بصفتي عضو فاعل في “نادي الدعامات”، وهو الاسم الذي أطلقته على من قام بتركيب دعامات في شرايين قلبه، فقد صرت متابعاً لكل ما هو جديد في علوم أمراض القلب. لقد انضممت لعضوية ذلك النادي منذ أن كان تركيب الدعامات، عملية معقدة، تحوي الكثير من المخاطر، مما يستدعي مهارات خاصة في الطبيب الذي يتولى إجرائها، أما اليوم، ومع التطور التكنولوجي الذي تشهده كافة المجالات، والتي كان للعلوم الطبية منها نصيب، فقد حظيت عملية تركيب الدعامات بدفعة كبيرة، تلك العملية التي تتلخص في تركيب أجزاء مصنّعة داخل شرايين القلب، لفتحها، بعدما سدها تراكم الدهون الناتجة عن العادات الغذائية غير السليمة، وأنواع الطعام خاصة الوجبات السريعة “Fast Food”، بالإضافة إلى التدخين وعدم ممارسة الرياضة، وغيرهم من المسببات.
وهذا الأسبوع شرفني اللواء طبيب خالد شكري، رئيس الأكاديمية الطبية العسكرية للقوات المسلحة، ورئيس المؤتمر العلمي السنوي لأمراض القلب، الذي تنظمه الأكاديمية العسكرية بالتعاون مع الجمعية المصرية لأمراض القلب، بدعوتي للمشاركة في الجلسة الافتتاحية وتقديم محاضرة بعنوان “مصر إلى أين عام 2021″، والذي يشارك فيه نخبة متميزة من الأساتذة المصريين والخبراء الأجانب المتخصصين في ذلك المجال، وبحضور نحو 2000 طبيب مصري نصفهم متواجدين فعلياً بالمؤتمر، والنصف الآخر يتابع “افتراضياً” من خلال وسائل ومنصات التواصل على الإنترنت. وعلى هامش المؤتمر أقيم معرضاً لعرض أحدث إنتاج الشركات العالمية من الأجهزة والمعدات الطبية، سواء في مجال التشخيص أو التدخل الجراحي.
يصنف مؤتمر هذا العام بأنه ثاني أكبر مؤتمر للجمعية المصرية لأمراض القلب، ويتميز، في دورته الحالية، بتركيزه على متابعة عدد من العمليات التي يتم بثها مباشرة، من غرف العمليات، حول العالم، ليتابع تفاصيلها الحاضرون من خلال شاشات العرض. تابع الحضور إجراء 12 عملية؛ خمس منهم عمليات قسطرة أجراها خبراء أجانب من خارج مصر، و7 عمليات قسطرة تم نقلها على الهواء من مستشفى كوبري القبة العسكري، 4 منهم أجراها أطباء القوات المسلحة، و3 عمليات أجراها الأساتذة بجامعات القصر العيني وعين شمس والإسكندرية.
كان الهدف من متابعة هذه العمليات، على الهواء، هو التعرف على أحدث الأساليب والتقنيات والإرشادات في تركيب الدعامات، والأهم هو التعرف على المشاكل الطارئة، التي قد تواجه المريض أثناء إجراء العملية، وكيفية تصرف الطبيب، حينها. ولأول مرة، ومن خلال هذا المؤتمر، يتابع الأطباء المصريون عملية أجراها الخبراء الأجانب في إنجلترا، تم فيها تركيب صمام، عن طريق القسطرة، في الصمام ثلاثي الشرفات، وهي المرة الأولى التي يطلع فيها الأطباء بمصر، خاصة الأجيال الجديدة منهم، على أسلوب إجراء مثل تلك الجراحة المعقدة.
خرج المؤتمر في صورة مشرفة، من حيث التنظيم والإدارة والمحتوى العلمي، ليضاهي أكبر المؤتمرات الدولية المتخصصة؛ فمن الناحية التنظيمية شارك فيه عدد كبير من الحاضرين، واستخدمت فيه أحدث وأرقى الوسائل التكنولوجية، لنقل فاعلياته، والتواصل، على الهواء مباشرة، بين الخبراء بمستشفى القلب التخصصي في كوبري القبة، والخبراء من خارج مصر في إنجلترا وفرنسا وألمانيا، باستخدام تقنية Video Conference، فكانت العمليات الجراحية تعرض مباشرة، ويتم التفاعل بين أطقمها الطبية، والمشاركين في المؤتمر، فعلياً وافتراضياً. لقد لمست، بنفسي، مدى استفادة أطباء القلب المصريين من المؤتمر، من خلال تفاعلهم وحماسهم، وما أسعدني كان حجم المشاركة فيه من شباب الأطباء المصريين المتخصصين في مجالات القلب، الذين اعتبرهم نواة هذا العلم في محافظات مصر المختلفة.
فالحقيقة أن القوات المسلحة المصرية تتمتع بخبرة واسعة في مجال أمراض القلب، وتصنف مستشفى القلب التخصصي، بمجمع كوبري القبة، بجوار ضريح الرئيس عبد الناصر، والتي يرأسها اللواء طبيب أمين فؤاد، بأنها أعلى المستشفيات تجهيزاً في الشرق الأوسط، سواء من حيث الأجهزة والمعدات، أو خبرة الأطباء، فضلاً عن إسهاماتها العلمية المتقدمة، إذ استحدثت أسلوب شفط الجلطات بديلاً عن تذويب الجلطات، والذي بدأ العمل به في كثير من المستشفيات المتخصصة في العالم، وتوفر مستشفى القلب في كوبري القبة، طاقم من الأطباء الجاهز للتعامل مع الجلطات بهذه الأسلوب الجديد، للعسكريين والمدنيين، لمدة 24 ساعة على مدار الأسبوع.
يمتد التطوير بأقسام القلب لباقي مستشفيات القوات المسلحة؛ ففي الأسبوع الماضي، افتتح قسم القلب، بمستشفى الجلاء العسكري، برئاسة العميد طبيب محمد خضر، أحدث غرفة عمليات لقسطرة القلب، في مصر، ولقد حضرت، بنفسي، تدريب الأطباء مع الخبراء الأجانب على تشغيل هذه الغرفة، التي تحتوي على أحدث تكنولوجيا العصر. وهناك أقسام للقلب في المستشفى الجوي التخصصي بالتجمع الخامس، ومستشفى غمرة العسكري، ومجمع مستشفيات المعادي، والمستشفى العالمي على طريق الإسماعيلية الصحراوي، والتي تقدم جميع خدماتها، للعسكريين والمدنيين على حد سواء، بنفس المستوى المتميز من الأداء والحرفية. ولا يفوتني التنويه عن التطور الذي شهدته كلية الطب العسكري، ذلك الوليد الجديد الذي حصل على ثلاث شهادات أيزو، هذا العام، وتعاون مع مستشفى ولاية متشجن بالولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة ميلانو الإيطالية، لإيفاد الطلبة المصريين للتدريب هناك، وجاري حالياً التنسيق لمنحهم رسالة الماجيستير من جامعة ميلانو.
واختتم المؤتمر أعماله بتقدير خاص لكبير أطباء القلب بالقوات المسلحة المصرية، اللواء دكتور سيد عبد الحفيظ … فكل الشكر لكل من ساهم في إخراج هذا المؤتمر العلمي المتميز، الذي سينعكس على كفاءة المنظومة الطبية لصالح شعب مصر العظيم … وأقول بكل فخر أن قلوب المصريين في أيدٍ أمينة.