سارع المغرب منذ الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء (وسط المغرب) في 16 مايو سنة 2003 إلى وضع سياسية استباقية تقوم على مواجهة الفكر المتطرف وتجفيف منابعه وتجنيب البلاد هجمات إرهابية دموية.
وقد مكنت المقاربة الأمنية للمملكة من خلال العمل الاستباقي وتعزيز آليات اليقظة لمواجهة الخطر الإرهابي، من تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية وإجهاض اعتداءات وأعمال تخريبية كانت تستهدف شخصيات عامة ومنشآت حيوية ومواقع سياحية في عدد من المدن.
وتمكنت السلطات الأمنية المغربية منذ 2003، من تفكيك 210 خلايا إرهابية وتوقيف ما يزيد عن 4304 أشخاص، حسب معطيات رسمية.
وقد كشف المراقب العام في المكتب المركزي للأبحاث القضائية محمد النيفاوي أن 88 خلية من بين الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها منذ 2013 كانت على ارتباط وطيد بتنظيمات إرهابية بسوريا والعراق وبتنظيم داعش. الإرهابي بشكل خاص. وأكد المسؤول المغربي خلال ندوة صحفية نظمت بمناسبة الذكرى 18 لتفجيرات الدار البيضاء الإرهابية أنه تم إيقاف 1347 شخصا متورطا في قضايا مرتبطة بالإرهاب منهم 14 امرأة و34 قاصرا.
وكانت الدار البيضاء كبرى مدن المغرب في ليلة 16 من مايو من سنة 2003 مسرحا لأعنف عمل إرهابي عرفته المملكة أودى بحياة 45 شخصا معظمهم مغاربة في سلسلة تفجيرات متزامنة استهدفت 5 مواقع متفرقة باستعمال أحزمة ناسفة.
واعتمدت المملكة منذ ذلك الحين مقاربة أمنية تقوم على الاستباقية واليقظة وعلى تفكيك الخلايا الإرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ وإفشال كل المخططات الإرهابية التي تهدف للمس بأمن وسلامة المواطنين والأجانب فوق التراب المغربي.
يرى إدريس الكنبوري، الباحث المغربي المختص في الجماعات الإسلامية، أن الأرقام والمعطيات التي قدمها المراقب العام في المكتب المركزي للأبحاث القضائية تعد مؤشرا على نجاح ونجاعة المقاربة المغربية الشاملة لمواجهة خطر الإرهاب مشيرا إلى أن المغرب استطاع مع مرور السنين، مراكمة خبرة واسعة في هذا المجال.
ويضيف الكنبوري أن الكم الكبير من الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها تبرز قدرة المغرب على التصدي للإرهاب وتظهر كذلك استهدافه من طرف التنظيمات الإرهابية لعدة أسبابها من بينها موقعه الجغرافي القريب من أوروبا، إلى جانب دوره كشريك محوري لأوروبا في المجال الأمني والاستخباراتي، والذي ساعد على إحباط مخططات إرهابية في الخارج.
وقد عمل المغرب إلى جانب ذلك، وفقا للباحث المغربي على إعادة هيكلة المجال الديني من خلال مراجعة مضامين الخطاب الديني وضبطه داخل المساجد وتكوين العلماء والأئمة المرشدين والمرشدات.
ويشدد الكنبوري على أن كل هذه الإصلاحات واكبتها ترسانة قانونية في إطار مقتضيات القانون الجنائي المغربي مما خول متابعة المتهمين بقضايا الإرهاب ومن التحق، أو حاول الالتحاق بمناطق التوتر والمواجهات في كل من سوريا والعراق.
وعزز المغرب ترسانته القانونية بقانون 03.03 المتعلق مكافحة الإرهاب إضافة إلى إدخال تعديلات على القانون الجنائي همت وضع عقوبات عديدة تتابع من يمول أو يشد بالإرهاب بالحبس من سنتين إلى ست سنوات.
كما يعاقب وفق للقانون كل من صنع أو حاز أو نقل أو روج أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة، ويجرم كذلك الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.ويعاقب القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب كل من جند بأي وسيلة كانت، أو درب أو كون شخص أو أكثر من أجل الالتحاق بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية داخل أو خارج المغرب أو محاولة ارتكاب هذه الأفعال بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وتتضاعف هذه الأحكام في حال تعلق الأمر بتجنيد قاصر.
وبلغ عدد المغاربة ممن التحقوا بتنظيمات إرهابية في بؤر النزاع في الساحة السورية العراقية 1659 شخصا، ضمنهم 225 شخص سبق أن تمت متابعته بتهم الإرهاب والتطرف، بحسب معطيات المراقب العام في المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
وقد عالج المكتب 137 حالة من العائدين من بؤر التوتر، منهم 115 حصالة من سوريا والعراق و14 حالة من ليبيا و8 أشخاص تمت إعادتهم من سوريا إلى المغرب.
وحسب ذات المصدر فقد لقي 745 مغربيا حتفه في كل من سوريا والعراق معظمهم عبر عمليات انتحارية في الوقت الذي اعتقلت فيه السلطات المغربية 270 شخصا فور عودتهم إلى المملكة.
ومن بين حوالي 288 سيدة مغربية التحقت بالساحة السورية العراقية عادت إلى المملكة 99 امرأة إلى حدود اليوم فيما عاد 82 طفلا من مجموع 391 يتواجدون في مناطق الصراع.
ويؤكد مراقبون على تداخل العديد من العوامل في تنامي التطرف والإرهاب وبروز الفكر الجهادي في مقدمتها الهشاشة والتهميش.
ويشير المتخصص في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور في هذا الصدد إلى وجود عوامل ذاتية وأخرى مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية وراء التشبع بالفكر المتطرف.
ويضيف بنزاكوار على أن تفشي الجهل و غياب الحوار داخل الأسر ينتج عنه فراغ روحي و يجعل من بعض المواطنين فريسة سهلة أمام التنظيمات الإرهابية لاستقطابهم والإيقاع بهم مخاطبين وجدانهم و مستغلين تعطشهم للمعرفة.
ويؤكد المتحدث على أن الشرائح الاجتماعية المستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية تعاني عموما من الجهل مثلما تعاني من الظلم و التشتت الاسري و الهشاشة الاجتماعية وهو ما يجعلها مهيأة فكريا واجتماعيا للانسياق وراء الفكر المتطرف و للانبهار بتراكم المعلومات التي تتلقاها من هذه التنظيمات التي تستغل إحساسها بالنقص، من أجل توظيفها في مخططات تخريبية.
كما يشدد بنزاكور، على أنه تجارب أشخاص التحقوا بمناطق الصراع شكلت أيضا عاملا مشجعا للعديد من الشباب والفئات الهشة فكريا على الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية خارج أرض الوطن.