تفيد معظم الكتابات بأن المرجعية التاريخية للقب “اليمن السعيد”، تعود إلى الإسكندر المقدوني، الذي أطلقه على اليمن بعد فشله في غزوها، مراراً. والحقيقة أنني شاهد عيان على سعادة اليمن، بعدما عشت على أرضها ثلاث سنوات متواصلة، ضمن القوات المصرية التي أرسلها الرئيس الراحل عبد الناصر، لدعم عبد الله السلال في أعقاب ثورته ضد الإمام البدر؛ فرغم مرارة الحرب، إلا أنني استشعرت سعادة اليمن من أجوائها الصحية، وسهولها الخضراء، وطيبة شعبها، المتميز بالتسامح والكرم، رغم قبليته الشديدة، التي فطرته على الشهامة وعزة النفس.
أما اليوم، فالألم يعتريني وأنا أتابع ما يعانيه هذا البلد الشقيق من عدم استقرار، وضيق ذات اليد، وحروب أهلية، وإرهاب فرضته عناصر مجموعات الحوثيين وداعش، التي استقرت على أرض اليمن، واتخذتها منصة لإطلاق عملياتها الإرهابية، لتقضي بذلك على واحدة من أقدم، وأعرق، الحضارات في التاريخ، التي عرفنا منها أشهر ممالك اليمن القديم، مملكة سبأ، ومملكة معين. ويعود الفضل لليمن في تطوير أقدم الأبجديات في العالم، المعروفة بخط المسند.
استقلت اليمن عن الدولة العثمانية عام 1918، وعرفت باسم “المملكة المتوكلية”، إلى أن تم إسقاطها في عام 1962، وقامت الجمهورية اليمنية، حتى تحققت الوحدة مع عدن في مايو 1990، وتولى رئاستها علي عبد الله صالح، حتى عام 2021، عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضده، ضمن سلسة “ثورات الربيع العربي”، ومن يومها لم تعرف اليمن الاستقرار. وفي سبتمبر 2014 سيطر الحوثيون على صنعاء، وهم جماعة دينية، أسسها عبد الله الحوثي عام 1992، في منطقة صعدا شمال اليمن، وأطلق عليها اسم “حركة أنصار الله”، بهدف مناهضة الحكم القائم في اليمن.
تتلقى تلك الجماعة الإرهابية، دعماً هائلاً من إيران، سواء بالتمويل أو بالتسليح، إذ تم إمدادها بالخبراء العسكريين الإيرانيين، فضلاً عن الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة بدون طيار، التي تطلقها، بصورة شبه يومية، في اتجاه جنوب المملكة السعودية في نجران وجيزان، وما تم من قبل من مهاجمة لمعامل أرامكو للبترول في المملكة، وهو ما يتوافق مع محاولات إيران، الدائمة، لمد سلطانها في المنطقة، لنصل اليوم إلى العام السابع، منذ بدء هذا النزاع، وإذا بنا أمام أكبر أزمة إنسانية عرفها العالم في العصر الحديث، أزمة إنسانية مكتملة العناصر، خلفت وراءها نقصاً، يرتقي لحد العدم، في الغذاء والمياه والأدوية والأمصال، فضلاً عن تهجير الأهالي من مدنهم وقراهم، وإغلاق المدارس، وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان.
بل وامتدت العمليات الحوثية إلى ما يصنف كجرائم حرب، بزرعها للألغام في أراضي اليمن، وتجنيد الأطفال ضمن ميليشياتهم، مع رفض تام لأي مبادرة لوقف إطلاق النار، كما حدث مع المبادرة التي تقدمت بها السعودية، وتقدموا بمبادرة، اطلقوا عليها “مبادرة مأرب”، تمحورت أهدافها الرئيسية حول اقتسام الحوثيون لعائدات البترول والغاز الطبيعي وكافة ثروات اليمن، ليدور القتال، حالياً، حول مدينة مأرب، في محاولة من الحوثيين السيطرة عليها، قبل الدخول في أية مفاوضات، لوجود أبار النفط والغاز بها من ناحية، ولأنها آخر معاقل القوات الحكومية اليمنية في الشمال، من ناحية أخرى.
ومع الأسف، ضاعت القضية اليمنية في أروقة الأمم المتحدة، التي غيرت مبعوثها إليها، لعدة مرات، مع استمرار فشل كافة المساعي الرامية إلى التهدئة والاستقرار، لترمي الأزمة الإنسانية بظلالها على شعب اليمن، والتي وصلت إلى منع ميليشيات الحوثيين لمد اليمن بالمعونات الإنسانية من الغذاء والأدوية المرسلة إليهم، وفي حالة وصول شحنات الأمم المتحدة إلى موانئ الحديدية، يستولي عليها الحوثيون، ولا يتم توزيعها على الشعب اليمني، وفقاً للقوانين الدولية، لتتركه يعيش أسوأ فترة في تاريخه، وتاريخ الإنسانية، في العصر الحديث. بل امتد الإجرام الحوثي لرفض طلب الأمم المتحدة بإجراء عملية الصيانة لناقلة البترول “صافر”، الموجودة في البحر الأحمر، أمام السواحل اليمنية، وهو ما قد ينجم عنه أكبر كارثة بيئية، في العصر الحديث، تهدد منطقة البحر الأحمر بالكامل، حال حدوث تسريب، واشترطت الميليشيات الحوثية الحصول على كامل البترول، على ظهر هذه الناقلة، في مقابل السماح بصيانتها.
وهكذا لم يعد اليمن سعيداً بالمرة، فهو يسير، بخطى متسارعة، في نفق مظلم، لا تبدو له نهاية، يتسبب في ظلمته الدعم الإيراني، بالأموال والسلاح والعتاد، بهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة، وخاصة في المملكة العربية السعودية، والبحر الأحمر. ولم تجد الاستغاثات الدولية من كافة منظمات الأمم المتحدة لإنقاذ شعب اليمن وأطفاله، علاوة على وجود أكثر من 700 ألف لاجئ صومالي، لا يتحملهم الاقتصاد اليمني الهش، وعدد آخر من المتسللين من دول القرن الأفريقي، الذين يتخذون من اليمن منفذاً إلى دول الخليج العربي، مع استمرار القتال، حالياً، بين قوات التحالف العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات، لدعم الحكومة الشرعية اليمنية في عدن، وبين قوات الحوثيين المدعومين من إيران.
وفي ظل تدهور الأوضاع، يعجز الجميع عن توقع موعد انتهاء ذلك الصراع الدامي، أو التنبؤ بمصير هذا الشعب العريق، الذي يشهد أكبر أزمة إنسانية، بسبب تدخل إيران السافر في المنطقة … ويظل السؤال معلقاً عن موعد استقرار اليمن، وعودة الأمن والأمان لشعبه، وعودة الأطفال إلى مدارسهم، وإلى الحياة التي يستحقونها … ويبقى دعائنا وابتهالنا إلى الله أن يعود اليمن سعيداً كما كان، وكما عرفناه.