ملامح هادئة تعوضها نظرات حادة وعميقة يفهمها التونسيون الحاذقون كلما أطل عليهم الرئيس قيس سعيد أو التقوا به في المحافل أو الميادين.
ولنحو عامين جلس قيس سعيد ذو الطابع الهادئ الصبور على كرسي الرئاسة في تونس، وبدا للمراقبين كأنه يجلس على برميل مملوء بالبارود قابل للانفجار فجأة داخل بلد منهك اقتصادياً ويشهد تجاذبات سياسية حادة وتضطر مؤسسات الدولة فيه للوقوف على مسافة واحدة من الجميع.
لكن يبدو أن الرئيس التونسي لم يقبل أن تتحمل دولته مزيدًا من الضغط على مفاصلها ولا مزيدًا من الغضب الشعبي، وفي لحظة يوحى تسلسل الأحداث أنها تم اختيارها بعناية خرج قيس سعيد -بعد طول انتظار لانفراجة تلقائية- متخذًا قرارات لن تعود تونس بعدها إلى الأوضاع التي كانت سائدة قبلها.
رجل القانون والدستور لجأ إلى المادة 80 التي تخول له كريس للبلاد صلاحيات فرض تدابير استثنائية إذا وجد خطر داهم يهدد الدولة.
وقال سعيد إنه طبق فقط الدستور الذي يحتم على الرئيس تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الضرورية لحماية البلاد.
ووفق الدستور، قام قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والعدل كما فرض حظر تجول ليلي في البلاد مدة شهر.
وجاء هذه القرارات الجريئة والحاسمة تحت مظلة قانونية يعرفها جيدا أستاذ في القانون طالما درسه لطلابه على مدار عقود وهو ما قطع الطريق على حركة النهضة الإخوانية المناوئة له بادعاء أن إجراءاته تعد انقلابا.
وقال أستاذ القانون الذي يرأس البلاد: من يعتبر هذه الاجراءات انقلابا عليه أن يراجع دروس القانون.
لمحة على نشأة وحياة قيس سعيد قد تفسر جانبا من طابعه الهادئ القابل للتحول الحاسم في اللحظة المناسبة على طريقة اتق الحليم إذا غضب.
وهو المولود في 22 فبراير 1958 لعائلة من الطبقة المتوسطة درس بالجامعة التونسية وتخرج منها ليدرس فيها لاحقا القانون الدستوري قبل التقاعد في 2018.
وحصل على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم مارس تدريس القانون في جامعة سوسة وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل إثرها ومنذ 1999 وحتى 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.
بدأ حياته المهنية عام 1986 مدرسا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بمدينة سوسة شرق، قبل أن ينتقل في 1999 للتدريس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة.وتقلد سعيد بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من أجل الإعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.
ومنذ عام 2011 بدأ التونسيون التعرف عليه عن قرب، عندما كان يظهر في وسائل الإعلام لشرح الأمور والقواعد الدستورية المعقدة ببساطة تروق للبسطاء ومتوسطي الحال، وإشراكهم بوعي في مهمة كتابة الدستور الجديد للبلاد عام 2014.
ولم يخف الرجل يوما مناهضته للنظام التونسي السابق وكذلك دعمه القوي لمطالب ثورة 2011 في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التي صاغها ورفعها التونسيون.
وقال سعيد بعد إصدار قراراته التاريخية إن البعض يعتقد أن الأخلاق ضعف وأن الاحترام ضعف والتعفف نوع من الخوف مشيرا إلى أن الأوضاع في البلاد بلغت حدا لم يعد مقبولا وأن الصبر قد نفد.