف سعادة الأستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز القومى للبحوث نائب رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا مدير مكتب براءة الإختراع فى التسعينيات الأستاذ المتفرغ بالمركز القومى للبحوث والحائز على جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون .
عالم مصرى كان وراء شن حرب ضد إسرائيل.. كان قرار الرئيس المصرى الراحل أنور السادات بشنّ حرب ضد إسرائيل فى خريف العام 1973 معرضاً للإلغاء، بعد أن أخبره قادة قوات الدفاع الجوى فى الجيش بمشكلة كبيرة تهدد قيام الحرب من الأساس. المشكلة الكبيرة التى نزلت تفاصيلها كالصاعقة على مسامع السادات هى عدم توافر الوقود الخاص بصواريخ الدفاع الجوى والتى يقع عليها العاتق الأكبر فى حماية سماء مصر من الطيران الإسرائيلى خلال المعركة بعد أن إنتهت صلاحيته.
كان إنتهاء صلاحية الوقود راجعاً الى توقف السوفييت عن توريد هذا الوقود لمصر عقب قرار الرئيس الراحل بطرد الخبراء الروس فى العام 1972. الحيرة والتردد بدأت على السادات وعلى الفور عقد إجتماعاً عاجلاً لكافة قيادات الجيش، لمحاولة التوصل لحل للمشكلة، خاصة أن الموعد الذى حدده لشن الحرب لا يتبقى عليه سوى 4 شهور.
فى يونيو من العام 1973 عقدت إجتماعات مكثفة شارك فيها كافة الخبراء، وخلال تلك الإجتماعات طلب أحد المشاركين الإستعانة بأستاذ فى المركز القومى للبحوث، يبلغ من العمر 35 عاماً عرف عنه الذكاء الحاد والخبرة الكبيرة فى هذا التخصص الدقيق.
خلال دقائق إنتقلت سيارة خاصة لمنزل العالم المصرى محمود يوسف سعادة، وطلب منه قائدها التوجه معه لمقابلة مسئولين كبار، وفور وصوله عرضوا عليه تفاصيل المشكلة التى تؤرق الرئيس الراحل وقادة الجيش. توصل العالم المصرى محمود يوسف سعادة مع المسئولين فى معامل الجيش الى الحل السحرى الذى أبهر السادات وقرر بعده إتخاذ قرار الحرب وتحديد موعدها بدقة، فقد أبلغه قائد كبير بالجيش أن المشكلة إنتهت ويمكن توافر الوقود اللآزم خلال أيام.
الدكتورة سعاد محمود سعادة المتخصصة فى ترميم الآثار وإبنة العالم المصرى تروي تفاصيل وتقول إن الحل الذى توصل اليه والدها بالتعاون مع الجيش هو تكوين الوقود من العناصر المستخدمة فيه والتى لم تنتهِ صلاحيتها بعد
والإستعانة بالمواد الخام المتوافر مثلها فى مصر لإعادة تصنيعه من جديد وهو ما حدث مضيفة أنه تم توفير كميات هائلة منه، الأمر الذى أدى فى النهاية لخوض الحرب والإنتصار الكبير. وتضيف أن والدها محمود يوسف سعادة نجح فى إستخلاص 45 طن وقود جديد من الوقود المنتهى الصلاحية الموجود حيث تمكن من فك شفرة مكونات الوقود الى عوامله الأساسية وأعاد تكوينه وتم إجراء تجربة شحن صاروخ به وإطلاقه ونجحت التجربة تماماً، وفرح الرئيس السادات وقادة الجيش كثيرا بذلك.
وتقول إن والدها كان من أوائل من عملوا فى مجال الكيمياء الصناعية والموجات فوق الصوتية فى مصر حيث توصل كذلك لحل مشكلة أخرى كبيرة كانت تؤرق المسئولين عن الزراعة المصرية وهى الفئران الحقلية الكبيرة التى كانت تلتهم المحاصيل ولم تفلح المبيدات الحشرية فى التخلص منها مضيفة أن والدها تمكن من إستخدام الموجات فى إزاحة الفئران والتخلص منها نهائياً. العالم المصرى محمود يوسف سعادة، كما تقول إبنته تخرج فى كلية الهندسة قسم كيمياء صناعية وتزوج من إبنه أستاذ التخطيط المصرى الشهير سيد كريم، الذى يرجع اليه الفضل فى وضع التصميمات والتخطيط العمرانى لعدة مدن مصرية وعربية، مثل بغداد الجديدة ودمشق الجديدة وأبوظبى وصاحب مشروع تخطيط القاهرة الكبرى عام 1952 وأول من أدخل عمارة الأدوار العالية الى مصر.
وتقول إن والدتها كان عمرها 16عاماً عندما تزوجها والدها ولم تكن قد أكلمت دراستها وساعدها والدها العالم الراحل فى إكمال مشوارها الدراسى حتى حصلت على الدكتوراه فى الآثار، وتقوم بالتدريس حالياً فى الجامعة الأميركية فى القاهرة. توفى العالم الراحل في العام 2011 وشهد جنازته عدد من العسكريين والعلماء الذين كانوا على علم تام بدوره الكبير فى حرب أكتوبر والنصر العظيم الذى تحقق لمصر والعرب.