بدعوة كريمة من مساعد وزير العدل القاضية أمل عمار، والقاضى علاء الشيمى والقاضية رشا محفوظ؛ لإلقاء محاضرة عن العدالة فى مصر القديمة على وجه العموم، وقوانين الحرب على وجه الخصوص، قام بالنيابة عنى صديقى الدكتور وسيم السيسى متحدثًا بلسانى فى هذا الجمع الخطير من القضاة والقاضيات، والذين كان يبلغ عددهم فوق العشرين.
استمرت الحضارة آلاف السنين وحتى الآن، بل وانبثقت عنها كل الحضارات التى جاءت بعدها، وضعت القانون الذى كان مثاليًا فى قواعده، عالميًا فى مراميه، عادلًا فى أحكامه، نقيًا فى مبادئه، صافيًا فى مواده، وكان مثار دهشة للمؤرخين لأنه قام على دعامتين: ١- العدل أساس الملك. ٢- العدالة الاجتماعية. فالكل أمامى سواء، حتى إن تيودور الصقلى وصف ملوك مصر قائلًا: ليسوا كحكام البلاد الأخرى المستبدين، بل كان الملك معرضًا لمسؤولية سياسية تمارسها الجماهير، وتتمثل فى حق الشعب فى الرقابة على أفعاله، وكنت أشكل محكمة فى آخر أيام الحداد على الملك تبيح لمن شاء أن يتهمه، فإذا كانت حياته وضيعة تصايحت الجماهير حتى يحرم الملك من حق الدفن الرسمى، لذا كان من يخلفونهم على العرش يقيمون العدل خوفًا من العار.
تحدث عنى جيمس هنرى برستد فى كتابه فجر الضمير ص٢٢٣، خطاب العرش للوزير الأعظم: «اعلم أن الوزارة ليست حلوة المذاق بل مرة!، اعلم أن الماء والهواء سوف يخبراننى بكل ما تفعل، اعلم أن احترام الناس لك لن يكون إلا بإقامتك للعدل، وأن العدالة هى الحياد المطلق، وإذا أتى إليك شاكٍ عليك أن تطمئن إلى أن كل شىء يجرى وفق القانون».
أنا أول من أعطى المريض حق شكوى الطبيب، كما كنت أول من أمم الطب فى العالم، فكانت الدولة تكفل للطبيب حياة كريمة فى مقابل ألا يتقاضى الطبيب شيئًا من المريض، حتى الهدايا تهدى لبيت الحياة «كلية الطب»، التى تخرج فيها الطبيب.. وضعت حاجزًا بين يد الطبيب وجيب المريض!.
أنا أول من وضع قانونًا لحقوق الإنسان «حورمحب» وكان منها: جريمة كبرى تستحق الإعدام إذا تخطى قاضٍ حدود العدل، كما وضعت قوانين للحروب، وبينت أن الحروب هى موت للجنود ومجد للحاكم إلا فى الضرورة القصوى للدفاع أو التأديب، كان شرطًا: إذا أعلن الملك الحرب أن يكون فى مقدمة الصفوف، وأن يكون مع الجيش مترجمون لطمأنة الممالك التى يمرون بها، وألا يعتدوا على شيخ أو امرأة أو فتاة أو طفل أو دور للعبادة، أو مكتبة للعلم، وألا يعودوا بغنائم، لأن مصر غنية، وأن يحمل الجنود أبناء الأسرى عند العودة!.
عرفت أن الأمم تتقدم حين تكون المرأة على قدم المساواة مع الرجل، فجعلت المرأة ملكة منذ الأسرة الأولى «ميرت نت»، وأعطيت الزوجة حق شكوى زوجها إذا صدرت منه قسوة باليد أو اللسان، وجعلت الابنة الصغرى «فوق ١٦ سنة» تقوم بتوزيع الميراث بالتساوى بين الإخوة والأخوات، وأعطيتها بندًا فى وثيقة الزواج يقول:
«إذا هجرتك كزوج أرد لك مهرك ونصف ما جمعناه سويًا فى حياتنا الزوجية (الخلع)»، جعلت المرأة موسيقية، طبيبة، معلمة، كاهنة، فلا فرق بينهما حتى فى الشؤون الدينية.
اخترت رمزًا لى ريشة النعامة، لأن الريش متساوٍ على جانبى الريشة، ولا تكون العدالة إلا بالمساواة بين طرفين، وكانت هذه الريشة توضع على إحدى كفتى الميزان فى محاكمة الروح، وعلى الكفة الأخرى أعمال المتوفى الصالحة، فمن ثقلت موازينه يذهب إلى يارو «الجنة»، ومن خفت موازينه فإلى نار هاوية «جهنم»، أخيرًا حين هاجمنى مطران خليل مطران بالظلم فى مصر، كان رد أمير الشعراء:
زعموا أنها دعائم شيدت/ بيد البغى ملؤها ظلماء
أين كان القضاء والعدل والحكمة/ والرأى والنهى والذكاء