إذا كان المعماري هو من يبني بيوتا، فالسياسي هو من يبني وطن ، و عليه فلا بد للسياسي أن يتعلم فن العمارة قبل دخوله عالم سياسة فن الممكن، فمهنة العمارة يختلط فيها الفن بالعلم، و الخيال بالواقع، كما أن فن العمارة ليس محدودا باللون الأبيض و الأسود، بل أن مساحته تضم ملايين الدرجات الرمادية. و المعماري المتميز هو من يملك موهبه فطريه يدعمها بالملاحظه والمشاهده وإستقراء الجمال ، و يتسم كذلك بسعةالإطلاع لمواكبة الجديد محليا و عالميا، و هذا يتطلب صدقا مع النفس
و المعماري المحترف هو من يحقق الهدف الأسمي من المبني، و يحاول أن يجد حلولا لمستخدميه ما يجعلهم فخورين بالمعيشه في المبنى، و يجعلهم في راحه و إحساس بالجمال يتعايش مع حياتهم، فلا يشعرون بحرارة الجو و لا يحتاجون تكييفا لجعل حياتهم اكثر رفاهية، كما يجدون في مادة البناء ما يجعلها تعيش السنين بصيانه غير مكلفه، كل ذلك في غلاف جميل الفراغات، بديع التفاصيل. و هناك آخر يجعله مكانا غير قابل للمعيشه، و كل إهتمامه الحصول علي المال !!.
و لكي ينجح السياسي عليه أن يتبع سياسة (فن الممكن في الزمن المستحيل) أو ( فن المستحيل في الزمن الممكن) لأنه حتما سيجمع بين الواقعية و الإبداع، و الخيال السياسي في إطار العلم بحقائق الأوضاع، و مدى إمكانية التغيير فيها. والسياسي هنا يقف على أرض الواقع، ويتعامل مع حقائقه، و لكنه يترك في عقله مساحه للخيال السياسي، فيحاول مع المستحيل ليجعله ممكنا، بكل ما يستطيع لكي يخلق واقعا جديدا مستغلا بعض الثغرات في الأوضاع الإقليمية والخارجيه، مستنفرا معه كل القوي و الإمكانيات، لتكون مؤثره في تطويع المناخ العام ما أمكن وفق مشروعه السياسي. وهذا عكس المغامر السياسي الذي يتبع سياسة (فن المستحيل في الزمن المستحيل)، و التي تعني تجاهل حقائق الوضع الكائن تمسكا بأحلام وهمية، و شعارات جوفاء مستحيلة التنفيذ، كالذي يحارب المستحيل فيفقد كل شييء!!.
و علي ذلك.. فالمعماري الفنان هو من يبذل قصاري جهده في إختزال العلوم والفنون لإسعاد الناس وراحتهم حسب إمكانياتهم، و بلغة سياسيه فالسياسي الحق من يقلل الهوة الفاصله بين الموجود والمطلوب، و بين الواقع والخيال، فإذا فشل في ذلك، فهو إذن سياسي فاشل بإمتياز، لأنه ببساطه فاقد للبصيرة، ولا يحمل رؤية أو خيال إستراتيجي، إذ عليه ان ينتبه إلي حسن قراءة الواقع وتوازناته العميقه، مصحوبا بسعة الخيال، وقوه الارادة إنطلاقا من قاعدة (السياسة فن الممكن)
فلو إكتفي الزعماء و المناضلين بالتفكير في الممكن، لما تمكن أي شعب من طرد الإستعمار، و لما تمكنت أي أمة من تحقيق نهضة عظيمة، و لو خضع كل سياسي لمنطق الممكن فقط لما تغيرت خريطة العالم سياسيا و إقتصاديا، فالعمل السياسي – في بعده الوطني – يجب أن ينطلق من طموحات تتجاوز الممكن إلي المستحيل. و فيما عدا ذلك يتحول العمل السياسي إلي لعبة الغرض منها تحقيق مصالح ضيقة لتيار معين أو طبقة بعينها، و الصحيح أن يتعامل السياسي مع الممكن بإعتباره نقطة إنطلاق لا نقطة وصول.